“مستعمرة” زراعية في جرف الصخر ترسّخ قدم إيران جنوبي العاصمة العراقية

“مستعمرة” زراعية في جرف الصخر ترسّخ قدم إيران جنوبي العاصمة العراقية

حلم السكان السنّة المهجّرين من ديارهم في منطقة جرف الصخر جنوبي العاصمة العراقية بغداد، آخذ في الابتعاد والتواري في ظلّ تقادم سيطرة الميليشيات الشيعية ومن ورائها إيران على المنطقة، وعملها الدؤوب على تركيز بنى أمنية ومصالح اقتصادية لها هناك بهدف تأبيد تلك السيطرة وفرضها كأمر واقع لا يمكن تغييره.

بغداد – تصطدم الجهود الهادفة لتطبيع الأوضاع في منطقة جرف الصخر المنتزعة بقوة سلاح الميليشيات الشيعية من سكّانها السنّة، بجهود مضادّة لفرض الواقع الجديد في تلك المنطقة ذات الموقع الاستراتيجي قريبا من العاصمة بغداد وعلى الطريق المتجه صوب الجنوب حيث كربلاء والنجف اللتين تضمّان بعض أقدس الأماكن لدى شيعة العراق والعالم.

وتخطّت الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران مرحلة بسط السيطرة على المنطقة التي تمّ إفراغها من سكّانها الأصليين خلال معركة استعادتها من تنظيم داعش في خريف سنة 2014، نحو تأبيد تلك السيطرة بتركيز بنية تحتية اقتصادية واستثمارية، بعد أن تمّ خلال السنوات الماضية، إنشاء بنية أمنية دائمة تتمثّل في إقامة معسكرات ومراكز مجهزة لتجنيد وتدريب وتعبئة المقاتلين كما تشمل إقامة مخازن وورش لتجميع وتركيب الأسلحة المهرّبة من إيران من طائرات مسيّرة وصواريخ قصيرة ومتوسّطة المدى.

وتمثّل المنطقة التي تتميّز بخضرتها وكثرة بساتينها موقعا نموذجيا لتمركز الميليشيات وإقامة مخازن لأسلحتها بعيدا عن رقابة الطيران الأميركي، حتّى أنّ الكثير من المصادر يصف جرف الصخر في الوقت الراهن بـ“المستعمرة الإيرانية” نظرا لوجود عدّة مراكز تابعة للحرس الثوري الإيراني الذي يسهر على تدريب وتأطير الميليشيات التابعة لإيران في العراق.

ويجري الانتقال في الوقت الحالي نحو تنفيذ الشق الاقتصادي والاستثماري من مخطّط السيطرة النهائية على جرف الصخر عبر استغلال ثرواتها الزراعية وخصوبة أراضيها ووفرة المياه فيها، تحت إشراف إيراني مباشر.

وتؤكد مصادر في هيئة الحشد الشعبي أن الميليشيات الشيعية التابعة لإيران حولت المنطقة إلى مستعمرة استثمارية، تنتشر فيها مشاريع تربية الدواجن والأسماك وتسمين العجول والحقول الزراعية.

ومنذ استعادتها من تنظيم داعش قبل أكثر من ستّ سنوات لم يسمح لسكان جرف الصخر، وهي معقل للسكان السنّة خارج العاصمة العراقية، بالعودة إليها بذريعة تشكيلهم خطرا على الأمن العام ومساعدتهم للتنظيمات المتطرفة مثل القاعدة وداعش.

وعرفت المنطقة بأنها تضم أبرز معتقلات الميليشيات السرية في البلاد، إذ تقول مصادر استخبارية إن سجون جرف الصخر تضم العشرات من الشبان والرجال السنّة الذي جرى اعتقالهم أو اختطافهم خلال حقبة الحرب على داعش في محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين.

وبسبب الطابع الزراعي للمنطقة ووقوعها على ضفة الفرات اليمنى، تشتهر جرف الصخر بإنتاج مختلف المحاصيل الموسمية، كما أنها مركز رئيسي لتوريد أسماك الحقول الصناعية إلى أسواق بغداد.

وقال مقاتلون جرى تطويعهم حديثا في قوات الحشد الشعبي، إن جرف الصخر تحولت إلى مستعمرة زراعية ضخمة، يشرف مهندسون زراعيون وأطباء بياطرة من إيران على إدارتها.

كتائب حزب الله العراقي هي المستثمر الرئيسي في المشاريع الزراعية بجرف الصخر تليها عصائب أهل الحق

ويقول المتطوعون إن المنطقة التي تبعد بنحو ستين كيلومترا عن العاصمة بغداد في اتجاه الجنوب الغربي تعج بحركة الآليات الزراعية وشاحنات نقل المنتجات الزراعية والحيوانية.

وتقول مصادر مطلعة على حيثيات هذا الملف إن المنطقة باتت أحد الشرايين الرئيسية التي توفر الدعم المالي للميليشيات الشيعية في العراق، بإشراف إيراني مباشر.

وتعد كتائب حزب الله العراقي “المستثمر” الرئيسي في جرف الصخر، تليها عصائب أهل الحق، على أن الإدارة العليا للاستثمارات في هذه المنطقة تخضع للرؤية الإيرانية.

واستولت الميليشيات على جميع الدور والمنشآت والآليات الزراعية في المنطقة وأدخلتها في خططها الاستثمارية التي تدر مبالغ مالية طائلة حاليا.

ولا تسمح الميليشيات لأي جهة بالوصول إلى هذه المنطقة بما في ذلك القوات النظامية كالجيش والشرطة. بل إنّ الأمر يصل إلى حد منع فصائل منضوية في الحشد الشعبي من دخول جرف الصخر، وذلك بهدف الحفاظ على الطابع السري للأنشطة التي تدور فيها.

وتجهل السلطات العراقية ما يجري بين البساتين الكثيفة لجرف الصخر حيث يتحدّث بعض الشهود عن إقامة الميليشيات سجونا سرية هناك تحتجز فيها المغيّبين من أبناء عدّة محافظات سنّية أخرى كانوا قد جلبوا منها أثناء الحرب على داعش.

وتتعاطى الميليشيات الشيعية التابعة لإيران مع منطقة جرف الصخر انطلاقا من نظرية “المناطق منزوعة السكان” التي حاولت تطبيقها في الأنبار وصلاح الدين ونينوى، لكنها فشلت.

وتقوم هذه النظرية على أسلوب إفراغ منطقة ما من جميع سكانها السنّة، بحجة أنها “حاضنة للإرهاب” كما حدث مع جرف الصخر.

وحجة الميليشيات الشيعية الرئيسية لتطبيق هذه النظرية هي أن بعض المناطق السنية تهدد طرقا يسلكها السكان الشيعة خلال سيرهم نحو المراقد المقدسة.

وتقول مصادر عراقية إنّ أحزابا وميليشيات شيعية تعتبر ترحيل سكان جرف الصخر أمرا نهائيا لا رجعة عنه وتمنع مناقشته من قبل الحكومة لأنّ الهدف منه هو إزالة ما يعتبر “بؤرة للسنّة” بجوار بغداد وفي الطريق إلى جنوب البلاد.

وفشلت جميع الجهود السياسية المحلية والدولية في تطبيع الأوضاع داخل جرف الصخر بهدف السماح لسكانها الذين يقدر عددهم بنحو 50 ألف عراقي بالعودة إلى منازلهم.

وبهدف حماية النفوذ الإيراني فيها، دعمت الميليشيات الشيعية ترشيح شخصيات من ضمن الحزب الإسلامي العراقي لتمثيل هذه المناطق التي تتصل ديموغرافيا بمناطق شمال محافظة بابل مثل المسيب في انتخابات 2018 ونجحت في ذلك إلى حد كبير.

وتراهن الميليشيات الشيعية على تكرار السيناريو نفسه في الانتخابات القادمة المقررة صيف العام القادم، من خلال استمرار تحالفها مع الحزب الإسلامي في هذه المناطق. ويرأس الحزب الإسلامي حاليا رشيد العزاوي الذي يجيد الفارسية بطلاقة لأنه قضى نحو 30 عاما في إيران بسبب معارضته لنظام صدام حسين.

ويتوقع مراقبون أن تسعى بعض القوى السياسية السنية إلى تحريك ملف جرف الصخر خلال الانتخابات المقبلة، بعدما تحول ملفها إلى أمر لا يمكن السكوت عنه، إذ جرى تفنيد جميع الحجج الميليشياوية بشأن “المخاطر” التي يمكن أن تتسبب فيها هذه المنطقة على الأمن العام.

العرب