بغداد – تتواصل الاحتجاجات في إقليم كردستان العراق بسبب تأخير صرف رواتب الموظفين والفساد المتفشي في المؤسسات الأمنية، في مؤشر على “ربيع كردي” ضد الأحزاب التي فشلت على مدى سنوات في إدارة الإقليم.
وبينما أضرم المحتجون الاثنين النار في مقر الحزبين الكرديين الرئيسيين، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، في السليمانية، ردت السلطات الأمنية بتفريق التظاهرات وإغلاق محطة فضائية تساند الاحتجاجات.
وقال مصدر طبي بمستشفى السليمانية إن “متظاهرا قتل وأصيب اثنان آخران في قضاء جمجمال بمحافظة السليمانية”.
وأطلقت قوات الأمن الرصاص باتجاه المتظاهرين، كما ملأت الشوارع والأزقة، وتجري عمليات ملاحقة للمتظاهرين.
وتعد مدينة السليمانية -ثانية المدن الكردية بعد أربيل من حيث الأهمية السياسية- معقلا تقليديا للحراك الاجتماعي ضد السلطات السياسية، وكثيرا ما تنطلق منها شرارة الحركات الاحتجاجية ضد الأحزاب الحاكمة، المتهمة بالفساد واحتكار ثروات الإقليم.
وبينما تعد أربيل -وهي عاصمة الإقليم الكردي- المعقل الرئيسي لحزب الزعيم الكردي مسعود البارزاني، تعتبر السليمانية المركز الرئيسي للاتحاد الوطني الكردستاني الذي أسسه وترأسه الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني.
وعلى عكس أربيل، تتميز السليمانية بنشاطها السياسي التفاعلي وتوقها المستمر إلى التغيير، وهو ما قاد إلى نشوء حركات سياسية جديدة تنافس حزب الطالباني، مثل حركة التغيير التي أسسها السياسي الراحل نيشروان مصطفى، وحازت شعبية ناهزت شعبية الحزب الكبير في المدينة، بل إنها أزاحته في بعض الفترات عن سدة القيادة.
كذلك شهدت السليمانية خلال الأعوام الأخيرة صعود حركة الجيل الجديد بقيادة السياسي الشاب شاسوار عبدالواحد، مؤسس قناة “أن آر تي” التي امتازت بنقدها اللاذع لسياسات الحزبين الحاكمين.
وتعرضت القناة المملوكة لعبدالواحد إلى سلسلة من عمليات الإغلاق من قبل القوات التابعة لحزب الطالباني، آخرها عملية يوم الاثنين، بعدما قدمت تغطيات مكثفة لتظاهرات اندلعت في منطقة بيره مكرون التابعة للسليمانية، وتخللها إحراق مكاتب فرعية تابعة للحزبين الكبيرين في كردستان.
ولم يكن إغلاق القناة جديدا، فهو يتكرر مع أي حركة احتجاج شعبي في مدينة السليمانية، وقد شهد صيف العام الماضي إلقاء القبض على رئيس حزب الجيل الجديد السيد شاسوار عبدالواحد -الذي تمثل القناة رأي حزبه- بسبب مواقفه من سلطة الحزبين الرئيسيين في السليمانية وفي كردستان عموما.
وقال مصدر إعلامي رفض الكشف عن اسمه إن الحركة الاحتجاجية الجديدة كسابقاتها تتعلق بعدم صرف رواتب الموظفين، مما عطل الحياة الاقتصادية في المحافظة، وهي مشكلة مزمنة بسبب امتناع الحكومة في أربيل مرارا ولأسباب سياسية عن دفع الرواتب، لكن الآن بات الغضب الشعبي على الجميع.
ويتهم المتظاهرون الحزبين الكبيرين في كردستان بالاستيلاء على الأموال المخصصة للرواتب، التي ترسلها بغداد شهريا، فضلا عن احتكار جميع الثروات في الإقليم، وقَصْرِ التعيين في الوظائف المهمة على أقارب البارزاني والطالباني.
ويشهد الإقليم الكردي أزمة اقتصادية خانقة، بسبب رفض بغداد إرسال جميع الأموال التي تطلبها الحكومة الكردية لدفع الرواتب، والاقتصار على تأمين جزء محدد منها، بناء على تقدير الحكومة الاتحادية بأن إقليم كردستان يبالغ في عدد موظفيه بهدف الحصول على أموال إضافية من الخزينة العامة للبلاد.
ويتهم المتظاهرون السلطات الكردية برهن نفط الإقليم لصالح جهات خارجية لقاء الحصول على عمولات بالملايين من الدولارات خارج حدود القانون.
وبدفع من الضغط الشعبي، يبدو أن حزب الطالباني أقرب إلى التفاهم مع بغداد من حزب البارزاني.
ويقول قطاع واسع من الجمهور الكردي في السليمانية إن حزب البارزاني يعرقل التفاهم مع بغداد لإظهارها بمظهر المتعسف ضد الحقوق الكردية.
وتلوّح أطراف عديدة في السليمانية بخيارات مختلفة للخروج من هذه الأزمة، أحدها الذهاب إلى تفاهم مباشر ومنفرد مع بغداد بشأن رواتب موظفي السليمانية، بعيدا عن مواقف أربيل المتعنتة. ويلوّح آخرون بخيار انفصال السليمانية عن الإقليم الكردي وإعلانها إقليما مستقلا، وهو خيار يسمح به الدستور العراقي وفق شروط محددة.
ويعتقد مراقبون أن حزب الطالباني ربما يوظف الاحتجاجات الشعبية في معقله بالسليمانية للضغط على حزب البارزاني لإبداء مرونة أكبر خلال مفاوضات الرواتب مع بغداد.
وانطلاقا من هذه القراءة، يبدي المراقبون الكثير من الحذر إزاء وصف احتجاجات السليمانية بـ”الحراك الشعبي الكردي العام”، نظرا إلى اقتصاره على مدينة واحدة من أصل ثلاث مدن في كردستان، هي أربيل والسليمانية ودهوك.
كما أن الطابع التنافسي الداخلي في السليمانية بين حزب الطالباني وحركة التغيير والجيل الجديد، قد يلقي ببعض الظلال السياسية على دوافع الاحتجاجات الكردية.
العرب