وصف السيناتور الأميركي تيد كروز الرئيسَ المنتهية ولايته دونالد ترامب ذات مرة بأنه “نرجسي على مستوى لا أعتقد أن هذا البلد قد رآه على الإطلاق من قبل”. ويعكس هذا الوصف ما خلص إليه العديد من أطباء علم النفس حلال السنوات القليلة الماضية.
ورغم أن الجمعية الأميركية للطب النفسي لا ترحب بتدخل أعضائها في الحياة العامة بالتعليق على الحالة النفسية للسياسيين، خاصة لو كانوا من العيار الثقيل مثل رئيس البلاد، فإن بعض الخبراء لم يتوقفوا عن تحليل شخصية ترامب وتحدثوا عما يرونه اضطرابا في شخصيته.
وعلى رأس هؤلاء الخبراء المتخصصين الذين أسهبوا بدراسة ترامب من الناحية النفسية، يأتي البروفيسور دان ماك آدمز الذي يُدرس في جامعة ويسترن الشمالية الواقعة خارج مدينة شيكاغو، وصدر له في مارس/آذار الماضي عن طريق جامعة أكسفورد كتاب بعنوان “حالة دونالد ترامب الغريبة: دراسة نفسية”.
وحاول آدمز رسم صورة نفسية متماسكة ودقيقة لترامب، والاستفادة من الأحداث الجارية لدعم رؤيته لمفاتيح هذه الشخصية التي حكمت أقوى دولة في العالم 4 سنوات. وغاص فيها وانتهي بالتأكيد على عدم تطورها. ويشرح في كتاباته ويحاول أن يبسط لماذا يتم فصل الكثير من تصرفات ترامب عن “الحقيقة والواقع” وكيف لا يمكن التنبؤ بما سيقوم به ترامب.الجزيرة نت حاورت آدمز حول ترامب وشخصيته وأتباعه، وماذا ينتظر أميركا والعالم خلال الأسابيع الأربعة المتبقية أمامه بالبيت الأبيض، وهذا نص الحوار:
* هل تعتقد أن الرئيس ترامب سيقر في النهاية بهزيمته في الانتخابات، خاصة بعدما صوت المجمع الانتخابي لصالح جو بايدن؟
لم يعترف الرئيس ترامب أبداً بالهزيمة في أي شيء في حياته، سواء كنت تتحدث عن إفلاسه في التسعينيات أو الأخطاء العديدة التي ارتكبها في مجال الأعمال التجارية والاستثمارية. هو يعتقد بصدق أنه كان دائماً منتصراً. وهو يتبع نفس النهج طيلة حياته، ولن يكترث بأي حقائق أو واقع يقول عكس ذلك.
*هل سيغير اعتراف كبار قادة الحزب الجمهوري من موقف ترامب ليقر بالهزيمة لاحقا؟ ولماذا؟
لا. “لماذا” معقدة إلى حد ما، لكن يمكن تفسيرها كما يلي: في ترامب شخص نرجسي أصيل وبدرجة كبيرة، يحب ويعشق نفسه كأعظم شيء جميل في الكون. ورغم أن معظم النرجسيين يحبون أنفسهم كـ “أشخاص” فإن ترامب يحب نفسه كـ “شيء”. فهو لا يرى نفسه كشخص عادي مثل البشر، غير معصوم وخاضع للمعاناة، ينمو ويتطور مع مرور الوقت، ولديه تصور في ذهنه حول من هو وإلى أين تسير حياته، أو لديه منظور أخلاقي للحياة، ويشعر بالصراع والتعاطف. لا، ترامب ليس شخصاً بهذا المعنى. هو بدلاً من ذلك أشبه بشيء كبير، رائع، يعرف ويفهم كل شيء.
يحب البشرُ “الأشخاصَ” بشكل غير مشروط، لأنهم أشخاص، لكننا نحب الأشياء بشروط، أي أننا نحب الأشياء إلى الحد الذي تلبي به الأشياء احتياجاتنا أو تؤدي بالطريقة التي نريدها أن تؤديها، مثل سيارة أو جهاز حاسوب جديد، أو قطعة فنية جميلة. وحبنا للأشياء يرتبط بتلبيتها احتياجاتنا، ولو فشلت في إسعادنا فلن نحب هذا الشيء بعد ذلك.
وكشيء، لم يعترف ترامب بأي فشل على الإطلاق، لأن الاعتراف بالفشل سيجعله يرى نفسه أنه لم يعد مثالياً وقوياً ورائعاً، وبالتالي، لم يعد جديراً بالحب. لا يمكن لترامب أن يخسر لأنه إذا خسر (في ذهنه) فلن يكون قادراً على حب نفسه، وحياة ترامب كلها تتعلق بحب نفسه.
*وماذا تتوقع من ترامب خلال آخر شهر له في البيت الأبيض؟
سيستمر في استفزازاته، وسيتجاهل واجبات منصبه الوظيفية، وسيستمر في الإصرار على أنه المنتصر في الانتخابات. سيبقى كما هو، ويقاتل كل يوم من أجل الفوز، لأنه يجب أن يفوز داخل ذهنه.
*ذات يوم قال السيناتور الجمهوري تيد كروز إن ترامب أكبر “نرجسي على الإطلاق” وإن الولايات المتحدة “لم تعرف أي شخص بهذا المستوى من النرجسية من قبل”.. هل كان على حق إذن؟
نعم، لقد قال كروز ذلك أثناء الحملة الرئاسية لعام 2016، ورد عليه ترامب واتهمه بالكذب، لكن كروز لم يكن يكذب، هو كان يقول الحقيقة.
*ما معنى تصويت 74 مليون ناخب أميركي لترامب الشهر الماضي؟ ماذا يعني بالنسبة لهم؟
إنه يعني أشياء مختلفة كثيرة، اعتمادا على من تتحدث إليه داخل الـ 74 مليون ناخب. لكن بالنسبة للعديد من كبار السن، والأقل تعليماً، والبيض والنساء، وخاصة أولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية، فإن ترامب يعني كل شيء.
يرونه منقذهم المتصور، إنهم يشعرون بأن أميركا تتركهم وراءها، وترامب، في اعتقادهم، هو القوة الوحيدة القادرة على وقف تطور التاريخ في مساراته التي تفقدهم الكثير مما يمتلكون، فيما يتعلق بأميركا التي في مخيلتهم، وأن ترامب هو من يدافع عنهم ضد قوى العلمانية والعولمة.
*لكن هناك ما يقرب من 80% من الجمهوريين لا يزالون يعتقدون أن انتخابات 2020 تمت سرقتها من ترامب، وزورت لصالح بايدن؟ لماذا يؤمنون بذلك؟
سؤال جيد، فهذا ما يقلق نومي ويسبب لي كوابيس في الليل، قد يقول بعض أنصار ترامب ببساطة هذه الأشياء، لأنها تشعرهم بالارتياح لقولها. وقد يعتقد آخرون حقاً أن القوى الشريرة تآمرت وسرقت الانتخابات، استناداً إلى استماعهم إلى زملائهم من مؤيدي ترامب، والحصول على أخبارهم من أصدقاء فيسبوك ومصادر الأخبار اليمينية المتطرفة. وفي كلتا الحالتين، فإن هذا لا يبشر بالخير بالنسبة للديمقراطية الأميركية.
*لماذا تأخر اعتراف السيناتور ميتش ماكونيل، زعيم الجمهوريين بمجلس الشيوخ، بالرئيس المنتخب (بايدن) رغم إدراكه حقيقة خسارة ترامب مبكرا؟
نفس الشيء الذي يمر دائما من خلال دماغه: أنا أقاتل من أجل حياتي ومنصبي. لدي أعداء شرسون، وطالما كان لي أعداء يجب أن أفوز دائماً، أضف إلى ذلك أن ماكونيل لا يكترث بالديمقراطية الأميركية ولا يهتم بمستقبلها.
آدمز: ترامب لن يعترف بهزيمته في الانتخابات وسيناور حتى اللحظة الأخيرة (غيتي إيميجز)
*في ضوء فهمك لشخصية ترامب، هل تتوقع مشاركته وحضوره حفل تنصيب الرئيس في 20 يناير/كانون الثاني القادم؟
أشك أن يقوم ترامب بمثل هذه الخطوة.
* كيف ترى سياسات ترامب مثل “حظر دخول مواطني بعض الدول الإسلامية” أو “بناء الجدار الحدودي على الحدود الجنوبية مع المكسيك”؟
إنها سلطوية واستبداد كبير مع صبغة أميركية قياسية، مع تطور أميركي. لقد قسم ترامب العالم إلى: نحن وهم، وفي هاتين الحالتين كان هناك دوما: نحن وهم، ونحن الأفضل والأجمل وهم الأسوأ والأقبح.
وبالنسبة للعديد من أشد مؤيدي ترامب حماساً، فإن “نحن” تعني المحافظين، كبار السن، البيض، الأقل تعليماً، الأميركيين الإنجيليين المسيحيين. أما “هم” فتعني الملونين (الأميركيين الأفارقة والمكسيكيين والمسلمين والليبراليين والمفكرين والعلماء والصحفيين والأدباء والفنانين وغيرهم. في الواقع “هم” تمثل كل من لا يعشق ترامب داخل أو خارج أميركا.
*البعض يرى أن ترامب هو الرئيس الوحيد الذي لم يشن حروبا جديدة بالخارج خلال العقود الأخيرة؟ لماذا؟
الرئيس أوباما لم يبدأ حربا جديدة، يبدو لي أنه قام بالحروب التي بدأت في ظل الإدارات السابقة. وقد سعى ترامب إلى إبعاد الولايات المتحدة عن التشابكات الأجنبية من مختلف الأنواع، مثل المعاهدات والاتفاقات التجارية.
قد يكون سبب عدم بدء أي حرب جديدة خلال السنوات الأربع التي قضاها يرجع جزئياً إلى ذلك، لكنني أعتقد أساساً أن القوى التي تقع خارج مدار ترامب هي المسؤولة عن ذلك. في حالة ترامب، يبدو لي أنه سيكون لديه وقت صعب للغاية في شن الحرب على المدى الطويل. قد يسقط قنبلة هنا أو هناك، لكنه لن يكون قادراً على الحفاظ على الاهتمام الإستراتيجي اللازم لتنفيذ حرب طويلة الأمد.
لا يمكنه التفكير على المدى الطويل، ولا يمكنه التركيز على أي شيء سوى نفسه. ومع ذلك، فهو لا يمكن التنبؤ به، ومتهور في العلاقات الخارجية، لذا يبدو لي أن الحرب يمكن أن تندلع بالتأكيد خلال فترة رئاسته، رغم أن ذلك لم يحدث حتى الآن لحسن الحظ.
المصدر : الجزيرة