مركز ثقل جيوسياسي يتشكل بين الخليج والقرن الأفريقي

مركز ثقل جيوسياسي يتشكل بين الخليج والقرن الأفريقي

مركز ثقل جيوسياسي جديد بصدد التشكل سيربط دول الخليج بمنطقة القرن الأفريقي التي تشهد تنافسا حادا على النفوذ منذ عقود طويلة. وتسعى دول الخليج إلى الاستفادة من البحر الأحمر الذي يرتبط بالقرن الأفريقي لتعزيز نفوذها هناك من أجل مواجهة الأخطار الأمنية المتأتية من تزايد وجود قواعد عسكرية تركية وروسية، لاسيما في دولتي جيبوتي والصومال.

القاهرة – تسعى قوى مختلفة إلى تعظيم مصالحها من خلال إيجاد روابط محكمة بين بعض الأقاليم التي تمثل أهمية قصوى لدولها، وباتت بعض دول الخليج قريبة من منطقة القرن الأفريقي لما لها من تأثيرات على الأمن والتعاون على امتداد البحر الأحمر وما قبله، كشريان حيوي له روافد ومنافذ بحرية واقتصادية مهمة في أكثر من اتجاه.

ويلقي التوقف عند بعض الدراسات التي تتناول هذه العلاقة الضوء على كثير من الملامح التي تتشكل حاليا، وسوف تكون لها نتائج في المستقبل.

وأعدت أبديتا دريبسا بيني، المديرة التنفيذية لمركز الحوار والبحث والتعاون في أديس أبابا، دراسة حول الخليج والقرن الأفريقي في ظل موازين القوى المتغيرة في البحر الأحمر، نشرت في دورية “The Africa Report” مؤخرا، تناولت فيها الكثير من التطورات التي لها علاقة بالمنطقة، والتي يمكن أن تشهد تحولات مع تزايد التركيز عليها، والتنافس من قبل قوى عديدة.

وقالت أبديتا، إن القرن الأفريقي ودول الخليج يرتبطان ببعضهما، لكنهما بعيدان عن أن يكوّنا تحالفاً متينا، في ظل الاختلالات المالية والسياسية والعسكرية التي تصنع المشهد العام، ما يجعل المكاسب قصيرة المدى ستحدد بتطور العوامل الأمنية بالنسبة إلى البحر الأحمر.

ويضم القرن الأفريقي مجموعة من الحلفاء الذين يمكن الاستفادة منهم، على الصعيد الثنائي أو من خلال شبكات لتعزيز النفوذ على جانبي البحر الأحمر، ويمثل الخليج جيبًا عميقًا يتم استخدامه على أفضل وجه في شكل صفقات مباشرة تضاعف من المكاسب قصيرة الأجل.

أكدت المديرة التنفيذية لمركز الحوار والبحث والتعاون في أديس أبابا في دراستها، أن كلّا من السعودية والإمارات تعدّان لاعبَين مهمّين في القرن الأفريقي، وعزز تدخلهما في اليمن ووجودهما في إريتريا وخليج عدن والجزر اليمنية من قدرتهما التأثيرية.

وعلى الرغم من الأهداف الاستراتيجية، إلا أن المكاسب الاقتصادية والسياسية تحقق فائدة إضافية، طالما أنها تحافظ على وجودهما متقدمتين بفارق كبير عن كل من إيران وتركيا وقطر.

وهذا لا يعني أن موازين القوى ثابتة، لأن تركيا اكتسبت موطئ قدم قويّا في الصومال كمزود مهم للمساعدات، وإدارة البنى التحتية الرئيسية للميناء والمطار، ودعم الجيش.

وقد تؤخر الحرب الدائرة مع منطقة تيغراي الطموح الإثيوبي الإقليمي. وإذا لم تنتهِ الحرب بسرعة فسوف تجتذب أطرافًا أخرى، وقد تأخذ شكل أزمة محتدمة في المنطقة.

وفي غضون ذلك، ترفض بعض الدول الساحلية أن تعطي إثيوبيا صفة مراقب في الهيئة الجديدة متعددة الأطراف، مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن.

ومع قيام إثيوبيا ببناء سد ضخم على نهر النيل، فهي تكون بذلك قد ضغطت على جيران المصب لاستخدام الخليج واللاعبين، مثل الولايات المتحدة، لممارسة الضغط في المنبع. وهذا الوضع سيبقي القرن الأفريقي ضعيفًا، ما يزيد من امتداد الأذرع نحو دول الخليج طلباً للمساعدة، كما أن الحرب التي اندلعت في إثيوبيا لها تأثير على مستقبل القرن الأفريقي.

ويبدو الموقف التعاوني تجاه البحر الأحمر والخليج، أنه أمر لا يمكن لدول القرن أن تفوته، وترى أن العلاقات التي تتمتع بها دول الخليج مع قوى كبرى تعمل كأمثلة على أنواع العلاقات التي يرغبون في تنميتها.

ونظرًا لأهمية البحر الأحمر العالمية، فإن الاهتمام به يمتد إلى ما وراء شواطئه، وتعد إسرائيل هي اللاعب الذي غالبًا ما يُنسى عن عمد من المعادلة، وتمثل بالنسبة إلى منطقة الخليج والقرن الأفريقي قوة لا يمكن تجاهلها، ولكن لا يتم الترحيب بها أيضًا.

وعلى الرغم من كونها دولة ساحلية، لم يتم قبول إسرائيل في مجلس البحر الأحمر الجديد، إلا أن العلاقات السياسية تظل دائماً في حالة تغير منذ أن قامت الإمارات والبحرين بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، كما يستعد السودان ليحذو حذوهما.

واحتلت الصين مركز الصدارة على الساحل، حيث أنشأت أول قاعدة بحرية خارجية لها في جيبوتي منذ ثلاثة أعوام، ومنذ ذلك الحين عززت موطئ قدمها في البحر الأحمر، والذي يعد جزءًا من مبادرة الحزام والطريق، وحتى الآن، تأتي الحصة الأكبر من الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى جيبوتي من آسيا القوية.

وأقامت الصين منطقة تجارة حرة في البلاد، من المقرر أن تصبح الأكبر في قارة أفريقيا، ومولت إنشاء خط سكة حديد بين أديس أبابا وجيبوتي. والتطوران مثالان على خطورة رؤية الصين في المنطقة.

وكشفت الأوضاع في اليمن عن مؤثر صامت في العلاقات بين القرن الأفريقي والخليج، وهي إيران، فخلال العامين الماضيين تم تهميش دور إيران في القرن الأفريقي بسبب النفوذ المتزايد للسعودية والإمارات، حيث تعتبران وجودها تهديدًا مباشرًا ولا تريدان لها حضورا على الساحل الغربي للبحر الأحمر.

وفي يناير 2020، اجتمع ممثلون من جيبوتي ومصر وإريتريا والسعودية والصومال والسودان والأردن واليمن في الرياض لتدشين المجلس الجديد للدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن.

وكان الهدف من المجلس تأمين الاستقرار في منطقة البحر الأحمر، ولكن كما تشير قائمة الدول، لم تتم دعوة جميع الدول الساحلية.

ومهما كانت ضعيفة ومثالية، هناك أمل في أن هذه المبادرة يمكن أن تمهد الطريق للتعاون الإقليمي، خاصة أن منطقة القرن الأفريقي والخليج تتمتع بخيار تنويع اقتصادها من خلال الفرصة التي توفرها سلسلة التوريد العالمية التي تضخمت الآن بسبب حرب الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين، مع ذلك، فهذا يتطلب إدارة منسقة لمنطقة البحر الأحمر.

لكن التعاون الحقيقي يتطلب إطارًا شاملاً، ويتعين على الفاعلين في القرن الأفريقي أن يجمعوا أعمالهم معًا، وبغض النظر عمّا يحدث مع المجلس، فإن أمن منطقة البحر الأحمر يزداد تعقيدًا.

وتظل المشاركة النشطة من القوى الخارجية مفيدة وخطيرة في نفس الوقت، فما يحدث بين الخليج والقرن الأفريقي لا يلاحظه فقط اللاعبون الإقليميون، بل يراه أيضا اللاعبون الدوليون، مثل الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، حيث أتاحت التطورات في القرن الأفريقي الفرصة للخليج لتهميش بعض المنظمات الإقليمية، وتفضيل المكونات العسكرية للدول المعنية.

مدخل لحل المشكلات
قال الخبير العسكري المصري اللواء نبيل أبوالنجا، إن التقارب الخليجي مع دول القرن الأفريقي يستهدف حل المشاكل الحدودية بين الدول المطلة على الساحل، وعدم السماح بتدخلات من شأنها التأثير على المصالح الخليجية، إلى جانب ضمان التنسيق الأمني الموسع لتأمين حركة الملاحة.

وأضاف لـ”العرب”، أن ’’مسألة تعيين الحدود وإتاحة المزيد من فرص التعاون بين بعض الدول العربية والقرن الأفريقي ضرورة دولية لارتباط البحر الأحمر بخليج السويس، باعتباره شريانا بحريا مهما، مروراً بمدخل بحر العرب، ووصولاً إلى البحر المتوسط، وهي المناطق التي تشارك في تأمينها الولايات المتحدة، ومؤخراً دخلت كل من الصين وروسيا وفرنسا كأطراف تساهم في تأمين حركة الملاحة‘‘.

ومن وجهة نظر الخبير العسكري المصري، فإن التقارب السياسي الحاصل على مستوى مجلس الدول المطلة على ساحل البحر الأحمر يتطلب ذراعاً عسكرية تتشارك فيها الدول المنضمة للمجلس لمواجهة التهديدات الأمنية، وأن الحضور الخليجي الاقتصادي في القرن الأفريقي لا بد أن يوازيه تصاعد في الأدوار الأمنية التي تستطيع أن تقوم بها مصر لما تملكه من قدرات عسكرية فاعلة.

وأوضح أن إنشاء قواعد عسكرية بحرية ومطارات تابعة للدول الشريكة في مجلس البحر الأحمر يتطلب تفعيل عمل اللجان الأمنية التابعة للمجلس، في مواجهة تهديدات الميليشيات الإيرانية التي تصاعد من عملياتها الإرهابية بحق ناقلات النفط.

وأكد أستاذ القانون الدولي، مساعد عبدالعاطي، أن تطور الصراعات الإقليمية في منطقة البحر الأحمر يتطلب وجود تكتل قوي يقف في مواجهة الأخطار التي تأتي من وراء وجود قواعد عسكرية أجنبية مختلفة في جيبوتي، وكذلك الصومال وما تمثله القواعد التركية هناك من تهديدات، مع وجود رغبة روسية في استعادة نفوذها بتلك المنطقة مجدداً عبر الاتفاق العسكري الذي وقعته مع السودان، ومنحها حق الحصول على نواة لقاعدة عسكرية في ميناء بورتسودان.

وأوضح لـ”العرب”، أن ’’ضمان سلامة الملاحة البحرية يتطلب توسيع قاعدة مجلس الدول المطلة على ساحل البحر الأحمر، لأن الرغبة الإثيوبية في إيجاد منفذ بحري لها لا بد أن تكون في إطار من التكامل والتعاون مع دول المجلس‘‘ علاوة على أهمية التنسيق مع شركة موانئ دبي العالمية مع إطلاق خط ملاحي جديد بالشراكة مع ميناء جدة الإسلامي، يُسير رحلات منتظمة أسبوعية لنقل الحاويات بين ميناء جبل علي في الإمارات، وميناء السخنة في مصر، مرورا بجدة في السعودية.

وأشار عبدالعاطي إلى أن الحضور الخليجي في منطقة القرن الأفريقي يحقق جملة من الأهداف الاقتصادية والسياسية التي تصب في صالح ضمان سلامة الملاحة البحرية، لأنها تفتح المجال أمام عمل آليات فض المنازعات الحدودية بين دول البحر الأحمر، سواء أكانت متقابلة أو متلاصقة وتتقاطع معاً في مناطق اقتصادية خالصة.

وهناك شبكة سياسية جديدة يجري التأسيس لها في البحر الأحمر لتأمين حركة الملاحة في مضيق باب المندب، وحصار التهديدات التي تشكلها الميليشيات الحوثية، والصفة القانونية والدولية التي يمتلكها مجلس الدول المطلة على الساحل تؤسس لتقديمه الدعم للسفن العابرة في هذا الممر.

وبحسب خبير قانون التجارة الدولية، جرمة الشيخ أحمد التيجاني، فإن ’’التحالفات السياسية الوليدة في منطقة البحر الأحمر ستكون لها انعكاسات إيجابية على إمكانية الاستفادة القصوى من الفرص الاقتصادية الضخمة في تلك المنطقة، بما يفتح المجال أمام المزيد من عمليات التنقيب عن النفط والغاز التي تمهد لتغيّرات موازين القوى الاقتصادية للدول المستفيدة من هذه العمليات‘‘.

وذكر الخبير السوداني، لـ”العرب”، أن ’’مصر والسعودية بإمكانهما الاستفادة القصوى من التوجه الدولي الساعي لفرض السلم والأمن في البحر الأحمر لما تتمتعان به من موقع جيوسياسي مهم على طول الساحل‘‘، وأن مواجهة التهديدات الإيرانية عبر تحالفات جديدة ما زالت في طور التأسيس، تفرض أدوارا عربية إضافية لإخماد النيران المشتعلة داخل دول القرن الأفريقي المطلة والقريبة من البحر الأحمر.

وربما تكون إقامة المزيد من التكتلات الاقتصادية بين دول ساحل البحر الأحمر عملية مهمة لمواجهة مشروع الصين التوسعي عبر طريق الحرير، والتعامل مع الرغبة الروسية في إحياء نفوذ موسكو السابق، إلى جانب تصاعد الحضور التركي في تلك المنطقة، على أن تكون تلك التحالفات ذات خلفية عسكرية لمواجهة أي صراعات إقليمية تؤدي إلى تحويل المنطقة إلى كرة لهب مشتعلة.

العرب