على الرغم من الجهد المبذول في الخرطوم على مدى سنوات طوال لإزاحة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب فإن الحكومة الانتقالية وجدت نفسها أمام تحديات جسام تحول دون الاستفادة من تحقق هذه الخطوة وإنقاذ البلاد من حالة التردي الاقتصادي المتزايد يوما بعد الآخر.
ولا يبدو أن لدى الحكومة الانتقالية في السودان أي خطط للتعامل مع الأوضاع بعد مرحلة الانفتاح التي تنتظر البلاد رغم شروعها المبكر في نقاشات مع دول العالم وأميركا لتغادر اللائحة السوداء.
ويعزو مسؤول حكومي رفيع تحدث إلى الجزيرة نت عدم وجود خطط للتعامل مع الأوضاع التالية لمغادرة قائمة الإرهاب والانفتاح على العالم إلى حداثة عهد الحكومة الانتقالية التي قال إنها ورثت أوضاعا بالغة التعقيد في كافة النواحي، ولا سيما الاقتصادية منها.
ومع ذلك، يؤكد المسؤول ذاته أن كافة وزارات الحكومة شرعت في التخطيط للاستفادة من حالة الانفتاح الكبيرة التي سيقبل عليها السودان بعد إنهاء وجوده في قائمة الإرهاب، ثم نجاحه في استعادة الحصانة السيادية التي تقيه من أي دعاوى مستقبلية بالتورط في مزاعم إرهابية.
وقال مسؤول في قطاع النفط -وهو أحد المجالات التي تعول عليها الحكومة- إن وزير الطاقة والتعدين يعمل حاليا على تكوين مجلس استشاري للكفاءات في قطاع النفط من داخل وخارج السودان، في محاولة لتنشيط الاستثمار وتهيئة الظروف الملائمة لدخول الاستثمار الأجنبي في المجال.
وبحسب المسؤول الذي تحدث للجزيرة نت، فإن الغرض من إنشاء هذا المجلس هو تقديم الاستشارات فيما يختص بإدارة وإعادة هيكلة القطاع، إلى جانب وضع إستراتيجيات لتسويق المربعات النفطية، ووضع الخطط لتطوير الحقول وزيادة الإنتاج، إضافة إلى إدخال واستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة، ووضع خطط لتطوير إمدادات وتوزيع الوقود.
انتظار الدعم
من جانبها، بحثت وزيرة المالية المكلفة هبة محمد علي مع وفد أميركي تطوير التعاون الاقتصادي بين السودان والولايات المتحدة على ضوء إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب، وفتح الأبواب للاستثمارات الأميركية في السودان من خلال بنك التصدير والاستيراد الأميركي في مجالات الزراعة والبنى التحتية وتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة عبر شركة تمويل التنمية الدولية الأميركية “دي إف سي” (DFC).
وجرى خلال الاجتماع التركيز على نقاش الإصلاحات التي تقوم بها الحكومة الانتقالية لخلق البيئة المناسبة للاستثمار، كما تطرق الاجتماع لكافة سبل التعاون الاقتصادي بين البلدين ودور الولايات المتحدة في دعم الانتقال الديمقراطي في السودان، إضافة إلى ترتيبات زيارة وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين إلى السودان في أواخر الأسبوع الأول من يناير/كانون الثاني المقبل، والتي ستكون الأولى من نوعها منذ 3 عقود.
ويظهر على نحو جلي أن الحكومة الانتقالية تنتظر دعما دوليا أكثر من الاستعداد بخطط داخلية لإنقاذ الاقتصاد، خاصة بعد إجازة الكونغرس قانون “الاعتمادات المالية للمؤسسات الفدرالية الأميركية” الذي تضمن إعادة الحصانة السيادية للسودان، واعتماد مبلغ 931 مليون دولار كمساعدات اقتصادية ثنائية مباشرة لدعم اقتصاده، منها 700 مليون دولار كمساهمة في تمويل برنامج الحكومة الخاص بتقديم الدعم المباشر للأسر وبرامج الرعاية الصحية، علاوة على مشروعات أخرى.
كما تتضمن المساعدات مبلغ 120 مليون دولار من صندوق النقد الدولي لدعم السودان وإعادة هيكلة مديونياته، إلى جانب 111 مليون دولار أخرى لمقابلة تكاليف إعادة هيكلة الديون السودانية، و150 مليون دولار كتعويضات للأفارقة الذين تضرروا في تفجيرات كينيا وتنزانيا وأصبحوا الآن مواطنين أميركيين، وكانوا يطالبون بتعويضات إضافية من السودان.
وبذلك، تبلغ جملة المساعدات المباشرة وغير المباشرة المجازة مع هذا التشريع لصالح السودان 1.1 مليار دولار، وهي مساعدات منفصلة عن مبلغ المليار دولار الذي التزمت الولايات المتحدة بدفعه للبنك الدولي لسداد متأخرات السودان المستحقة للبنك.
جدل الإصلاح
بدوره، يعتقد وزير التجارة والصناعة مدني عباس أن فتح أبواب السودان أمام العالم يعالج تحديا سياسيا واقتصاديا كبيرا، لأن جزءا مقدرا من تعقيد الأزمة الاقتصادية ارتبط بالعزلة غير الحميدة التي ضربت على السودان وجعلته يتلصص مكامن التجارة الدولية لتوفير احتياجات البلاد.
ويوضح الوزير في منشور على صفحته في فيسبوك أن واحدة من المشكلات أمام الاقتصاد أن النظام المصرفي دخل في عزلة طويلة وقويت شوكة تجار العملة، مما أدى إلى فرار الشركات العالمية، وأن العزلة ساهمت في خلق اقتصاد مشوه وأعاقت سهوله استفادة البلاد من البرامج العلمية والابتكارات وتطور التقنية التي شهدت في سنوات العزلة معدلات نمو غير مسبوقة.
ويتطلب إصلاح قطاع الأعمال الوزير السير في معالجة أوضاع الشركات الحكومية وشبه الحكومية، بما فيها شركات المؤسسات العسكرية والأمنية، وهذا يمثل أيضا واحدا من أهم مقتضيات التحاق الاقتصاد السوداني بالتكتلات الإقليمية والعالمية.
وأجاز مجلس النواب الأميركي في 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري بأغلبيه ثلثي الأعضاء تشريعا يدعم الانتقال الديمقراطي في السودان، والذي من شأنه إنهاء سيطرة الجيش على الشركات الاقتصادية العسكرية وإجباره على تسليمها إلى الحكومة المدنية.
ووصف رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك -خلال تصريحات سابقة- هذا القانون بالمهم، ومن شأنه المساعدة في ترسيخ الخيار الديمقراطي بالبلاد، وقال إنهم يرحبون بكل أشكال المساعدة من الآخرين، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أهمية أن ينجز السودانيون تجربتهم بأنفسهم.
وبشأن الشركات العسكرية والأمنية، يقول مدني عباس إن الحكومة تبنت طريقة لمعالجتها ضمن رؤيتها للإصلاح الاقتصادي، وهو أن يتم تصنيفها لـ3 أنواع على حسب وضعية كل مؤسسة، وذلك بأن يتحول بعضها لشركات مساهمة عامة، والأخرى تكون شراكات بين القطاعين العام والخاص، وشركات أخرى يتم بيعها للقطاع الخاص.
ويمتلك الجيش السوداني وقوات الدعم السريع نحو 250 شركة تعمل في مجالات مدنية حيوية، مثل طحن الدقيق والتنقيب عن الذهب وتصنيع الأحذية والأدوات الكهربائية والمنزلية وتصدير اللحوم والصمغ العربي والسمسم.
يمتلك الجيش السوداني وقوات الدعم السريع نحو 250 شركة تعمل في مجالات مدنية حيوية (الجزيرة)
غير مستعدة
من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي صدقي كبلو في حديثه للجزيرة نت أن الحكومة غير مستعدة حتى الآن للاستفادة من قرار رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب في مختلف القطاعات.
ويشير إلى أن الإصلاح المصرفي لم يشهد أي خطوات، لدرجة أن كافة المصارف الحكومية غير جاهزة لاستقبال التعامل المصرفي العالمي.
ويتطلب الانفتاح المطلوب مع المصارف الخارجي -كما يقول كبلو- أنظمة كاملة مع بقية بنوك العالم، ولا سيما أن هذه البنوك ترى أن المصارف السودانية لا تمتلك ضمانات كافية للتعامل معها، وأن رؤوس أموالها لا تساوي سوى بضعة دولارات فقط، مع استمرار تدني قيمة العملة المحلية.
وبحسب الخبير، فإن توصية المؤتمر الاقتصادي الذي عقدته الحكومة سابقا كانت تتحدث عن إدماج تلك المصارف حتى تكون لها ضمانات كافية للتعامل مع المصارف العالمية، إلا أنها لم تنفذ أيضا هذا، علاوة على أن المصارف السودانية تعمل بالنظام الإسلامي، حيث أوصى المؤتمر الاقتصادي بأن يكون هناك نظام مزدوج، ولم يتم تنفيذ ذلك حتى الآن.
وفي مجال التجارة الخارجية، يقول صدقي إن الشركات السودانية غير مستعدة حتى الآن لاستعادة أسواق السودان الخارجية دون وسيط ثالث كما كان سائدا خلال فترة الحظر.
المصدر : الجزيرة