إيران تستعرض في غزة للتحذير من هجوم أميركي إسرائيلي

إيران تستعرض في غزة للتحذير من هجوم أميركي إسرائيلي

غزة – كشف استعراض عسكري أجرته الفصائل الفلسطينية في غزة عن تزايد نفوذ إيران في القطاع، وتحويله إلى منصة لتوجيه الرسائل إلى إسرائيل والولايات المتحدة، في الوقت الذي يغرق فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في تفاصيل الترتيبات الداخلية لحركة فتح وتتزايد الضغوط عليه بعد إشارات من الإدارة الأميركية تطالب بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وإدماج حماس في السلطة.

وأطلقت مجموعة من الفصائل الفلسطينية صواريخ في البحر المتوسط قبالة قطاع غزة، الثلاثاء، في بداية ما وصفته بأنه أول تدريبات عسكرية مشتركة على الإطلاق.

وقالت أوساط فلسطينية إن الاستعراض في غزة هو عمل إيراني بامتياز، مشيرة إلى أن الفصائل الموالية لإيران سعت لإظهار ولائها من خلال الاحتفاء بمرور عام على مقتل قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري.

وعشية التدريبات وضعت صورة ضخمة للقائد العسكري الإيراني -الذي قتل في هجوم أميركي في بغداد- على الطريق الساحلي الرئيسي في غزة.

وأشارت الأوساط ذاتها إلى أن الاستعراض بمثابة رسالة من إيران لإظهار قدرتها على استهداف إسرائيل في ما لو جازف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في ما تبقى له من عهدته الرئاسية، بتنفيذ هجوم خاطف على مواقع لإيران أو للميليشيات الحليفة لها في العراق.

وغيرت إيران تكتيكها في الرهان على الفصائل الفلسطينية بعد تراجع وضع حزب الله اللبناني تحت وقع تأثيرات التدخل في سوريا، فضلا عن اهتزاز صورته في لبنان وسط تزايد الدعوات التي تطالب الدولة اللبنانية بتحمل مسؤوليتها في ضبط الأسلحة وبينها سلاح الحزب.

واعتبر محمد مشارقة، مدير مركز تقدم للسياسات في لندن، أن أطرافا فلسطينية مرتبطة بالحلف الإيراني -وتحديدا تنظيمي الجهاد الإسلامي وحركة حماس- تصر على البقاء خارج صورة الإجماع الوطني، واستباق المقاربات الأميركية الجديدة وما رشح من تسريبات حول عودة العلاقة مع السلطة الفلسطينية وفتح الممثلية السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.

وقال مشارقة، في تصريح لـ”العرب”، “لا يخفى أن هذه المناورات تأتي في سياق استنفار كل الميليشيات العربية الموالية لطهران، استعدادا للمشاركة في الرد الكبير على المصالح الأميركية والإسرائيلية، إذا ما قررت إدارة ترامب القيام بعملية عسكرية ساحقة للمواقع الحيوية الإيرانية”.

وتصاعدت التوترات بين إيران وإسرائيل منذ اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة في السابع والعشرين من نوفمبر الماضي، بالإضافة إلى الهجمات الإسرائيلية المتواصلة ضد أهداف تابعة لإيران أو لميليشيات حليفة لها في سوريا.

ودأب الإيرانيون على التلويح بالرد “في الوقت المناسب”، لكن مراقبين يعتقدون أن طهران ستسعى للرد من بوابة عملائها في غزة أو بيروت تنفيذا لاستراتيجيتها في الرد عبر الوكلاء وتجنب المواجهة المباشرة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة.

وبدأت المناورات في غزة بإطلاق رشقة من الصواريخ متعددة المدى باتجاه البحر من منصات تحت الأرض في منطقة طيبة التي كانت توجد فيها سابقا مستوطنة نتساريم جنوب غرب مدينة غزة قبل الانسحاب الإسرائيلي من غزة.

وشملت إطلاق صواريخ مضادة للدروع من نوع “كورنيت” وتمرينا شارك فيه نحو خمسين مقاتلا، ويحاكي التمرين مواجهة فرقة بحرية إسرائيلية وعملية خطف جندي مصاب أثناء اشتباك مسلح.

وألقى أبوحمزة، المتحدث باسم حركة الجهاد الإسلامي، كلمة أعلن فيها انطلاق ما أسماه مناورات “الركن الشديد” التي “ينفذها مقاتلونا ومجاهدونا من كافة الأجنحة العسكرية تحت قيادة الغرفة المشتركة”.

وأوضح أن هذه المناورات التي بدأت بإطلاق عدة صواريخ تجريبية باتجاه بحر قطاع غزة “تنفذ بالذخيرة الحية عبر سيناريوهات متعددة ومتنوعة على امتداد قطاع غزة من شماله إلى جنوبه (…) وتحاكي تهديدات العدو المتوقعة”.

وشارك في المناورات 14 فصيلا عسكريا على رأسها كتائب عزالدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.

وتشير الأوساط الفلسطينية إلى أن الفصائل الموالية لإيران تستفيد من تراجع دور السلطة الفلسطينية وتسليمها بالأمر الواقع في غزة، وأن الرئيس عباس لم يحسن التقاط التطورات في موقف الإدارة الأميركية الجديدة للتحرك واستعادة المبادرة.

وتقول مصادر فلسطينية مطلعة لـ”العرب” إن “هناك تأكيدات من إدارة الرئيس جو بايدن على أنه لا يمكن فرض تسويات خارج طاولة التفاوض أو فرض حقائق على الأرض بالقوة وخارج سياق القرارات الدولية الناظمة للقضية الفلسطينية”.

لكن هذه المصادر أشارت إلى أن القيادة الفلسطينية تشعر بالقلق الشديد بعد وصول تلميحات من إدارة بايدن تطلب من السلطة الفلسطينية تجديد شرعية مؤسساتها وعقد انتخابات رئاسية وتشريعية قريبا، واستيعاب حركة حماس في الأطر القيادية لمنظمة التحرير وإدماجها في الاستحقاق الانتخابي.

وقالت إن طاقم وزير الخارجية الأميركي المقبل توني بلينكن أبلغ وسطاء عرب بضرورة أن تعلن حماس صراحة عن موافقتها على نبذ العنف واستعدادها للاعتراف بإسرائيل في إطار تسوية عبر المفاوضات تفضي إلى دولة مستقلة إلى جانب إسرائيل مع تبادل طفيف في الأراضي بين الجانبين.

وبحسب عضو اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب ومسؤول ملف الحوار مع حماس، فإن المجلس المركزي لمنظمة التحرير، وهو الهيئة التي تتمتع بصلاحيات المجلس الوطني، سيدعى للاجتماع في نهاية الشهر المقبل، لصياغة الموقف الفلسطيني من المبادرة الأميركية الجديدة.

ويشار إلى أن المجلس المركزي سينتخب أيضا سكرتيرا جديدا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ومسؤول ملف المفاوضات في المنظمة التي كان يشغلها الراحل صائب عريقات، كما سينتخب المجلس بديلا عن حنان عشراوي التي استقالت من اللجنة التنفيذية للمنظمة واعتزلت العمل السياسي بعد أن رفض الرئيس محمود عباس تعيينها سكرتير اللجنة التنفيذية أو تكليفها بإدارة شؤون المفاوضات، وأشار لها بانتظار اجتماع المجلس المركزي الذي سيبت في هذه المسألة.

العرب