واشنطن تبقي على سفارتها في بغداد وتنخرط في جهود تأمين المنطقة الخضراء

واشنطن تبقي على سفارتها في بغداد وتنخرط في جهود تأمين المنطقة الخضراء

غلق السفارة الأميركية في العراق بسبب تعدّد الهجمات الصاروخية على المنطقة الخضراء كان سيكون السيناريو الأفضل لإيران والميليشيات التابعة لها في العراق، حيث كان سيسوّق كانتصار مزدوج على الولايات المتّحدة وأيضا على حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، غير أنّ لجوء واشنطن إلى مثل هذا الخيار بات مستبعدا الآن بعد إعلان الأخيرة انخراطها في مخطط لحماية المنطقة الخضراء حيث مقر السفارة ووضع القوات العراقية أمام مسؤولياتها في تأمين البعثات الدبلوماسية والمصالح الأجنبية في العراق.

بغداد – أصابت الولايات المتّحدة إيران والميليشيات التابعة لها في العراق بخيبة أمل عندما أعلنت عن تقديمها دعما لوجستيا للقوات المسلّحة العراقية لمساعدتها على تأمين المنطقة الخضراء داخل العاصمة بغداد حيث يقع المبنى الضخم للسفارة الأميركية، الأمر الذي يعني سقوط فرضية لجوء واشنطن إلى سحب بعثتها الدبلوماسية، بعد أن راجت أنباء تفيد بأن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تدرس هذا الخيار بسبب تعدّد الهجمات الصاروخية التي تنفّذها ميليشيات شيعية على مقر السفارة الأميركية.

وأعلنت سفارة واشنطن لدى بغداد، الأربعاء، أنها سلمت الجيش العراقي ثلاثين عربة عسكرية مدرعة لتأمين المنطقة الخضراء الواقعة وسط العاصمة وتضم سفارة الولايات المتحدة وغالبية البعثات الدبلوماسية الأجنبية فضلا عن مقرات الحكومة والبرلمان ومنازل كبار مسؤولي الدولة.

وكان سيناريو سحب واشنطن لدبلوماسييها وموظفي سفارتها في بغداد وإقفال السفارة هناك سيمثّل، فيما لو تمّ تنفيذه بالفعل، انتصارا مزدوجا لإيران والميليشيات التابعة لها في العراق، حيث كان سيعني أنّ الضغوط الإيرانية آتت نتيجتها ودفعت الأميركيين إلى “الفرار” وهو هدف معلن من قبل طهران وقادة الميليشيات الموالية لها، كما كان سيعني تخلّي الولايات المتّحدة عن دعمها لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وتركه لمصيره في مواجهة الميليشيات التي لم تنقطع عن مهاجمته واتّهامه بـ”التبعية” لواشنطن، مثلما جاء مؤخّرا في تغريدة للقيادي في “كتائب حزب الله العراقي” أبوعلي العسكري حذّر فيها الكاظمي من اختبار “صبر المقاومة”، معتبرا أن “الوقت مناسب جدا لتقطيع أذنيه كما تُقطع آذان الماعز”، وأنّ وكالة المخابرات الأميركية لن تستطيع حمايته.

وكانت وسائل إعلام عربية ودولية قد تناقلت في سبتمبر الماضي ما قالت إنّه تهديد بإغلاق السفارة الأميركية في بغداد وجهه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو للرئيس العراقي برهم صالح عبر مكالمة هاتفية، الأمر الذي أثار مخاوف لدى الحكومة العراقية عبّر عنها وزير الخارجية فؤاد حسين بالقول إنّ الخطوة الأميركية في حال تنفيذها “تعطي إشارات خاطئة للشعب العراقي”، وإنّ العراق “غير سعيد بالقرار الأميركي الذي لا يصب في مصلحة بغداد”.

لكنّ الأمر بدا لاحقا أقرب إلى المناورة السياسية وجس نبض إيران وحلفائها من جهة، وحكومة الكاظمي من جهة مقابلة، حيث ذهب كثيرون إلى استبعاد أن تقوم الولايات المتّحدة بـ”رمي المنديل” في صراعها الشرس ضدّ إيران في العراق والمنطقة التي تحرص واشنطن على عدم إخلائها لطهران.

ولا يتعلّق أمر أي انسحاب أميركي دبلوماسي أو عسكري من العراق بالولايات المتّحدة وحدها، بل أيضا بحلفائها الإقليميين والدوليين الذين سيعتبرون ذلك الانسحاب إخلالا بالتوازن الاستراتيجي القائم في المنطقة من شأنه أن يلحق ضررا بأمن هؤلاء الحلفاء.

تقديم مركبات أميركية للجيش العراقي ضمن خطة لتأمين بغداد يشارك فيها مكتب التعاون الأمني التابع للجيش الأميركي

وفي إطار محاولاتها المتكررة لإقلاق راحة الوجود الأميركي في العراق، ركّزت الميليشيات الشيعية التابعة لإيران بشكل استثنائي على المنطقة الخضراء معتبرة أنّها نقطة ضعف يمكن من خلالها دفع الولايات المتّحدة إلى الانسحاب دبلوماسيا وعسكريا.

وتتعرض تلك المنطقة منذ العام الماضي لهجمات صاروخية متكررة من قبل الميليشيات. وبدلا من إخلاء مقر السفارة الأميركية في بغداد من الدبلوماسيين والموظفين وإغلاق المقر مثلما كانت تأمله إيران وميليشياتها، لجأت الولايات المتّحدة إلى مزيد تحصين السفارة بمنظومة دفاع جوي مضادة للصواريخ قصيرة المدى، كما تتجه لمساعدة القوات العراقية على تحصين مجمّع السفارات والمقرات الحكومية في بغداد، ووضعها في الآن نفسه أمام مسؤولياتها في حماية البعثات الدبلوماسية الأجنبية ومن ضمنها البعثة الأميركية.

وقالت السفارة الأميركية ببغداد في بيان إنّ “الولايات المتحدة مُلتزمة بمساعدة الجيش العراقي في الحفاظ على أمنِ العراق وبغداد”.

وأضافت “تحقيقا لهذا الهدف، قدّمت الولايات المتحدة الإثنين للجيش العراقي ثلاثين سيارة مُدرّعة للمساعدة في تأمين المنطقة الدولية”، وهو المصطلح الذي تستخدمه الولايات المتحدة للدلالة على المنطقة الخضراء وسط بغداد.

وأشارت إلى أنّ “الولايات المتحدة قدمت المركبات المذكورة لفرقة القيادة الخاصة والكائنة في قاعدة الأسد الجوية غربي العراق، وسيستخدمها الجيش العراقي في دورياته”.

وأفادت السفارة في بيانها بأنّ “هذه المساهمة تأتي باعتبارها جُزءا من خطة أكبر لمكتب التعاون الأمني التابع للجيش الأميركي – العراق لدعم فرقة القيادة الخاصة في تأمين مركز بغداد”.

وتقود الولايات المتحدة تحالفا دوليا مكونا من أكثر من ستين دولة لمحاربة تنظيم داعش في العراق وتقديم التدريب والمشورة للقوات المسلحة المحلية.

ويأتي مخطط تأمين المنطقة الخضراء في ظل أجواء متوترة يشهدها العراق مع قرب حلول الذكرى السنوية الأولى لاغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني برفقة نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس في قصف جوي أميركي قرب مطار بغداد الدولي في الثالث من يناير الماضي.

وتسود المخاوف من تصعيد الفصائل العراقية المقربة من إيران هجماتها بحلول ذكرى مقتل سليماني، على القوات والمصالح الأميركية وسط تحذير من واشنطن بأنها سترد بقوة على هجوم يوقع ضحايا أميركيين.

العرب