عدن – تتواتر المؤشّرات على ضلوع جماعة الحوثي في الهجوم الدامي على مطار العاصمة اليمنية المؤقتة عدن لحظة وصول الطائرة المقلّة للحكومة اليمنية الجديدة التي تشكّلت بمقتضى اتّفاق الرياض، في ظلّ تساؤلات عما إذا كان ثبوت تورّط الجماعة المتمرّدة في الحادثة سيغيّر الموقف الدولي والأممي منها باتجاه تجريمها واعتبارها طرفا غير مؤهّل للمشاركة في صنع السلام، أم أنّ عملية “المجاملة” غير المنطقية لها ستستمر رغم هذه الجريمة المروّعة وفق توصيف العديد من المسؤولين الدوليين والأمميين.
ونشر ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو قالوا إنها توثّق لحظات إطلاق الصواريخ من مطار تعز الذي يسيطر عليه الحوثيون، في الوقت الذي استشعرت فيه الجماعة الحوثية خطورة الموقف وحاولت التنصل من المسؤولية وتصوير الحادث على أنه جزء من الصراع بين مكونات الشرعية.
وعقدت الحكومة اليمنية برئاسة معين عبدالملك، الخميس، أول اجتماعاتها في قصر المعاشيق بعدن لمناقشة تداعيات الهجوم على المطار.
ونقلت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية عن عبدالملك تأكيده على أن “المؤشرات الأولية للتحقيقات في الهجوم الإرهابي على مطار عدن الدولي تشير إلى وقوف ميليشيا الحوثي الانقلابية وراء هذا الهجوم الذي تم من خلال صواريخ موجهة”، مشيرا إلى توفر “معلومات استخباراتية وعسكرية عن وجود خبراء إيرانيين كانوا موجودين لتولي هذه الأعمال”.
وقال مراقبون سياسيون لـ“العرب” إنّ حجم الهجوم والجرأة التي اتّسم بها باستهدافه تصفية أعضاء الحكومة الجديدة بشكل جماعي، مؤشر على المخاوف الحوثية من انعكاسات تشكيل تلك الحكومة وردم هوة الخلافات بين الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، والتأثيرات المحتملة على صعيد تطوير أداء الشرعية وإصلاح الاختلالات في المؤسسات الأمنية والعسكرية.
وأكدت مصادر سياسية لـ“العرب” أن قرارا حوثيا بحجم تصفية أعضاء الحكومة لا يقل خطورة عن القرار الذي اتخذه الحوثيون بتصفية الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وهو ما يؤكد وقوف طهران خلف هذا الهجوم الذي استهدف مطار عدن، بهدف خلط الأوراق في الملف اليمني مع التحولات المتوقعة في الموقف الدولي واستغلال فترة الارتباك التي تفرضها ظروف انتقال السلطة في الإدارة الأميركية.
واستغرب مصدر رفيع في الحكومة اليمنية، طلب عدم ذكر اسمه، من الارتباط الوثيق بين إدانة جريمة قصف مطار عدن، وبين تضمين بيانات الإدانة إشارة إلى أن هذا الهجوم يزيد المطالبة بضرورة إحلال السلام مع الحوثيين، وهو ما وصفه المصدر بأنه تشجيع للميليشيات المدعومة من إيران للمضي قدما في خطوات التصعيد في سبيل انتزاع موافقة دولية وأممية على القبول بسياسة الأمر الواقع التي تسعى الميليشيات الحوثية لتكريسها.
وفي تصريح لـ“العرب” اعتبر نائب رئيس الدائرة الإعلامية في المجلس الانتقالي الجنوبي، منصور صالح، الهجوم الحوثي على مطار عدن تأكيدا على مخاوف الحوثيين من عودة التوازن للحكومة اليمنية بعد مشاركة المجلس الانتقالي فيها، واستشعارهم بأنهم باتوا في مواجهة حكومة أكثر تماسكا وقدرة على إدارة المعركة السياسية والدبلوماسية والعسكرية ضدّهم.
ولفت صالح إلى أن المؤشرات الأولية تؤكد ضلوع الحوثي في الهجوم على المطار ومحاولة استهداف حكومة المناصفة، غير أن ذلك لا يمنع من التأكيد على أهمية إجراء تحقيق شفاف بمشاركة المجتمع الدولي وإعلان نتائج التحقيق.
كما اعتبر أنّ جريمة قصف مطار عدن التي تسببت في سقوط العشرات من القتلى والجرحى، تجعل من الضروري توسيع قاعدة المشاركة في مؤسسات الحكومة ومواجهة بعض الأطراف التي تحاول الاستحواذ على قرار الشرعية، وتعمل على خدمة الأجندة القطرية التركية الإيرانية في اليمن والتي ليس من المستبعد أن تكون متورطة بشكل أو آخر في محاولة لتصفية أعضاء الحكومة جسديا بعد أن شاركت في استهدافها معنويا عبر سلسلة من الحملات الإعلامية التي كان آخرها محاولة تبرئة الحوثيين من الجريمة وخلط الأوراق من خلال اتهام التحالف أو الانتقالي، في تكرار لخطاب إعلامي قائم على سياسة تبييض جرائم الحوثي التي دأب عليها هذا الفريق.
وتؤشّر البداية الصعبة التي واجهتها الحكومة اليمنية قبل أن يطأ وزراؤها أرض المطار حجم التحديات التي تقف أمامها على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية.
ويرى ماجد المذحجي من مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية أن “ما يميز هذه الحكومة أنها تمثّل جميع الأطراف”، موضحا أنها تضم حتى المنادين بالانفصال عن الدولة اليمنية الموحدة، في إشارة إلى المجلس الانتقالي الجنوبي.
ويشير المذحجي إلى أنّ نطاق عمل الحكومة سيكون في المناطق المحررة بعيدا عن مناطق المتمرّدين الحوثيين الذين يسيطرون على كامل الشمال اليمني باستثناء مأرب، مشيرا إلى أن لدى الحكومة الجديدة “ثلاث أولويات أساسية”، حيث يتوجب عليها التعامل مع الوضع الاقتصادي المنهار عبر “وقف النزيف في سعر العملة اليمنية مقابل الدولار وإعادة ترتيب الأوضاع الاقتصادية في المناطق المحررة”.
وبالإضافة إلى ذلك، يتوجب على الحكومة وفق المجحذي أيضا “إفراغ عدن ومحيطها من المعدات العسكرية الثقيلة والدفع بها إلى الجبهات”، حيث تجري المواجهة مع المتمردين الحوثيين بعدما كانت تُستخدم للاقتتال بين أفرقاء المعسكر الواحد، كما يتوجّب عليها وقف “الخسائر على الأرض أمام الحوثيين الذين بدأوا بالتقدم في عدد من الجبهات خصوصا في مأرب.
ويرى المذحجي أن التحدي الأكبر أمام الحكومة هو “الحفاظ على وحدتها وتجاوز الانقسامات السياسية بين الأطراف المشكّلة لها، خصوصا الحساسيات بين التجمع اليمني للإصلاح والمجلس الانتقالي الجنوبي”.
العرب