صراع الرئاسات الثلاث يثير أزمة دستورية ويهدد الحكم في تونس بالشلل

صراع الرئاسات الثلاث يثير أزمة دستورية ويهدد الحكم في تونس بالشلل

طرح احتمال عدم سماح الرئيس التونسي لبعض الوزراء في التعديل الحكومي الجديد والذين حصلوا على ثقة البرلمان، بأداء اليمين أمامه، نقاشات محتدمة بين فقهاء القانون الدستوري، كونها قد تضع مؤسسات الدولة في شلل تام، وربما تزيد من تعقيد المشهد، لكنها في المقابل تكشف بوضوح أن الدستور تعتريه ثغرات، مما جعله يتأرجح بين اختلالات التكييف القانوني وإشكاليات كبيرة على مستوى التنفيذ.

تونس- كان إعداد دستور 2014 بطيئا لأسباب كثيرة أغلبها يتعلق بكيفية استئثار حركة النهضة الإسلامية ومن لف لفيفها في ذلك الوقت بالسلطة، ورغم أن ذلك الوضع أرغم على الأقل الخصوم السياسيين على التفاوض في ما بينهم للتوصّل إلى تسويات، إلا أنه أثبت بعد ست سنوات من بداية العمل به أنه يتضمن ثغرات عميقة لا يمكن حتى تعديلها الآن، في ظل السجالات المتواصلة بين الرئاسات الثلاث.

ودخل المشهد السياسي التونسي في أعقاب منح البرلمان الثقة لوزراء اقترحهم رئيس الحكومة هشام المشيشي في تعديل كان قد أعلن عنه منتصف الشهر الحالي، من بينهم أسماء تحوم حولها شبهات تضارب مصالح وفساد، في مضيق أزمة دستورية غير مسبوقة وطرح معه مسألة ما إذا كان ذلك سيضع الدولة أمام أزمة حكم.

ويترقب التونسيون ما سيؤول إليه تلويح الرئيس قيس سعيد بعدم قبول بعض الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية على سير مؤسسات الدولة، في ظل التوتر المستمر مع قصر قرطاج من جهة، والبرلمان ورئاسة الحكومة من جهة أخرى.

ومنح البرلمان في جلسة عامة أولى الثلاثاء الماضي الثقة لـ11 وزيرا شملهم التعديل الحكومي، رغم اعتراض الرئيس سعيد على عدد منهم قبل يوم في اجتماع غلب عليه التوتر بمجلس الأمن القومي، بدعوى وجود شبهات فساد تحوم حولهم.

وقال سعيد، أستاذ القانون الدستوري المتقاعد، إن “إجراءات منح الثقة للحكومة شابها خرق للدستور وأن أداء اليمين الدستورية ليس مجرد إجراء شكلي وأنه لن يسمح لبعض الوزراء بأداء اليمين”.

وخلق هذا الموقف نقاشا بين خبراء القانون الدستوري، لأنها وضعية غير مسبوقة في تونس وقد تفضي إلى إرباك مؤسسات الحكم في ظرف مشحون اجتماعيا بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة.

وتقول سلسبيل القليبي أستاذة القانون الدستوري بكلية العلوم القانونية والسياسية بالعاصمة تونس، إن للرئيس سلطة مقيدة ولا يمكن له رفض أداء الوزراء لليمين الدستورية، لأن ذلك سينجم عنه تعطيل أدائهم لمهامهم.

لكنها رأت في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية أن السلطة المانحة للثقة هي مجلس النواب (البرمان) ولا يملك الرئيس سلطة الاعتراض، ويشير نص الدستور في الفصل 89 إلى كلمة “يؤدي رئيس الحكومة وأعضاؤها أمام رئيس الجمهورية اليمين” والجملة وردت في معناها بصيغة الأمر.

ومع ذلك، يكمن المأزق في احتمال اعتراض سعيد، ومن ثم ذهاب نواب البرلمان إلى تقديم لائحة لوم ضد الرئيس لارتكابه خرقا “جسيما للدستور”، ما يعني فرضية العزل، وهي خطوة تحدث عنها النواب علنا في مداخلاتهم في جلسة منح الثقة في البرلمان.

وترى القليبي أن هذه اللائحة لن تكون كافية من الناحية القانونية، لأن تكييف هذا الخرق هو اختصاص يعود إلى المحكمة الدستورية في نهاية المطاف، وهي غير متوفرة الآن.

وهذه ليست المقاربة القانونية الأولى للأزمة الحالية في ظل سكوت الدستور عن بعض الوضعيات وتأخر وضع المحكمة الدستورية المتخصصة في الفصل في النزاعات الدستورية، منذ نحو خمس سنوات بعد صدور دستور 2014.

البرلمان منح في جلسة عامة أولى الثلاثاء الماضي الثقة لـ11 وزيرا شملهم التعديل الحكومي، رغم اعتراض الرئيس سعيد

ويرى أستاذ القانون الدستوري عطيل ظريف، وهو أحد طلبة الرئيس سعيد، “أن هناك نظريتين، الأولى تشير إلى إلزامية قبول الرئيس لأن صلاحيته مقيدة في هذا المجال وهو ما يشير إليه نص الدستور، لكن السؤال الأهم هل هذا يتعلق بحكومة جديدة أم ينسحب كذلك على التعديل، لم يشر الدستور إلى ذلك”.

ومع سكوت الدستور، يشير النظام الداخلي للبرلمان إلى وجوب منح الثقة للوزراء الجدد في التعديل الحكومي، وهو أمر جرى اتباعه من قبل عدة حكومات سابقة حتى تحول إلى عرف دستوري، لكن الرئيس سعيد اعتبر هذا العرف قفزا على الدستور.

ويقول ظريف إنه يمكن للرئيس باعتباره الساهر على تطبيق الدستور أن يتقيد حرفيا بالنص الدستوري ولا يعترف بالنظام الداخلي للبرلمان الأدنى مرتبة قانونيا، لكن لا يمكن أن يخالف الفصل 89 لأن الرفض سيؤدي إلى مأزق وإلى وضع غريب في الحكم.

وبحسب ظريف، لا يمكن للرئيس أن يضيف خرقا إلى خرق آخر، باعتباره الضامن لوحدة الدولة واستمراريتها، فهو أمام وضعية تحتم عليه قبول الوزراء، الرفض قد يؤدي إلى أزمة ثلاثية في الحكومة والبرلمان والرئاسة.

ويمكن أن تزيد الأزمة الدستورية من تعقيد الوضع في تونس التي شهدت اضطرابات ليلية قبل أسبوعين في عدة مدن واحتجاجات ضد الفقر والبطالة تسببت في توقيف أكثر من ألف شخص، وهي تحركات تواترت على مدار الانتقال السياسي الذي بدأ منذ العام 2011.

يكمن المأزق في احتمال اعتراض سعيد، ومن ثم ذهاب نواب البرلمان إلى تقديم لائحة لوم ضد الرئيس لارتكابه خرقا “جسيما للدستور”

ويعتقد عياض بن عاشور عميد كلية العلوم القانونية أن الأزمة الحالية قد تؤدي إلى اعتماد نظرية “الإجراءات المستحيلة” حتى لا يتم تعطيل سير الدولة.

وبحسب هذه النظرية، يمكن لرئيس الحكومة إصدار إعلان يؤكد فيه رفض الرئيس دعوة الوزراء لأداء اليمين، وينتظر مهلة ثم يتم تطبيق هذه النظرية وينطلق الوزراء في أداء مهامهم دون أداء اليمين.

ويختلف هذا الرأي مع ما ذهب إليه أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ، الذي اعتبر أن الوزراء المعينين لا يمكنهم قانونا مباشرة مهامهم، في حال رفض رئيس الجمهورية استقبالهم لأداء اليمين وتسميتهم، وتكون تبعا لذلك كل الأعمال التي يؤدونها باطلة.

العرب