يمكن للرئيس الأميركي جو بايدن تجنب أخطاء الماضي التي ارتكبها نظيره دونالد ترامب في التعامل مع الصين، ويتوجّب عليه بلورة سياسة ناجعة لضمان حُسن سير العلاقات وتحقيق المصالح المشتركة.
في هذا التقرير -الذي نشرته مجلة “ناشونال إنترست” (National Interest) الأميركية، قال الكاتب سايمون ليستر إن ترامب كان يتبع إستراتيجية تجارية جريئة، حيث فرض التعريفات الجمركية وأعاد التفاوض بشأن الاتفاقيات التجارية واتهم الدول الأخرى باستغلال الولايات المتحدة.
وبشكل رئيسي، وفي مجال في التجارة، استهدف ترامب الصين، قولا وفعلا. ومع ذلك، بعد 4 سنوات من توليه الحكم، لم تتغير الممارسات التجارية الصينية تقريبا، مما يثير التساؤل بشأن مآل السياسة التجارية الأميركية حاليا: لماذا فشلت إستراتيجية ترامب التجارية؟ وما الذي يجب أن تفعله إدارة بايدن بدلا من ذلك؟ يتساءل الكاتب.
وبدأت جهود إدارة ترامب للتصدي للممارسات التجارية الصينية باستقصاء، ثم تحولت إلى تعريفات جمركية (قوبلت بالتعريفات الانتقامية من جانب الصين، ثم المزيد من الرسوم الجمركية من قبل إدارة ترامب) واختُتمت بصفقة تجارية.
ومع ذلك، فليست الإنجازات واضحة. فما زالت معظم التعريفات الإضافية والانتقامية سارية. ولم تكن الصادرات إلى بكين على قدر التوقعات، حيث لم يُفتح سوق الصين بالكامل، باستثناء قطاعين، يقول الكاتب.
وتدهورت الاقتصادات في جميع أنحاء العالم وتباطأت التجارة بسبب فيروس كورونا، لكن فشل الممارسات التجارية الأميركية كان واضحا قبل هذه الأزمة. ولكن، لماذا لم تحقق إدارة ترامب إلا القليل من مساعيها رغم الجهود التي تبذلها، خاصة فيما يتعلق بالصين؟
ما الذي اقترفته؟
يقول الكاتب إن إدارة ترامب اعتقدت أنها تستطيع حل “مشكلة الصين” بمفردها. وبدلا من تنسيق الجهود مع الدول الأخرى، ومراجعة منظمة التجارة العالمية أو بعض المنتديات الأخرى المتعددة الأطراف، اتخذت الإدارة قرارات أحادية الجانب فيما يتعلق بالصين وفرضت تعريفات جمركية وفقا لقانون محلي.
لكن لم يعد هذا النهج مهما بعد الآن، إذا أخذت الحكومات الأميركية اعتراضات الصين (أو الاتحاد الأوروبي أو كندا أو أي دولة أخرى) -على الممارسات التجارية غير العادلة- على محمل الجد، و(قامت) بمساءلتها في منتديات محايدة.
اعلان
إن الاضطلاع بدور المدعي العام والقاضي في قضية تجارية، كما فعلت إدارة ترامب في هذا السياق، يعتبر أمرا غير موثوق به. وقد يبدو من المؤكد أن الصين (أو الاتحاد الأوروبي أو كندا) تنتهك الالتزامات التجارية أو تتصرف على نحو غير عادل. ولكن لا يمكن حسم هذا السؤال من خلال النظر فقط في الموجزات القانونية لطرف واحد، بحسب ما يرى الكاتب.
في الواقع، قد ينجر عن هذا النوع من القرارات أحادية الجانب نتائج عكسية ويجعل الإصلاحات المنشودة غير محتملة، مما يجعل من الصعب سياسيا على الطرف المخالف أن يغير سياساته.
وقد تجادل إدارة ترامب وأنصارها بأن الإدارات السابقة اتبعت نهجا متعدد الأطراف ولكنه باء بالفشل، أو قد تزعم أن هذه الإدارات “لم تتخذ أي إجراءات ناجعة” بشأن الصين. لكن التاريخ يروي قصة أخرى أكثر دقة، فقد كانت الصين عضوا في منظمة التجارة العالمية منذ عام 2001، لذلك هناك إدارتان فقط معنيتان بهذه النقطة.
تعامل إدارة بوش
وفي المقام الأول، كانت إدارة بوش أول من تعامل مع الصين باعتبارها عضوا في منظمة التجارة العالمية. وكانت بكين تتمتع بفترة إعفاء (انتقالية) قبل أن تتعرض لضغوط بشأن الامتثال لالتزامات المنظمة.
لكن بحلول الوقت الذي انتهت فيه فترة الإعفاء، كانت الولايات المتحدة منغمسة في حربها على “الإرهاب” ولم تستطع أن تولي الصين الاهتمام الذي تستحقه. وفي الحقيقة، كانت مغامرات إدارة بوش في الشرق الأوسط بحاجة إلى موافقة بكين، لذلك لم يكن فريق بوش التجاري في وضع يسمح له بتشديد ضغطه على الصين، كما يقول الكاتب.
في المقابل، رفعت إدارة بوش بعض القضايا التابعة لمنظمة التجارة العالمية ضد الصين (بعد فترة الإعفاء) ولكن جهودها كانت محدودة نسبيا. وبالتالي، لا يتعلق الأمر فقط بحقيقة أن هذه الإدارة اتبعت النهج متعدد الأطراف وفشلت.
بعبارة أخرى -يقول الكاتب- عندما اتبعت إدارة بوش نهجا متعدد الأطراف، كانت النتائج جيدة بالفعل. ومع ذلك، كان انتباه الإدارة مشتتا بسبب قضايا أخرى. بالتالي، لم تستطع منح الممارسات التجارية الصينية الاهتمام الذي تستحقه بالدعاوى القضائية التي رفعتها منظمة التجارة العالمية.
ماذا فعلت إدارة أوباما؟
يقول الكاتب: أخذت إدارة أوباما المشعل، حيث كان فريق السياسة الخارجية يتطلع إلى الهروب من مستنقع الشرق الأوسط، وكان ما يسمى محور الارتكاز الآسيوي جزءا أساسيا من السياسة الخارجية التي اختارتها كمخرج محتمل.
وذكر أن الصين كانت محور هذا الجهد، حيث اقترحت إدارة أوباما صفقة تجارية بين دول المحيط الهادي تعرف باسم “الشراكة العابرة للمحيط الهادي” مما فرض ضغوطا اقتصادية على الصين.
نهاية المطاف، تمكنت إدارة أوباما من استكمال المفاوضات مع 11 دولة أخرى. ولكن لسوء الحظ، وقعت الصفقة ضحية للسياسة الداخلية للولايات المتحدة، حيث كان الجمهوريون بالكونغرس مترددين بشأن تأييد إدارة أوباما، في وقت تمرد اليسار ضد العملية برمتها.
وبشكل عام، كل ما تحتاج إدارة بايدن لفعله في الوقت الراهن هو التعلم من هذه الأخطاء واتخاذ إجراءات أكثر فاعلية هذه المرة.
ما الذي يجب أن تفعله إدارة بايدن؟
في البداية، ينبغي على إدارة بايدن النظر في تعهدات الصين بالانضمام إلى منظمة التجارة العالمية نظرا لأن هذه التعهدات واسعة النطاق وتظل مفيدة لفتح السوق الصينية. ومع ذلك، أصبحت هذه التعهدات واعدة بعض الشيء ويمكن استخدامها لاستكمال تعهدات جديدة.
يدعو هذا الأمر -يقول الكاتب- إدارة بايدن لإدراج متابعة الممارسات التجارية الصينية في أجندتها عن طريق العمل مع الحلفاء لمقاضاة بكين والتفاوض معها لتخفيف القيود. ويتعيّن على الإدارة الجديدة اتخاذ بعض الخطوات المعينة:
أولا، يجب على إدارة بايدن أن تنسحب من الحروب التجارية المختلفة التي تخوضها الولايات المتحدة مع الحلفاء، والتركيز على العمل معهم بشأن قضايا الصين بدلا من ذلك.
ثانيا، ينبغي أن تقود هذه الإدارة جهودا منسقة لرفع دعاوى قضائية ضد الصين بموجب أحكام منظمة التجارة العالمية الحالية. يُذكر أن هذا النهج كان ناجحا في الماضي. وفي حال أعادت الإدارة التركيز عليه، بشكل أكبر وبصورة مشتركة مع الحكومات التي تشاطرها الرأي، فقد يكون أكثر فائدة.
ثالثا، يجب على إدارة بايدن أيضا أن تسعى للضغط على الصين للتوقيع على التزامات جديدة. على سبيل المثال، الضغط عليها للانضمام إلى اتفاقية منظمة التجارة العالمية بشأن عمليات الشراء الحكومية، وتمرير المزيد من عقود الشراء للموردين الأجانب.
ومن خلال هذا الجهود المنسقة، يمكن للولايات المتحدة وبقية الأطراف إرسال إشارة واضحة لما يجب على الصين القيام به للاضطلاع بدور أساسي في النظام التجاري. كما يجب أن تواصل إدارة بايدن الضغط على بكين لإعادة هيكلة اقتصادها ليصبح أكثر توجها نحو السوق، حيث تلعب الشركات الخاصة وقوى السوق دورا أكبر.
هذا من شأنه -يؤكد الكاتب- أن يُحدث تغييرا جذريا في الصين، ولكن ستكون هناك عقبات داخلية ستواجهها حكومة بكين حتى لو أرادت القيام بذلك. بيد أن الرسالة الواضحة والموحدة من اقتصادات السوق الديمقراطية الرائدة تعتبر بمثابة السبيل الأكثر فعالية لمتابعة هذه الأجندة.
وفيما يتعلق بهدف معالجة سياسة الحمائية الصينية وغيرها من الممارسات التجارية الخاطئة، فإن أسباب الإخفاقات السابقة واضحة، ولكن يمكن لإدارة بايدن اتباع إستراتيجية محتملة للنجاح إذا أرادت ذلك، هكذا يختم الكاتب تقريره في مجلة ناشونال إنترست.
المصدر : ناشونال إنترست