باميان (أفغانستان) – يهدّد شبح الحرب الطائفية أفغانستان في ظل مخاوف من تجدد العنف بين حركة طالبان والميليشيات الشيعية في أعقاب انسحاب القوات الأميركية من البلاد.
ويؤكد حميد الله أسدي، أحد أفراد طائفة الهزارة الشيعية التي تتعرض إلى اضطهاد على أيدي المتطرفين السنة منذ فترة طويلة في أفغانستان، أنه كان أمام أحد خيارين: إما أن ينتظر بعجز الهجوم الدموي المقبل وإما أن ينضم إلى مجموعة مسلحة للدفاع عن نفسه.
واختار أسدي القتال وأصيب قبل أشهر بجروح في هجوم انتحاري تبناه تنظيم الدولة الإسلامية داعش.
وقال حميد الله، الذي أصبح منذ ذلك الحين المتحدث باسم حركة المقاومة من أجل العدالة، وهي مجموعة من مقاتلي الهزارة الذين ينشطون في المرتفعات المغطاة بالثلوج في ولاية باميان في وسط أفغانستان، في تصريحات صحافية “اضطررنا إلى حمل السلاح”.
وأضاف آسفا أن “أولئك الذين كان من يفترض أن يدافعوا عنا لم يكونوا في مستوى تطلعاتنا”.
وتشهد العاصمة كابول والعديد من المقاطعات الأفغانية منذ أشهر تصاعدا للعنف. وضاعفت حركة طالبان من هجماتها في الوقت الذي كانت تتفاوض فيه مع الحكومة الأفغانية في الدوحة منذ سبتمبر.
ومع الانسحاب الكامل للقوات الأجنبية ومعظمها أميركية المقرر في مايو، يستعد الهزارة للأسوأ ويخشون عودة البلاد إلى الحرب الأهلية.
والهزارة أو “شيعة أفغانستان”، يمثلون بين عشرة وعشرين في المئة من 38 مليون أفغاني، ويحظون بدعم من إيران.
ويقوم الحرس الثوري الإيراني بتجنيد الميليشيات الشيعية في أفغانستان وزجّهم في مقدمة الاشتباكات الدائرة في سوريا إلى جانب قوات النظام السوري. واستدعت طهران الكثير منهم للمشاركة في قمع احتجاجات في نوفمبر من العام 2019، كما نقلت قسما آخر إلى داخل أفغانستان لتنفيذ أجندة الحرس الثوري هناك.
ومن بين الميليشيات الشيعية التابعة للحرس الثوري الإيراني، فيلق فاطميون الأفغاني شبه العسكري، ويتكون من مهاجرين أفغان ومن عناصر فيلق زينبيون، وهي ميليشيات باكستانية لجأت إلى إيران.
وتستغل إيران حالة الانفلات الأمني في أفغانستان لتوظيف الشيعة كورقة لتطبيق أجندتها في المنطقة، حيث تعمل على استغلال الصراعات الطائفية للزجّ بهم في حروبها بالوكالة في المنطقة.
ويسلّط عودة العنف الضوء أيضا على مخاوف من احتمال أن يحمل الهزارة السلاح نتيجة إحباطهم من عدم تحرك الحكومة.
ويكرر العديد من الشيعة، أن التنظيم الجهادي يمكن أن يضرب في أي مكان وأنه لا يمكنهم التعويل إلا على أنفسهم في مجال الحماية.
ويذكر حميد الله الذي نجا في 2016 عندما كان طالبا في جامعة كابول، من هجوم انتحاري مزدوج أودى بحياة ثمانين شخصا وشكل بداية لموجة جديدة من العنف ضد طائفته.
ويقول إنه اليوم وأحد من الآلاف من المقاتلين المسلحين الذين يقودهم عبدالغني عليبور الشخصية التي تتمتع بشعبية كبيرة بين الهزارة.
وتؤكد المجموعة التي ينتمي إليها أنها تقوم بدوريات على الطرق لحماية السكان المحليين، ولكنها لا تتردد في خطف مسلحين من حركة طالبان لمبادلتهم برهائن من الهزارة.
ويشكل انتشار مثل هذه الميليشيات تحديا للحكومة التي تخشى ظهور مجموعات مسلحة قوية ومستقلة.
واضطر الهزارة في الكثير من الأحيان إلى الاعتماد على أنفسهم على امتداد التاريخ الأفغاني. وملامحهم التي يتميّز بها سكان آسيا الوسطى تجعل من السهل التعرف عليهم من قبل المتطرفين.
وخلال الحرب الأهلية الوحشية في تسعينات القرن الماضي، قُصف الهزارة بلا رحمة في القتال بين فصائل متعادية، ثم ذُبح الآلاف منهم عندما استولت حركة طالبان على الحكم.
لكن قلة من المجموعات الأخرى استفادت كما استفاد الهزارة من النظام الجديد الذي تأسس بعد سقوط نظام طالبان الأصولي الذي أطاح به تحالف بقيادة الولايات المتحدة في 2001. وأرسل الهزارة أبناءهم بمن فيهم البنات إلى المدارس بشكل كثيف ودخلوا الساحة السياسية، لكن هذه المكاسب لا تزال هشة.
وقتل المئات من الهزارة منذ ذلك الحين في هجمات لتنظيم الدولة الإسلامية استهدفت مساجد ومدارس وتجمعات ومستشفيات في داشت بارشي، الجيب الذي يقيم فيه الهزارة في غرب كابول.
وقالت سيما سمار، الرئيسة السابقة للجنة الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان، “حتى بوجود القوات الأميركية وحلف شمال الأطلسي في أفغانستان كانوا في وضع هش”.
انتشار الميليشيات الشيعية يشكل تحديا للحكومة التي تخشى ظهور مجموعات مسلحة قوية ومستقلة بعد انسحاب القوات الأميركية
وفرّ بعض الهزارة من العاصمة إلى ولاية باميان مهد هذه الطائفة والتي بقيت لفترة طويلة تعتبر من أكثر مناطق البلاد أمانا.
وكان مراد علي حيدري يعتقد أن هذا سيحمي عائلته، لكنه لم يحل دون مقتل ابنه هناك في واحد من هجومين وقعا في نوفمبر.
وباتت نقاط المراقبة تنتشر في المنطقة حيث تمضي قوات الأمن وقتها في تفتيش السيارات واستجواب الركاب.
وقال مراد “انتقلنا من كابول إلى باميان لنكون أكثر أمانا ونعيش في مكان يسوده السلام”، لكن “عندما نغادر المنزل الآن، من الصعب أن نتصور أننا سنعود أحياء”.
وحتى مغادرة البلاد لا تشكل ضمانا. فقد قتل تنظيم الدولة الإسلامية في باكستان في يناير مجموعة من عمال مناجم الهزارة، بينهم عدد من الأفغان.
وغربا، انتهى الأمر بالآلاف من الهزارة الذين عبروا الحدود مع إيران إلى الانتشار في إطار المجموعات الشيعية في سوريا خلال العقد الماضي.
ولا يزال آخرون يترددون في حمل السلاح. فعندما قُتلت شقيقته رحيلة في هجوم على مركز تعليمي في كابول في 2018، بنى حميد الله رافي مركزا جديدا لتكريم ذكراها.
وقال حميد الله “إنها حرب ضد الجهل نوعا ما، ضد الذين يقتلون الطلاب ويعارضون تعليم الشباب وتحررهم الاجتماعي”.
وكغيره في داشتي بارشي يدفع من جيبه لحراسه الشخصيين، ويأسف لعجز الحكومة عن ضمان أمن الحي. لكنه يتساءل إن كان سيضطر عندما تغادر القوات الأميركية البلاد إلى حمل السلاح. ويقول إنه “ربما” عليه أن يفعل.
لكن شوالي نظامبور وهو مقاتل آخر في الميليشيا، لا شكوك لديه، ويؤكد أنه يجب أن يتعلم الهزارة الدفاع عن أنفسهم.
وقال نظامبور، الذي انضم إلى فصيل عليبور بعد أن غادر قوات الأمن الحكومية، “على مدى التاريخ تتعرض الهزارة إلى سوء المعاملة في أفغانستان.. علينا أن نكون مستعدين”.
العرب