لعبة الدرون والغايات الإيرانية

لعبة الدرون والغايات الإيرانية

اتسعت حركة وانتشار المليشيات المسلحة المرتبطة بالنظام الايراني حتى بدأت تتخذ لها مسميات وهمية أو بعيدة عن الأسماء الحقيقية للمليشيات العاملة في الميدان العراقي والتي تكتسب قوتها ونفوذها من الدعم الذي تتلقاه من قيادة وضباط الحرس الثوري الايراني المسؤول عن تنفيذ السياسة التوسعية للنظام الحاكم في طهران وتمدده ونفوذه في العراق وباقي عواصم الأقطار العربية في بيروت ودمشق وصنعاء وظهر واضحا للعيان قيام هذه المليشيات بالعديد من العمليات التعرضية على أهداف داخلية وخارجية مستخدمة أدوات وأسلحة جديدة ومتطورة بعيدا عن مثيلاتها من أسلحة الكاتيوشا والهاونات ، ولاحظنا أن معظم العمليات التي نفذت  من قبل هذه المليشيات في  الأونة الأخيرة كانت تستخدم (الطائرات المسيرة ) والصواريخ الموجهة وهذا ما حدث في العمليات التي نفذت على الأراضي السعودية مستهدفة أهدافا مدنية ومواقع سيادية وبإعتراف واضح وضمني عبر العديد من البيانات التي صدرت تحت مسميات (الوعد الحق وأصحاب الكهف والأمر بالمعروف ) وأتخذت من الأراضي العراقية منطلقا لها وهي عمليا تهدد الأمن الوطني والقومي العراقي وتعرض أبناء الشعب العراقي للمزيد من الأزمات والمشاكل السياسية والأمنية مع دول الجوار خاصة وأن الحكومة العراقية بدأت خطوات جادة في الأشهر الماضية في إدامة العلاقات الأخوية مع الأقطار العربية الشقيقة وخاصة المملكة العربية السعودية عبر توقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية والأمنية وتعزيز التعاون العربي المشترك وعودة العراق لممارسة دوره الريادي في المحيط العربي وتعزيز أواصر المحبة بين الأشقاء بما ينعكس ايجابيا على الأوضاع العامة في العراق .
تحاول هذه المليشيات المسلحة تنفيذ إرادة وتوجهات الجهات الداعمة لها من النظام الايراني وبعض الجهات السياسية داخل العراق والعمل على إحراج رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي وخلق المزيد من التوترات والعقبات التي تهدد أمن وسلامة العراقيين ، وبعد تنفيذ العمليتين اللتين أعلنت المسؤولية عنهما هذه الفصائل في التواريخ المدرجة أدناه :
أولا : بتاريخ 23 كانون الثاني 2021 تم إختراق المجال الجوي السعودي باستخدام الطائرات المسيرة  (الدرون ) وجرى اعتراضها عن طريق منظومة الدفاع الجوي السعودي وتمت العملية في وضح النهار واستهدفت مواقع مدنية وسيادية .
ثانيا : بتاريخ 26 كانون الثاني 2021 وبنفس الأسلوب تم توجيه طائرة مسيرة اخترقت الدفاعات السعودية وأعلنت فصائل (الوعد الحق) مسؤوليتها عنها مستهدفة قصر اليمامة في العاصمة السعودية الرياض .
بدأت أصوات واعلام المليشيات المسلحة بالتحدث عن أهمية هاتين العمليتين كونهما كانتا موجهتان بصورة دقيقة على مواقع وأماكن حساسة ذات أهمية سياسية وإعلامية مؤكدة إستمرارها بمواصلة العمليات الموجهة داخل العمق السعودي ، وعندما نستعرض هذه الوقائع وتنفيذ العمليات الموجهة وطبيعة الأساليب المتبعة يمكن ملاحظة الأتي :
1.سعي وتوجه  النظام الايراني لتزويد المليشيات المسلحة ورغبته بإمتلاك  هذا السلاح لأهميته في توجيه الضربات الجوية وبتكلفة منخفضة وبإمكانية التحكم باقلاع الطائرة التي تطير لمسافات تقدر بمئات الكيلومترات ويتعذر كشفها ورؤيتها بالعين المجردة وتكلفتها المادية بسيطة بعد أن تمكن الايرانيون من صنع جميع أنواع الطائرات بدون طيار وبأنواع وأحجام مختلفة .
2. العمليتان جاءتا بعد توقف عن استهداف مقر البعثة الدبلوماسية الامريكية في بغداد حيث كان آخر تعرض بتاريخ 20 كانون الأول 2020 أستخدم فيه ثلاثة صواريخ موجهة تم التصدي لها من منظومة دفاعية متمركزة على سطح بناية السفارة ،وهذا يعني أن توجه المليشيات انتقل من المواجهة الداخلية الى المواجهة عبر الحدود واستهداف حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية .
3.تصعيد وتائر المواجهة مع الادارة الأمريكية خارج الأراضي العراقية وبتوجيه من قبل الحرس الثوري الايراني لكي تبعد الشك والاتهام المباشر لها واختارت أهدافا سعودية رغم أن انطلاق الطائرات المسيرة كانت عبر القواعد المتمركزة داخل العمق العراقي وبالقرب من المحافظات الجنوبية المحاذية للحدود السعودية .
4.اعطاء صورة ميدانية حقيقية  للإدارة الأمريكية الجديدة عن سيطرة وهيمنة المليشيات المسلحة والتي تحظى بدعم من الأجهزة الأمنية والإستخبارية الايرانية على الأوضاع داخل العراق وقدرتها على التحكم بالقرار السياسي والأمني الميداني وهي رسائل ذات مضامين جوهرية تتعلق بطبيعة الهيمنة والنفوذ الايراني في العراق .
5.سعى قيادة الحرس الثوري الايراني لتوسيع دائرة ( صناعة الإنفلات الأمني ) داخل العراق وتصعيد حالة المواجهة داخليا وخارجيا وتوسيع عملية انتشار السلاح المنفلت وسيطرة المليشيات والعصابات المسلحة للإستمرار بتنفيذ المشروع السياسي التوسعي الايراني في التمدد والنفوذ واستخدام الأرض العراقية منطلقا لباقي عواصم وأقطار الوطن العربي .
6.تمت عملية الاستهداف في وضح النهار وهي نادرا ما تحدث وأراد المشرفون على التنفيذ تحقيق غاية أمنية وهدف ميداني مرحلي عبر تصور استراتيجي مستقبلي وبيان قدرتهم على تحديد زمن وساعة ومكان الاستهداف وفي جميع الأوقات والأحوال ، وهنا نشير الى أن مديات الطائرة المسيرة المستخدمة كانت بعيدة عن أهدافها ووصلت صباحا بعد أن تم تهيئتها في ساعات الليل .
7.لم توقع العمليتان أية خسائر مادية وبشرية وكانتا قريبتان من أهدافهما فالغاية إيصال رسائل محددة واشارات معلومة أن باستطاعة هذه المليشيات والجهات الداعمة لها الوصول الى أهدافها المحددة في أي وقت وبالإمكانيات المتاحة واستهداف المصالح الأمريكية والعلاقات المشتركة لحلفائها وشركائها في المنطقة العربية وتحديدا المملكة العربية السعودية وأقطار الخليج العربي .
8.يسعى النظام الايراني الى لعب دور اقليمي أكثر حضورا ومواجهة لمصالح الولايات المتحدة الامريكية وارباك الوضع الاقليمي والدولي بدعمه ومساندته لتنفيذ مثل هذه العمليات عبر أدواته ووكلائه في المنطقة من المليشيات المسلحة خاصة وأنه يمتلك خزينا من الطائرات المسيرة وزود بها العديد من قيادات وعناصر المليشيات في اليمن والعراق .
9.بقي الموقف الرسمي العراقي صامتا دون أي بيان أو توضيح للمعلومات التي تداولت وأشارت  وباعتراف المليشيات المنفذة عن استخدام الأراضي العراقية كمرتكزات وقواعد لإرسال الطائرات المسيرة للداخل السعودي واصرارها على الاستمرار بالمواجهة .
وبغية الحفاظ على الأمن الوطني والقومي للعراق ومنع عمليات الاستهداف عبر أراضيه والتمسك بعرى العلاقات الطيبة والأخوية مع بلدان الجوار على الأجهزة الأمنية والاستخبارية الميدانية والحكومة العراقية مراعاة الاجراءات التالية:
أولا: متابعة حركة ونشاط المليشيات المسلحة وتحديد أماكن تواجدها وتمركز قواعد الانطلاق للصواريخ الفعالة الموجهة والطائرات المسيرة واستهدافها والقائمين عليها
ثانيا :تنشيط فعالية الجهد الاستخباري واستقصاء المعلومات الدقيقة الميدانية من نوايا وأهداف هذه العناصر والتصدي لها واستخدام جميع الوسائل والأساليب لردعها وإيقافها عن أعمالها التي تهدد أمن وسلامة المواطن العراقي .
ثالثا:مراقبة الحدود العراقية -السعودية عبر شبكة من الاتصالات وابراج المراقبة والكاميرات الحرارية وطائرات الاستطلاع الجوي وبأوقات معينة ومحددة للكشف عن حركة الطائرات المسيرة وأماكن قواعدها وإنطلاقها .
رابعا : تكثيف التعاون المشترك مع قيادة التحالف الدولي لمواجهة الصواريخ المستخدمة والطائرات المسيرة بصيغة التعاون السريع واثبات الوجود الميداني والسيطرة الكاملة على إحداثيات ووقائع العمليات المنفذة ، لأن من أهداف هذه المليشيات والقائمين عليها استهداف قواعد وأماكن وحركة التحالف الدولي المتواجدين على الأرض العراقية .
خامسا : العمل بصيغة ( المراقبة والردع ) والتنفيذ المباشر والتصدي الحازم وعدم التساهل مع دور المليشيات التي قد تتمادى أكثر في استخدام الأراضي العراقية وعدم اغفال التوجهات والتعليمات التي تؤكد عليها قيادة الحرس الثوري الايراني باستمرار تنفيذ العمليات لإرغام الادارة الامريكية على رفع العقوبات المفروضة على ايران أو التخفيف منها .
تستمر المحاولات الايرانية عبر أدواتها ووكلائها في تنفيذ العديد من عمليات المواجهة غير المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية وفي ميادين عديدة وعبر أساليب وابتكارات متنوعة وبطرق وأدوات مختلفة وتسخير جميع امكانيات أجهزتها الاستخبارية والامنية وتوجيهات فيلق القدس والحرس الثوري الايراني للسعي نحو تحقيق الغاية الرئيسة والهدف المنشود في تعزيز عملية الضغط والمواجهة لإعادة مفاوضات التسليح النووي والصواريخ الباليستية والبرنامج الايراني وفق الأهواء والمتطلبات الايرانية.

وحدة الدراسات العراقية