روسيا وامريكا المصالح الاقتصادية في سوريا بين مد وجزر

روسيا وامريكا المصالح الاقتصادية في سوريا بين مد وجزر

الباحثة شذى خليل*

يؤكد مراقبون أنَّ الصراع الدولي بسبب تضارب المصالح الروسية والأمريكية تتجدّد بصورة تختلف بين فترة وأخرى، فهي حرب المصلحة والإيديولوجية، وإنَّ الموقف الروسي من الثورات العربيّة لم يكن محطّ اهتمام واسع النطاق أو مثيرًا للجدل إلاَّ في الحالة السورية.
فقد انطلقت روسيا من رؤية تُميّز بين اهتمام قيام النظام السوري بإصلاحات فعلية، وبين الحيلولة دون التدخّل الغربي وحتى العربي في سوريا، والتي سيكون لها تداعيات كارثية ليس فقط على وحدة الكيان السوري، وإنّما على استقرار المنطقة وأمنها.
إنّ تطوّر الموقف الروسي حيال بُؤر التوتر والأزمات الدوليّة سيتفاوت من منطقة إلى أخرى وفق الظروف “والحساسيات” والمصالح، فالنزاع الأميركي-الروسي الذي تفاقم مؤخرًا يُفيد دولاً ومنظمات محسوبة على “خط التشّدّد” في المنطقة والعالم، وإنَّ فُرص الأطراف المناوئة لسياسة واشنطن في الحصول على دعم دولي وحماية دوليّة باتت أفضل من قبل.
اصبحت سوريا حلبة صراع للقطبين الروسي والأميركي، ستتضرّر منها المنطقة العربيّة بأسرها، بما في ذلك جيران سوريا في كل الاتجاهات، فالمثل الإنكليزي يقول: “عندما تتصارع الفيلة يكون العشب أكبر الضحايا.
When elephants fight, it is the grass that suffers?
فالأزمة السورية، ومع غياب الحلول والمبادرات العربية بأخذ التدابير والمباحثات وتهدئة الوضع سيكون الثمن غاليًا (على الدول العربية) في المستقبل سيتم تفتيت كياناتها وأنظمتها وانتهاك سيادتها لتُدرك تمامًا حقيقة الأطماع الدوليّة، وأهدافها الإستراتيجيّة ومصالحها اللامحدودة؟
روسيا قبل نحو خمسة وستين عاماً (الاتحاد السوفياتي) كانت تترقب أية فرصة في الدخول للشرق الأوسط ولم تتردد، فوجود روسيا اليوم على الأراضي السورية وسعيها لتثبيت وجودها من اجل تحقيق اهدافها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية ؛ وتعمل أيضا بالتنسيق مع الولايات المتحدة في أنشطة كثيرة، بعضها معقّد ( تجاذبات واختلافات )، في سوريا والعراق وإيران وغيرها ومن هذه الأهداف والاستراتيجيات . ومن اهم اهداف روسيا في سوريا هي:
بعد الانظار عن غزو روسيا لأوكرانيا وانتزاع أو استرداد شبه جزيرة القرم، الموقع الأهم استراتيجياً من مواقع ومصالح أخرى.
كان سباق بيع السلاح قد بدأ في الشرق الأوسط بزبائن لديهم استعداد لدفع مبالغ لم يحلم بها قادة الاتحاد السوفياتي. نذكر كيف كان القادة السوفيات يعرضون تسهيلات باعتبار أن هدفهم الرئيس إقامة علاقات استراتيجية وعقائدية وليس الحصول على عوائد مادية، الأمر الذي لا يخفيه الرئيس بوتين من وراء اشتراك بلاده في سباق التسليح إلى جانب تحقيق مزايا استراتيجية.
تولدت لدى روسيا رغبة قوية في التنسيق مع دول الخليج في أنشطة متعلقة بالنفط، إنتاجاً وتسعيراً وصناعةً وتسويقاً، وخلق مصلحة لدول الخليج في تعميق وتنويع التعاون بينهما.
كان لا بد والفرصة متاحة أن تستأصل روسيا الجذور القوقازية للإرهاب الإسلاموي التي امتدت إلى سوريا واستقرت هناك. وبالفعل حقق التدخل العسكري الروسي هذا الهدف.
حلف الناتو سيصبح ضعيفا عندما تخترق صفوفه الخلفية في الشرق الأوسط، وبخاصة في تركيا، حيث صارت قاعدة «إنجرليك» شبه محاصرة بقواعد روسية في شمال سوريا وعلى شواطئها.
يلمَّح أصدقاء أميركيون إلى أن ما يحدث أمامنا في سوريا لا يخرج عن كونه جزءاً من عملية محسوبة جيداً لتسليم وتسلم «وضع هيمنة» بين دولتين عظمتين، دولة تنسحب ودولة أتت لتحل محلها. عملية يمكن أن توصف بأنها تمثل حالة نادرة جرى خلالها نقل للهيمنة بوسائل سلمية بين دولتين متنافستين عسكرياً وسياسياً. النموذج الوحيد الآخر لهذه الحالة النادرة، وإنْ اختلف في كثير من مواصفاته عن هذه التجربة الروسية الأميركية في سوريا، تمثله تجربة نقل الهيمنة الدولية من بريطانيا العظمى إلى الولايات المتحدة خلال القرن العشرين.
يعد وجود روسيا البحري على الساحل المتوسطي لسورية من اهم المصالح الاقتصادية الروسية, ودعمها الدبلوماسي والعسكري لبشار الأسد على التوالي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (UNSC) وفي القتال ضد المعارضة السوريَّة يهدف إلى حماية أصولها العسكرية في ميناء “طرطوس” بالقرب من “محطة النفط لخط أنابيب باكو – تفليس – جيهان من حيث يتم شحن كميَّات ضخمة من النفط إلى أوروبا الغربية, حيث يشير هذا إلى رغبة روسيا بالتأثير على الطاقة التصديريَّة من الشرق الأوسط إلى أوروبا في المستقبل, كما تعمل روسيا من خلال التدخُّل على منع الولايات المتَّحدة من السيطرة على الغاز الطبيعي في سورية, فهناك تعارض للمصالح بين الدولتين الكبيرتين في سورية, حيث عملت الولايات المتَّحدة من أجل الإطاحة بالحكومة السوريَّة, وشكَّلت كيانا كرديا, وروسيا تعتبر الغاز أهميَّة استراتيجيَّة واقتصاديَّة لها, فهي المورد الوحيد للغاز الطبيعي لأوروبا, وبالتالي يعمل كلا الجانبين على الاستفادة من المخزون الغازي السوري، كما تلعب الولايات المتَّحدة في هذا المضمار في التأثير على الخط الثاني البديل المخطط له مع قطر, وبالتالي فإن التدخل العسكري الروسي في سورية لتدارك أي تدخل امريكي ضدها.
اما الجانب الأمني يريد بوتين أن تظل روسيا قوة لا غنى عنها في الشرق الأوسط، من أجل الاستمرار بالتأثير على صنع القرار للمنطقة بأكملها، مثل هذا يخدم مصالح روسيا, حيث ترى روسيا أنَّ الحروب في الشرق الأوسط, تشكل تهديدا لهذه المصالح الوطنيَّة لروسيا, فكان على روسيا التدخُّل في الحرب السوريَّة, لمنع القوى المعادية لروسيا, من الاستيلاء على السلطة, لأن القيام بذلك من شأنه أن يعرض المصالح الروسية للخطر.
اما بالنسبة للعلاقات الروسية-الأميركية في القرن الحادي والعشرين، شهدت العلاقات توجهًا جديدًا نتيجة التحوّل الذي طرأ على نوعية القيادة في كلا الطرفين، بالإضافة إلى رواسب الحرب الباردة وتداعياتها التي أثرت في نظرة البلدين أحدهما إلى الآخر، ومن الواضح بأن توجهات الطرفين واختلاف المصالح، الأمر الذي دفع أطرافًا أخرى إلى الاستفادة من هذا الشكل في العلاقة، وقد تكون إيران ربما من أبرز المستفيدين إذ أدّت الحاجة الروسية إلى ممارسة الضغط من قبل روسيا إلى توسيع تعاونها مع إيران في برنامجها النووي.
انَّ المصالح الإستراتيجيّة لكل من الولايات المتحدة وروسيا تتقاطع في بعض المجالات، وتختلف في مجالات أخرى، لكن القاسم المشترك بينهما أنَّ القوتين حريصتان جدًّا على أن يكون لهما نفوذ قوي في هذه الدولة، ذات الموقع المميّز والإستراتيجي، بهدف تعزيز مركزيهما الإقليميين، وتحويل موازين القوى لصالح كل منهما، ولكي تثبت أمريكا وجودها في سوريا قامت بتشكيل قانون قيصر.
قانون قيصر الأمريكي الذي شكل ضربة جديدة وقوية للآمال الروسية في تحقيق انتعاش اقتصادي في سوريا بعد حالة التقدم الميداني التي حققها النظام بمساعدة من موسكو وطهران.
وكان الرئيس الأمريكي سمى القانون نسبة إلى ضابط سوري منشق قام بتسريب آلاف الصور لمعتقلين قتلوا تحت التعذيب في سجون النظام السوري، الأمر الذي شكل صدمة للعالم، ومع ذلك لم يتم اتخاذ خطوات عملية ضد النظام.
فالقانون يفرض عقوبات اقتصادية على كل شخص أو شركة يثبت تعامله أو تعاملها مع النظام في مجالات البترول والبناء والمجالات العسكرية.
وهذا يعني أن الشركات الروسية العاملة في سوريا، سوف تنال حظها من تلك العقوبات، مما سيزيد الضغط الاقتصادي على روسيا التي تواجه أساساً عقوبات أوربية وأمريكية بسبب دعمها للانفصاليين في أوكرانيا.
تعد سوريا من اهم دول الشرق الأوسط لروسيا، وحجر الزاوية للأمن فيها، وبالتالي فإنَّ أية زعزعة لاستقرارها سيؤدي إلى عواقب كبيرة وفوضى تمتّد إلى المنطقة بأسرها وسيشكّل تهديدًا حقيقيًّا للأمن الإقليمي.
اتجهت روسيا مؤخرًا إلى تقديم نفسها كبديل، أو منافس موازٍ للولايات المتحدة في المنطقة، سواء من حيث رؤيتها لمستقبل المنطقة، أو للدور السياسي للجماعات الإسلاميّة التي سارعت واشنطن إلى دعمها، وهو ما يعني عمليًا أنَّ هناك اختلافات بين الرؤيتين الأميركية والروسية للمنطقة انطلاقًا من مصالحهما الإستراتيجيّة.
اما من جانب الاستثمارات، فقد حصلت روسيا على استثمارات وعقود طويلة الأجل في مجالي النفط والغاز من نظام يبدو متهالكا ومهددا بالسقوط في أية لحظة، بالإضافة إلى أن الجدوى الاقتصادية من تلك العقود تبقى غير مؤكدة، وخاصة أن معظم الحقول الغنية تقع في شرقي البلاد تحت الحماية الأمريكية.
وعقدت شركات روسية عدة اتفاقيات مع النظام للتنقيب واستخراج النفط والغاز من الحقول المتبقية في يد النظام، كذلك وقعت اتفاقيات لترميم وتطوير المنشآت النفطية، إضافة إلى عقود لتنفيذ مشاريع لتوليد الطاقة واستخراج الثروات المعدنية، ان جميع العقود تنتظر الاستقرار الأمني والسياسي لتبصر النور لكن متى؟
اما سيطرة روسيا الى جانب قاعدتها الجوية الرئيسة في مطار حميميم بريف اللاذقية، ومرفأ طرطوس على ساحل البحر المتوسط، تشمل السيطرة الروسية على عشرات المواقع العسكرية، مثل مجموعة ألوية الصواريخ في ريف دمشق، ومهبط المروحيات في ريف اللاذقية، واللواء 93 في ريف الرقة، بالإضافة طبعاً إلى النفوذ الكبير داخل بعض المؤسسات الأمنية والفرق التابعة لجيش النظام، خاصة الفرقة الثالثة والفرقة 25 المشكلة حديثاً، والفيلق الخامس كما هو معروف، بينما تحثّ موسكو الخطى مؤخراً لبسط السيطرة الكاملة على مطاري دير الزور والقامشلي.
إنَّ صراع المصالح في سوريا بين المعسكر الروسي من جهة والمعسكر الأميركي الغربي من جهة أخرى بات أكثر وضوحا، تجلّى عبر النشاط الدبلوماسي الكبير مؤخّرًا في مؤتمر “جنيف اثنين”، إن من حيث الشكل أو من حيث المضمون.
أما اقتصادياً، ومع وقوع المناطق التي تضم ثروات سوريا الباطنية والزراعية في شمال شرقي البلاد تحت سيطرة الولايات المتحدة، فإن الروس يكتفون على ما يبدو بالاستحواذ على حقول الفوسفات الغنية بريف تدمر، والاتجاه نحو القطاع السياحي وإعادة الإعمار، حيث تركز الشركات الروسية جهودها في هذين المجالين
ختاما مستقبل سوريا مرتبط بمتغيرات كثيرة من بينها الموقفان الروسي والأميركي، وقدرة أميركا على البقاء في سوريا في ظل التحديات الاقتصادية، وهناك مؤشرات كثيرة لانسحاب أميركا من سوريا لا تكاد تخفت لتعلو من جديد، وآخرها كان تصريحات رسمية أميركية بإمكانية الانسحاب، وأنهم ليسوا ضد التواجد الروسي في سوريا.

 

وحدة الدراسات الاقتصادية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية