بين السعودية .. وإيران

بين السعودية .. وإيران

سعودية-وايران

هل المملكة العربية السعودية، بصداقتها للولايات المتحدة والغرب، أهم لسلامة الشيعة في المنطقة أم إيران الإسلامية التي تصرخ ليل نهار «الموت لأمريكا»؟ أليس من الأجدى للشيعة كسب السعودية بدلا من الانحياز ضدها، والوقوع في المصيدة الطائفية وربما الانسحاق بين حجري الرحى .. إيران والسعودية؟!

قلة من الشيعة تدرك أن السعودية في الواقع أهم بكثير في هذا المجال من إيران، وان السعودية والدول الخليجية هي التي تضمن للشيعة هذا التسامح المذهبي وهذا المستوى المعيشي الرفيع .. لا مغامرات السياسة الإيرانية.. إن مستوى معيشة الشيعة ومصالحهم واستقرار حياتهم، وحتى أسعار عقاراتهم وتجارتهم وكل ما هو جدير بالاهتمام والدفاع، مرتبطة وبقوة باستمرار قوة دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية، مهما كانت التفاصيل بعد ذلك.

إن النفط وحده لا يحقق الاستقرار والثراء للكويت والمنطقة الخليجية، فلابد لنا من قوة تحقق الاستمرار وتردع جماعات التخريب والسياسات المغامرة التي نرى بعض نتائجها في لبنان وغزة وسورية والعراق.. وغيرها!

استقرار السعودية وقدرتها على منع زحف الإرهاب والاضطرابات على المنطقة ضرورة ملحة، وإذا انتكست السعودية فسندفع جميعا الثمن.. وبخاصة الشيعة.

استطعنا مثلا معايشة ظروف اضطرابات إيران وثورتها عام 1979 على امتداد أكثر من سنة من دون ان نتأثر كثيرا في الكويت، ولكن هذا مستبعد تماما لأي اضطرابات مماثلة في السعودية.

انقلبت إيران رأسا على عقب، وسقط النظام الملكي، وجاء نظام جديد، وعصفت بإيران قوى وقوانين جديدة، من دون أن يزعزع كل ذلك أوضاع الكويت والمنطقة الخليجية، وفيما تدهور الوضع المالي والاقتصادي لشيعة إيران وتدهورت عملتهم وتبخرت الثقة بجوانب كثيرة من حياتهم، بقي ثراء وممتلكات شيعة الخليج من دون أن تمس، وكان تأثير أزمة سوق المناخ في ثمانينيات القرن أشد من الثورة الإيرانية.

المنظومة الخليجية بشعوبها ودولها وطوائفها، وما تتمتع به من ثراء واستقرار، ناجم عن العقلانية السياسية وعدم الاندفاع خلف المغامرات السياسية، ومثل هذه البيئة هي التي تحمي الأقليات وتوفر لها فرص الاستفادة والازدهار.مثل هذا الاستقرار تدافع عنه دول الغرب في هذه المنطقة، ومن هنا التقاء المصالح.

الجمهورية الإيرانية من جانب آخر جارة كبرى، ودولة إقليمية ذات أهمية لا جدال فيها، وذات سواحل خليجية ممتدة، كما أن صداقتها مهمة جدا، للكويت خاصة.

ولكن نظام إيران «الجمهوري الاسلامي»، مختلف تماما عن أنظمة دول مجلس التعاون.

وهو اختلاف لا علاقة له بالمذهب أو الفقر والغنى بقدر ما هو قائم على التوجهات الثورية والراديكالية و«السرية» لهذا النظام، وتحركاته غير العادية، وسياساته الداخلية والخارجية، وتجربته الدينية العقائدية والتاريخية وغير ذلك، أن جيران إيران قلقون لا بسبب مذهب إيران الشيعي بل بسبب نظامها وشعاراتها.

إنه نظام خرج من رحم ثورة دامية استمر التحضير لها سنوات، ولايزال قادته في صراع بين الثورة والاستقرار وبين الحركة والدولة الثابتة، وقد عاش شيعة الخليج وشيعة ايران نفسها قرونا من دون ان يسمعوا بهيمنة «الولي الفقيه» وتمتعه بسلطات استثنائية شمولية، ولا سمعوا بقوة تسمى «الحرس الثوري» و«البسيج»، وغير ذلك.

وقد يكون النظام نابعا من تجربة الشعب الايراني، وله اتباعه وأنصاره ومن يرون أنه النظام الاسلامي المثالي، ولكنه يبقى نظاماً غير مفهوم كويتياً وخليجياً، وحتى على الصعيد الأكاديمي! من جانب آخر، لم يحقق النظام بعد كل هذه العقود والجهود، الرفاهية الاسلامية الموعودة والمأمولة، لشيعة ايران وسنتها وبقية قومياتها، رفاهية تضاهي مثلاً رُبع رفاهية شيعة الكويت وبقية دول مجلس التعاون، ولم يقترب نجاح النظام حتى من قفزات النجاح التركي، على الرغم من ان ثورة ايران اقدم من تحولات تركيا، وعلى الرغم من ان ايران تسبح فوق بحيرة بترولية وتنعم بقدرات سياحية وزراعية وصناعية ضخمة، ولها مكانة مذهبية متميزة، الى جانب مليارات الدولارات الخليجية والدولية التي هي على أهبة الاستعداد لدخولها، ان استقر النظام على سياسة الاعتدال والأعراف الدولية، حتى متوسط دخل المواطن الايراني لايزال بالمقارنة شديد الانخفاض وفق الاحصائيات الدولية، والبطالة منتشرة، والعملة في غاية الضعف والتضخم، والتسيب يشمل كل مظاهر الحياة كما ظهر جلياً من خطابات السيد رئيس الجمهورية حسن روحاني، والرغبة في الهجرة والخروج من البلاد معروفة ومشاهدة.

وإذا خسرت السعودية معركتها، وهيمن التطرف والإرهاب والميليشيات على المنطقة، فقل للسلام والاستقرار والتسامح الطائفي والحياة الدستورية وباختصار كل شيء.. الوداع! لا مصلحة للشيعة في معاداة السعودية، ولا حل لمشاكلهم بتمجيد إيران، ولا في تقديم خدمات مجانية للنزاع الطائفي، ولا في إضفاء الطابع المذهبي على هذا الصراع.

قوى التعصب والتعبئة المذهبية التي تتلاعب بمصير ومصالح واستقرار شيعة المنطقة الخليجية، ستجلب لنا نفس الكوارث التي نزلت بمن قبلنا في أماكن كثيرة، تحت شعارات مثل «الموت لأمريكا» و«الموت لاسرائيل».. فلن يموت أحد غيرنا.. 

أفيقوا يا عقلاء المنطقة شيعة وسنة.. وتحركوا يرحمكم الله!

      خليل علي حيدر

صحيفة الوطن الكويتية