لم تكن هناك يوماً ما انتخابات خطيرة مثل هذه. فبعد أن شطب برامج الأحزاب الانتخابية وطمست الحدود الأيديولوجية، وحتى الشعارات التي كانت ذات يوم: “سيقسم القدس”، “سيجلب السلام”، “جيد لليهود” و”يفهم العرب”، أخلت هي الأخرى مكانها لموضوع واحد ووحيد يقف على جدول الأعمال: نتنياهو – نعم أم لا.
قد تستيقظ إسرائيل في اليوم التالي للانتخابات على حكومة ودولة لم ترغب فيهما على الإطلاق.
الآن، دولة كاملة منقسمة حول موضوع واحد، الذي هو شخص واحد. الجميع يتحدثون عنه. كل مستقبل الدولة يتوقف على سؤال: هل سيكون رئيس الحكومة القادم هو الرئيس الحالي. ليس مهماً من سيحل مكانه، وليس المهم إلى أين تذهب الدولة ومن أين جاءت، الأساس هو: هل معه أو بدونه؟ وإذا كانت هناك حاجة إلى مزيد من الأدلة على الظاهرة غير المعقولة التي تسمى بنيامين نتنياهو، فها هي الحقيقة أمامكم: دولة كاملة تنشغل به فقط. أعطوا لمؤيديه دولة كوارث وهو على رأسها، سيشتهونها. أعطوا لمعارضيه دولة كوابيس ولكن بدونه، سيتحمسون لها.
لذلك، سيكون هذا مقروناً بثمن باهظ. قد تستيقظ إسرائيل في اليوم التالي للانتخابات على حكومة ودولة لم ترغب فيهما على الإطلاق. لا أحد سيغفر في معسكر معارضي نتنياهو، الذي هو الآن الأغلبية، لمن يتجرأ على تخريب تشكيل حكومة الأحلام الوحيدة، حكومة لا يرأسها نتنياهو، حتى بثمن محو كل بقايا الهوية الفكرية. هذا لا يعتبر انتهازية، إذا شارك “ميرتس” في حكومة جدعون ساعر، مثلما أعلن في السابق، أو إذا جلس حزب العمل مع افيغدور ليبرمان أو يئير لبيد مع نفتالي بينيت. كل ذلك سيبرره الهدف. لأن حكومة ليست برئاسة نتنياهو لا يمكن أن تكون بدون اليمين، وربما بقيادته فقط، لذلك يتوقع أن تنتقل إلى أماكن قد لا يرغب معظم الإسرائيليين في الوصول إليها، كل ذلك من أجل الرضى والفرح برؤية نتنياهو مهزوماً في النهاية.
الإسرائيليون الذين يريدون حياة علمانية وحرة سيحصلون على محلات مغلقة في أيام السبت، مثلما يريد ساعر، ولن يكون بإمكانهم قول أي كلمة؛ هم في نهاية المطاف تحرروا من لعنة نتنياهو. الإسرائيليون الذين تعلموا في فترة الوباء بأن ليس مثل تدخل الحكومة العميق لضمان تقديم خدمة ناجعة للمواطن، وليس مثل دولة الرفاه لمساعدة شخص في زمن الضائقة، سيحصلون على رأسمالية متوحشة أكثر مما كان في السابق، خصخصة وخصخصة، وحتى على ليبرتارية، مثلما وعد بينيت. والإسرائيليون الذين تفطرت قلوبهم من المعاملة المشينة لطالبي اللجوء سيحصلون على حكومة ترحيل ومعاملة سيئة للاجئين الذين سيبقون هنا. والأمر الرئيسي هو أن نتنياهو لن يكون رئيسها. بالطبع، الإسرائيليون الذين يشعرون بعدم الرضى من استمرار الاحتلال سيحصلون على مزيد من عمليات الضم، واستئناف التنكيل بالفلسطينيين. وفي نهاية المطاف، دورة أخرى لسفك الدماء، مثلما يريد جميع رؤساء أحزاب اليمين. هذا ما سيحصل عليه معسكر معارضي نتنياهو كزيادة، إذا تعززت قوة ساعر وبينيت وليبرمان في إطار عملية “فقط ليس بيبي”.
وصلت السياسة الإسرائيلية إلى طريق مسدود. وهي تزيد انقطاعها عن قاعدتها الأصلية: الجمهور. العلاقة بين هذر السياسيين وما يشغل الإسرائيليين آخذة في الوهم. فقدت إسرائيل الاهتمام والأمل بالسياسة، وغسل دماغها وأصبحت تؤمن بأن السياسة: هل سيكون نتنياهو أو لا يكون. صورة نتنياهو في السجن هي الآن أمنية عامة أكبر حجماً من صورة احتفال التوقيع على اتفاق سلام مع سوريا، على سبيل المثال. الجمهور الذي سئم من السياسة ينشغل الآن بأموره الخاصة: كسب الرزق والأولاد والوظائف الشاغرة وسيارات الجيب ومراكز التسوق، وتظلل كورونا على كل ذلك.
قد يكون هذا وضعاً عادياً في ظل دولة سليمة، ولكن لا يمكن أن تدعي إسرائيل بأن الوضع طبيعي. لذلك، يعدّ الاشمئزاز من السياسة أمراً كارثياً. الحملة الهستيرية لإسقاط نتنياهو ساهمت في ذلك بدرجة معينة. وإذا كان إسقاط نتنياهو مظهر كل شيء، فما شأننا والسياسة الآن؟
بقلم: جدعون ليفي
القدش العبي