البيان الأمريكي الصادر عن البنتاغون يوحي بشكل واضح أن الضربة الأمريكية على مواقع ميليشيا «حزب الله» و»سيد الشهداء» عند الحدود السورية العراقية، كانت ضربة محدودة، ردا على استهداف قنصليتها في أربيل، وليست تحولا استراتيجيا في النهج الأمريكي ضد إيران وحلفائها في دمشق وبغداد.
ويؤكد المتحدث باسم البنتاغون كيربي هذه الخلاصة بقوله «إن الانتقام الأمريكي كان يهدف إلى معاقبة مرتكبي الهجوم الصاروخي، وليس لتصعيد الأعمال العدائية، لقد تصرفنا بطريقة متعمدة، تهدف إلى تهدئة الوضع العام في كل من شرق سوريا والعراق» وهذا ينسجم تماما مع الموقف الرسمي الأمريكي، الذي أعلنته الخارجية الأمريكية، عن نيتها العودة للمفاوضات حول الاتفاق النووي الإيراني مع الأوروبيين، على أساس اتفاقية 2015. ولعل تصريح الخارجية الأمريكية الأخير، يصب في دعم التصور بالتراجع عن سياسة العقوبات الأمريكية، التي لم تفلح بمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، إذ قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية قبل ساعات قليلة من الضربة الأمريكية «إن إيران ووكلاءها أصبحوا أكثر جرأة خلال السنوات الماضية، وسياسة الضغط القصوى لم تحقق أهدافها».
من اللافت أيضا حرص واشنطن على عدم إقحام الساحة العراقية في ردها العسكري، فالمفترض أن يكون الرد الأمريكي على الميليشيات العراقية الموالية لإيران في العراق لا سوريا، لأن هذه الميليشيات عراقية، والعملية التي نفذتها الميليشيات ضد القنصلية الأمريكية في أربيل، تمت على أراض عراقية، ومع ذلك فإن الأمريكيين، اختاروا الرد على الميليشيات العراقية في سوريا، تجنبا لإحراج حكومة الكاظمي، وابتعادا عن مزيد من التصعيد والتوتر داخل العراق، ففي المرة السابقة عندما وجهت واشنطن ضربة لإيران بقتل سليماني، أدت التطورات إلى توترات كبيرة بين الميليشيات العراقية الشيعية وحكومة الكاظمي، وقادت إلى تصويت البرلمان العراقي، على وجوب إخراج القوات الأمريكية من العراق، وهو ما اعتبر حينها هزيمة دبلوماسية لواشنطن في العراق، وهكذا فإن واشنطن ردت على طهران في العراق، وقتلت سليماني، ثم ردت على الميليشيات العراقية في سوريا وقتلت 17 عراقيا من عناصر الفصائل في البوكمال، وهذا يظهر الاختلاف بين إدارتي بايدن وترامب، في حجم التصعيد وطريقة الرد ومكانه وزمانه. وهذا ما يؤيده مورولي وهو مسؤول كبير سابق في سياسة الشرق الأوسط في البنتاغون، إذ قال في تصريح لصحيفة «نيويورك تايمز» إن الضربات المحدودة تهدف، على ما يبدو، للإشارة إلى أن استخدام إيران للميليشيات كوكلاء لن يسمح لها بتجنب المسؤولية عن مهاجمة الأمريكيين، لكنه يشير أيضا إلى أن وقت الهجوم ومكانه كانا مهمين أيضًا «قرار الضرب في سوريا بدلاً من العراق، كان لتجنب التسبب في مشاكل للحكومة العراقية، وهي شريك رئيسي في الجهود المستمرة ضد داعش، كان من الذكاء الضرب في سوريا وتجنب رد الفعل في العراق». عدة مسؤولين أمريكيين سابقين يعتقدون كذلك أن واشنطن لن تتجه نحو مزيد من التصعيد العسكري مع إيران ، سوى المتعلق بقواعد الرد على عمليات استهداف منشآتها في العراق، وهو ما تصر عليه القوى الموالية لإيران في العراق كأسلوب للضغط على الأمريكيين للانسحاب من العراق، الهدف الذي أعلنه الإيرانيون وحلفاؤهم بعد مقتل سليماني، ويقول مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ويلكرسون في تصريحات متلفزة لإحدى القنوات «إن عهد بايدن سيكون دبلوماسيا لا عسكريا».
الأمريكيون اختاروا الرد على الميليشيات العراقية في سوريا، تجنبا لإحراج حكومة الكاظمي
التقارير الواردة من واشنطن تشير إلى أن بايدن اختار «ردا مخففا» من بين عدة خيارات عرضت عليه من وزارة الدفاع الأمريكية، وهو ما يدعم توجه الإدارة الأمريكية نحو تخفيف التصعيد مع الإيرانيين، وصولا للعودة للاتفاق النووي معها، وهو المتوقع أن يتم خلال الشهور المقبلة، إن لم يقع حدث استثنائي، لا يبدو أن طهران ستقدم عليه، رغم إصرارها على تحقيق هدف الانسحاب الأمريكي من العراق، بمواصلة الضغط من خلال استهداف المنشآت الأمريكية في العراق، ولا يبدو أن الامريكيين يريدون أكثر من توفير أجواء هادئة لإكمال سحب الـ2500 جندي المتبقين في العراق، حتى لا يبدو الأمر وكأنه هزيمة لواشنطن، وسبق للإدارة الأمريكية أن أولت هذا العامل اهتماما، من ناحية حرصها على صورتها وهيبتها، وإن كانت تنوي الانسحاب فعلا فإنه يفضل أن يتم بعيدا عن تهديد وضغط عسكري قدر الإمكان، وهذا ما تذكره دراسة الجيش الأمريكي في العراق ومذكرات بول بريمر.
وائل عصام
القدس العربي