الناصرية توقد مجددا جذوة الانتفاضة العراقية

الناصرية توقد مجددا جذوة الانتفاضة العراقية

أسفر تصدّي قوات الأمن العراقية، الجمعة، بالرصاص الحيّ لمتظاهرين في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار بجنوب العراق عن مقتل ثلاثة من هؤلاء، لترتفع بذلك حصيلة نحو أسبوع من التظاهر والاحتجاج في المدينة إلى خمسة قتلى والعشرات من المصابين.

وحملت عودةُ الاضطرابات إلى شوارع الناصرية إحدى أكبرى معاقل انتفاضة أكتوبر 2019 في العراق، مؤشّرات على استئناف تلك الانتفاضة غير المسبوقة نظرا لعدم تسجيل أي تقدّم نحو تحقيق المطالب التي رُفعت خلالها والتي تدور في مجملها حول الإصلاح وتحسين الأوضاع المعيشية ومحاربة الفساد الحكومي المستشري على أوسع نطاق ومحاسبة قَتَلة المتظاهرين.

ويعكس الوضع في الناصرية المأزق الذي آلت إليه الأوضاع في العراق ككلّ بسبب استعصاء الإصلاح في ظل النظام نفسه القائم على المحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية بقيادة أحزاب دينية أظهرت التجربة العملية عدم قدرتها على قيادة الدولة.

ورغم أن الانتفاضة المذكورة أفضت إلى سقوط حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي ومجيء حكومة جديدة بقيادة مصطفى الكاظمي غير المحسوب ضمن معسكر الأحزاب والقوى السياسية التي حكمت العراق منذ 2003، إلاّ أنّ هامش التحرّك نحو الإصلاح المنشود بدا محدودا للغاية أمام الكاظمي وفريقه نظرا للأوضاع الاقتصادية والمالية بالغة التعقيد، ونظرا أيضا لوجود قوى نافذة من أحزاب فاسدة وميليشيات مسلّحة خارجة عن سيطرة الدولة لكنّها مؤثّرة في قراراتها وسياساتها.

وفي ظلّ هذا الوضع تستمر الهوّة في الاتساع بين رجل الشارع والسلطة وتتحوّل أحيانا إلى حالة من الصدام الدموي على غرار ما هو جار في الناصرية.

وأفاد مصدر طبي، الجمعة، بمقتل ثلاثة متظاهرين خلال الاحتجاجات في المدينة وسقوط 147 جريحا من المحتجّين والقوات الأمنية، بينهم عشرون مدنيا أصيبوا بالرصاص الحي.

حالة من التمرد في جنوب العراق برفض المسؤولين المحليين التابعين للقوى السياسية واختيار المحتجين لبدلاء عنهم.

وقالت مفوضية حقوق الإنسان العراقية المرتبطة بالبرلمان في بيان إنها رصدت “استخدام الرصاص الحي والغازات المسيلة للدموع والحجارة والآلات الحادة إضافة إلى حرق مبنى المحافظة وغلق جسري الزيتون والكرامة بالإطارات المحروقة، خلال احتجاجات الناصرية”.

وحذرت من أنّ “استمرار الانفلات الأمني وعدم معالجة المشاكل المتفاقمة وعدم قيام الحكومة والمؤسسة الأمنية بدورها في حفظ الأمن، ستؤدي بالنتيجة إلى الفوضى واستمرار سقوط عدد كبير من الضحايا”.

والجمعة هو اليوم الخامس على التوالي الذي شهدت فيه الناصرية احتجاجات تطالب بإقالة المحافظ ناظم الوائلي الذي يواجه اتهامات من المحتجين بالفساد وسوء الإدارة.

وفي تصريحات سابقة قال الوائلي الذي يرفض الاستقالة إنّه “يقف إلى جانب المحتجين ويرفض استخدام العنف ضدهم”، لكنه يؤكد أن قطع الطرق وتعطيل الحياة العامة لا يخدم المحافظة.

ودعت المفوضية رئيس الوزراء الكاظمي إلى “تولي الموقف الأمني في المحافظة واتخاذ الإجراءات العاجلة لإيقاف نزيف الدم وبسط الأمن وإيقاف الانفلات الأمني”. كما دعت الحكومة المحلية إلى “الاستجابة لمطالب المتظاهرين السلميين وحقن الدماء والحفاظ على المال العام والخاص”.

Thumbnail
وتعد محافظة ذي قار بؤرة نشطة للاحتجاجات الشعبية ويقطنها أكثر من مليوني نسمة، ويحتج الكثير من سكانها منذ سنوات على سوء الإدارة والخدمات العامة الأساسية وقلة فرص العمل.

ويشكّل سقوط المزيد من القتلى والجرحى في الاحتجاجات الشعبية بالعراق حرجا استثنائيا لحكومة الكاظمي الذي جاء حين تولّى رئاسة الحكومة خلفا لعبدالمهدي بوعود محاسبة قتلة المتظاهرين وإنصاف هؤلاء الضحايا وأسرهم.

ولا يقتصر قتل المحتجّين على القوات الأمنية وحدها، بل انخرطت في ذلك ميليشيات شيعية معنية بحماية النظام الذي تقوده أحزاب على صلة بتلك الميليشيات التي قامت أيضا بعمليات تصفية جسدية لعدد من قادة الحراك الاحتجاجي داخل أحيائهم السكنية وفي مواطن تنقّلهم ونشاطهم خارج ساحات التظاهر والاعتصام.

وحاولت الحكومة تهدئة الأوضاع في الناصرية بإيفادها، الخميس، وزير الداخلية عثمان الغانمي ورئيس جهاز الأمن الوطني عبدالغني الأسدي حيث اجتمعا مع زعماء عشائر ذي قار وممثلي المتظاهرين في غياب مسؤولي المحافظة.

وبينما تتشبّث قوى سياسية وأحزاب متنفّذة بتنصيب موالين لها في المحافظات العراقية لضمان التحكّم بالدورة الاقتصادية فيها وضبط الأوضاع الأمنية بما يتناسب مع مصالحها، بدأت تسود في محافظات جنوب البلاد حالة من “التمرّد” على المسؤولين المحلّيين المنصّبين من قبل تلك القوى والتوجّه إلى اختيار قيادات محلّية تفرزها ساحات التظاهر والاعتصام.

وتجسّد هذا التوجّه بشكل عملي في محافظة واسط جنوبي العراق حيث أعلن الحراك الشعبي، الخميس، عن تنصيب نبيل شمة محافظا للمدينة، خلفا للمحافظ محمد المياحي المتّهم بالفساد والمسؤولية عن قتل المتظاهرين.

صحيفة العرب