استطاعت المرأة المغاربية أن تكسر الصورة النمطية في مجال التفوق في اختصاصات الهندسة التي كانت حكرا على الرجال، حتى أن الكثير منهن أقبلن على دراسة التخصصات التقنية، أكثر من إقبال النساء على دراستها في ألمانيا. وتشير أحدث التقارير الدولية إلى أن أكبر نسبة للنساء المهندسات في العالم تتواجد في الدول العربية، ما يكسر الاعتقاد السائد بأن نساء الضفة الشمالية يشغلن أكبر نسبة في هذا المجال من نساء الضفة الجنوبية.
كشف أحدث تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو”، أن أكبر نسبة للنساء المهندسات في العالم تتواجد في الدول العربية، حيث جاءت الجزائر على رأس القائمة العالمية بنسبة 48.5 في المئة، فمصربنسبة 45.5 في المئة، ثم تونس بنسبة 44.2 في المئة، فسوريا بنسبة 43.9 في المئة، فعمان بنسبة 43.2 في المئة، فالمغرب بنسبة 42.2 في المئة.
وجاء في التقرير الذي حمل عنوان “السباق مع الزمن من أجل تنمية أذكى” بالتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي لـ”المرأة والفتاة في ميدان العلوم” الذي يصادف الـ11 من فبراير من كل عام، أن عدد النساء المهندسات ارتفع في الجزائر من 35 في المئة في 2005 إلى 47.1 في المئة في 2017، أما في مصر فقد ارتفع من 36 في المئة إلى 45.6 في المئة خلال نفس الفترة.
وانتقد تقرير منظمة اليونسكو انخفاض نسبة الخريجات من معاهد الهندسة في العالم، غير أنه كشف النقاب عن حقائق تكسر الصورة النمطية، التي تفيد بأن النساء في الضفة الشمالية يشغلن أكبر نسبة في هذا المجال مقارنة بنساء الجنوب.
كذلك تمّ تسجيل النسبة الأقل من المتوسط العالمي في صفوف النساء المهندسات بالدول المتقدمة على غرار أستراليا التي سجلت 23.2 في المئة فقط، كندا 19.7 في المئة، والولايات المتحدة 20.4 في المئة، وفرنسا 26.1 في المئة، اليابان 14.0 في المئة وسويسرا 16.1 في المئة.
جودة التعليم
وفي تونس تتلقى الفتيات تعليما جيدا لأنهن يتمتعن بنفس فرص ولوج المدارس مثل الرجال. ويعتمد نظام المدارس التونسية على النموذج الفرنسي. كما أن عدد خريجات المدارس الثانوية الحاصلات على شهادة بتقدير جيد جدا مرتفع. وقال أندرياس رينيكه السفير الألماني في تونس، “إن الكثير منهن أقبلن على دراسة التخصصات التقنية، حتى أكثر من إقبال النساء على دراستها في ألمانيا”.
وتعمل المهندسات التونسيات في مكاتب الدراسات وفي المصانع وكافة الأشغال، أما في ما يتعلق بالراتب الذي يظل هاجسا في العديد من الدول، فإن المهندسة التونسية لا تعاني فجوات لصالح الرجل على حساب المرأة وإنما عادة ما يتساويان عند بداية الانتداب،
وتظل الإنتاجية ومدى نفع المهندس للمؤسسة التي يعمل بها هما اللذان يصنعان الفارق بين المهندسين، بما يزيد من حدة المنافسة والرغبة في تطوير الذات كمهندس بغض النظر عن الأنوثة والذكورة.
وتمكنت التونسية نادية الكنزالي، من اقتحام مهنة قاصرة على الرجال، وكسر القاعدة التقليدية، لتصبح أول مهندسة صيانة طائرات في تونس، بحثا عن التفرد والاختلاف.
وتعد الكنزالي التي تبلغ من العمر 53 عاما، المرأة التونسية الوحيدة التي تمكنت من الالتحاق بهذه المهنة. وحصلت على شهادة البكالوريوس،والتحقت بالمدارس التحضيرية بفرنسا.واجتازت امتحان العبور من المدرسة الوطنية للطيران المدني الفرنسي، وانتقلت إلى تولوز، وحصلت على دبلوم الهندسة في تقنيات الطيران.
أكبر نسبة للنساء المهندسات في العالم توجد في الدول العربية، والجزائر تتصدر القائمة متقدمة على مصر وتونس
وخيّرت الكنزالي بعد ست سنوات من العمل في مجال الصيانة، الانتقال إلى تخصص جديد، وهو دراسة صلوحية الطائرات، والتحقت بالعمل مع كبرى الشركات الفرنسية العالمية، وكانت مهمتها دراسة الطائرة تقنيا، وتقييم مدى مطابقتها للقانون العالمي.
وعينت عام 2010 من قبل المنظمة العالمية للطيران المدني التابعة للأمم المتحدة كمهندسة أولى ومديرة مشروع في دول الخليج.
كما اقتحمت نساء تونس مجال تحلية المياه، ومنهن نورا فريعة، التي ترعى محطة لتحلية المياه في جزيرة جربة السياحية. ودرست فريعة علوم الكمبيوتر الصناعية، وتعمل لدى الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه التي تعرف أيضا باسم الصوناد منذ 12 عاما. وعن عملها يقول رئيسها مصباح هلالي “لولاها لما كانت هناك مياه في جنوب تونس”. وتقوم السيدة البالغة من العمر 37 عاما بتنسيق أعمال التشغيل والصيانة للمحطة، التي بدأ تشغيلها في منتصف عام 2018.
ومنذ ذلك الحين، تحسن الوضع المتردي لمياه الشرب في الجزيرة السياحية بشكل كبير. وهي مهمة ذات مسؤولية عالية، ليس من الناحية التقنية فقط. وبفضل محطة تحلية المياه، استقرت الظروف المعيشية لسكان جربة، الذين عانوا في السابق بسبب مشاركتهم المياه القليلة مع العديد من السياح في الفنادق العديدة بالجزيرة. ومن الناحية التقنية، قالت المهندسة إن عملية تحلية المياه تتغير ظروفها اعتمادا على حركة الأمواج ودرجة حرارة الماء. ولذلك، ينبغي عليها باستمرار فحص المعايير المختلفة لتحلية المياه وتعديلها.
وأشار الدكتور الطيب الطويلي الباحث والمختص التونسي في علم الاجتماع، إلى أن المرأة التونسية التي منحتها الدولة الوطنية مكانتها عبر إجبارية التعليم وإدماجها في المنظومة التعليمية والشغلية على قدم المساواة مع الرجل على مستوى التشغيلية والتأجير، دخلت شتى القطاعات مثل الهندسة التي لا تستقطب في بعض المجتمعات الأوروبية عددا كبيرا من الإناث، باعتبار رؤيتهن للهندسة على أنها اختصاص تقني صعب يختص به الرجال، ولا يتواءم مع طبيعة الأعمال الأنثوية مثل السكرتارية أو المضيفة أو موظفة بنك أو متجر.
وفي تعليقه على الأرقام الصادرة عن منظمة اليونسكو، قال الطويلي لـ”العرب”، “تشير هذه الإحصائيات إلى كسر الصورة النمطية للمرأة المغاربية، التي تؤكد أنها تعاني تحت وطأة الهيمنة الذكورية والتمييز الجنسي ـوإن تكن بقيت لها بعض التمثلات والمظاهر الاجتماعيةـ فإن المرأة الشرقية أو على الأقل في دول المغرب العربي، تكسر هذه القيود باستمرار، وتعول على تفوقها العلمي ومقدرتها على المنافسة من أجل إيجاد مكان لها في أعمال حساسة ودقيقة”.
وقال كمال سحنون عميد المهندسين في تونس إن عدد المهندسين يبلغ 80 ألف مهندس، 70 في المئة منهم تقل أعمارهم عن 40 سنة وثلثهم من النساء، مشيرا إلى أنه ينضاف إلى العمادة كل سنة 8 آلاف مهندس، 45 في المئة منهم مهندسات.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن الهندسة كانت في تونس خلال فترتي السبعينات والثمانينات، حكرا على الذكور لأن أغلب اختصاصاتها كانت تنحصر في الميكانيك والهندسة المدنية والفلاحة.
وأكد سحنون على أن الاختصاصات الحديثة التي أدخلت إلى الهندسة مكنت النساء من التفوق فيها حيث لم تعد مقصورة على القوة الذكورية. ولفت إلى أن العديد من المهندسات يتقلدن مناصب حكومية مرموقة، مشيرا إلى أن تغيّر العقلية الذكورية في تونس شجع على دخول الفتيات إلى مجال الهندسة.
كما وضعت المنظمة الأممية اليونسكو المغرب، ضمن الدول التي تسجل نسبة أعلى من النساء الخريجات من كليات الهندسة مقارنة بدول متقدمة مثل فرنسا وأميركا وكندا.
وأشارت المنظمة، في تقرير حول العلوم سيصدر قريبا ويتضمن فصلا عن المساواة بين الجنسين في مجال العلوم، إلى أن نسبة النساء الخريجات من كليات الهندسة في المغرب وصلت إلى 42.2 في المئة سنة 2018.
وتشير الأرقام الخاصة بخريجات التعليم العالي حسب المجال إلى أن هذه النسبة تصل إلى 44.2 في المئة في مجال الفلاحة، و72.3 في المئة في مجال الصحة والخدمات الاجتماعية، و48.7 في المئة العلوم الطبيعية. وذكر التقرير أن نسبة المغربيات الحاصلات على دبلوم التعليم العالي في التكنولوجيا وعلوم التواصل تناهز 41.3 في المئة، فيما تصل في مجال العلوم الاجتماعية والصحافة إلى 55.8 في المئة، والقضايا الإدارية والقانون بـ48.7 في المئة، والفنون والعلوم الإنسانية بحوالي 47.9 في المئة.
وأشارت اليونسكو إلى “واقع عدم استفادة النساء الكاملة من فرص التوظيف المتاحة للخبراء الحاصلين على تعليم عال ويتمتعون بمهارات عالية، في المجالات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، حيث تبلغ نسبة النساء واحدة لكل خمسة مهنيين”.
كما ذكرت المنظمة أن النساء اللواتي أسسن شركات ناشئة ما زلن يعانين من أجل الحصول على التمويل، وما زلن لا يحظين بالتمثيل الكافي في الشركات التكنولوجية الكبيرة، سواء في مواقع القيادة أو في الوظائف التقنية، كما أن النساء معرضات أكثر من الرجال لترك مجال التكنولوجيا بسبب ضعف الآفاق المهنية كدافع رئيسي لهذا القرار.
وأكدت المنظمة، على أن تكون النساء جزءا من الاقتصاد الرقمي من أجل منع الثورة الصناعية الرابعة من الاستمرار في تكريس التحيّز “الجنسي”. ومع استمرار زيادة تأثير الذكاء الاصطناعي في أولويات الشركات، فإنّ عدم حصول النساء على التمثيل الكافي في مجال البحوث والتطوير يرجّح تجاهل احتياجاتهنّ وآرائهنّ عند تصميم المنتجات التي تؤثّر في حياتنا اليومية مثل تطبيقات الهواتف الذكية.
وعموما تميل المسيرة المهنية للنساء إلى أن تكون أقصر وأقل أجرا، وغالبا ما يجري تجاهلهن عند الترقية، وعادة ما تحصل الباحثات على منح ذات قيمة أقل من تلك التي يحصل عليها أقرانهن من الرجال.
وعلى الرغم من أن نسبة الباحثات تبلغ 33.3 في المئة من مجمل الباحثين، إلا أن 12 في المئة فقط من أعضاء الأكاديميات الوطنية للعلوم هن من النساء.
وحذر أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس بالقاهرة إبراهيم مجدي حسين، من عدم تمكين المرأة خاصة في مجالات هامة يمكن الاستفادة من طاقتها فيها، ورأى أن عزوف أصحاب الشركات الخاصة عن تشغيل المهندسة يفقد هذه الشركات طاقة بشرية هائلة، خاصة وأن المرأة دائما ما تبحث عن فرصة سانحة، وإذا ما حصلت عليها تبذل قصارى جهدها لإثبات ذاتها وقد تتفوق على الرجال في بعض الأحيان.
تفوّق المغاربيات في مجال الهندسة يكسر الصورة النمطية، التي تفيد بأن النساء في الضفة الشمالية يشغلن أكبر نسبة في هذا المجال مقارنة بنساء الجنوب
كما نبّه من عزلة المهندسة الاجتماعية والنفسية، نظرا لأن الصورة الذهنية الراسخة في الضمير الشعبي هي أن الهندسة مهنة الرجال، وكليات الهندسة للآسف تعكس صورة هذا الفهم، إذ نجد فتاة واحدة مقارنة بالشباب في أقسام العمارة والمدني والبترول، إذ تتجه الفتيات إلى أقسام مثل الديكور والبرمجة والحاسبات، تجنبا للتعامل المباشر مع العمال والصناع مما يعرضها لكم هائل من المشكلات.
وأظهرت دراسة أميركية حديثة أن المرأة ما زالت تواجه الكثير من التحديات والصعوبات خلال عملها في مجال الهندسة بكافة فروعها، وبصفة خاصة المجالات التي تحتاج للعمل الميداني، وأن هذا المجال لا يزال حكرا على الرجال الذين يهيمنون عليه بشكل شبه كلي، كما انتقدت الدراسة التمييز ضد المرأة في مجال هندسة العمارة الذي تعاني فيه النساء من عدة صعوبات منها جدول العمل غير المرن، وساعات العمل الطويلة، والفجوة الكبيرة بين راتبها مقارنة بزميلها الرجل، وساعات العمل غير المناسبة للظروف والالتزامات الأسرية.
كما كشفت الدراسة التي أعدتها الجمعية الأميركية عن العقبات التي تواجه النساء في العمل الهندسي وأهمها ثقافة الشركات التي ترفض عمل المرأة وتعزف عن قبولها، وتحرم النساء في الكثير من الأحيان من الترقّي إلى مناصب أعلى، مع الحساسية الشديدة التي تواجهها عند إصدار أوامرها للرجال.
هذا ولا يزال السقف الزجاجي عائقا أمام المسيرة المهنية للنساء في الأوساط الأكاديمية، على الرغم من إحراز بعض التقدم في هذا المجال، حيث يشير معهد اليونسكو للإحصاء إلى تحقيق النساء تكافؤا عدديا 45-55 في المئة على الصعيد العالمي في درجتي الليسانس والماجستير، واقترابهنّ من تحقيقه في درجة الدكتوراه 44 في المئة.
ومن المقرر إصدار تقرير اليونسكو للعلوم “السباق مع الزمن من أجل التنمية بطريقة أفضل”، بأكمله في شهر أبريل المقبل، حيث سيركّز على موضوعَي أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 والثورة الصناعية الرابعة.
وتبقى النساء سبّاقات في العديد من المجالات منها مجال الهندسة. وقد سبق تاريخ مساهمة المرأة في مجالات الهندسة تطور مهنة الهندسة كمهنة، فقبل أن تكون الهندسة مجالا مخصصا سعت بعض النساء ليتم الاعتراف بهن كمخترعات، مثل هيباتيا في الأسكندرية في الفترة بين عام 350 أو 370 حتى 415 بعد الميلاد والتي لها الفضل في اختراع مقياس كثافة السائل أو الهيدروميتر، وكانت النساء اللاتي مارسن العمل الهندسة في القرن التاسع عشر، عادة ما يحصلن على تدريب مهني في مادتي الرياضيات أو العلوم.
كما كانت أدا لوفلايس، أول مبرمج كمبيوتر في التاريخ حيث طورت برامج لآلة تشارلز باباج التحليلية. ووضعت القواعد الأساسية للغات البرمجة الحديثة، وقد كرمت بإطلاق اسمها على لغة “أدا”، وقد عاشت آدا في الفترة بين 1815 و1852 ميلاديا، وقد تعلمت الرياضيات بنفسها قبل أن تبدأ في الاشتراك مع بابيج في تصميم المحرك التحليلي، والذي جعل لها الفضل في تصميم أول برنامج كمبيوتري في التاريخ. كما درست المهندسة والمخترعة البريطانية “هرثا ماركس أيرتون 1854-1923، الرياضيات في جامعة كامبريدج في فترة الثمانينات من القرن التاسع عشر.
العرب