رفع أمين عام «حزب الله» في لبنان، في خطابه الأخير، وتيرة التهديد لمجمل أطراف المنظومة اللبنانية، بقول ما معناه إن الأمور وصلت معه إلى حدّها الأخير («وصلت معي لهون» باللهجة اللبنانية) وبالإشارة إلى إمكانية استخدام العنف ضد مناوئيه بالحديث عن أن الحرب «لا تحتاج إلى صواريخ بعيدة المدى» وأن السلاح «متوفر لدى جميع اللبنانيين» كما لم يوفّر التهديد لا الجيش اللبناني ولا المحتجين في الشارع ولا الدستور اللبناني، الذي طالب بتغييره كي يحد من صلاحيات رئيس الوزراء المكلف، ولا الحكومة التي هدد بإفشالها خلال شهرين.
يرتبط الموضوع اللبناني، بشكل يصعب فصمه، أيضا، بالكارثة السورية المفتوحة، وتأثير طهران في دمشق والجغرافيا السورية معلوم أيضا، ومن تجلّياته الكثيرة، إضافة إلى النفوذ العسكري والأمني والسياسي على مركز القرار، الذي يتنافس مع النفوذ الروسيّ على وضع اليد على الاقتصاد السوري، ومن ذلك سيطرة إيران على آبار نفط في ريف البوكمال، وكذلك مناجم فوسفات في تدمر، وكذلك إجبارها دمشق على توقيع أربع اتفاقيات استراتيجية تشمل تشغيل شركة للحرس الثوري لتركيب مشغل ثالث للهاتف النقال واستثمار الفوسفات والاستحواذ على أراض صناعية وزراعية، وإقامة «ميناء نفطي» على المتوسط، وكذلك توقيع خط ائتمان لتمويل تصدير النفط الخام والمشتقات إلى سوريا.
أما في اليمن، استغلّ «أنصار الله» الحوثيون إعلان الإدارة الأمريكية الجديدة لجو بايدن رفعهم من قائمة الإرهاب والسماح ببدء تسليم المساعدات الإنسانية لليمن لبدء هجوم عنيف للاستيلاء على مدينة مأرب، واستكمال حصار تعز وقصفها، كما تحوّل قصفهم بالصواريخ واستخدامهم الطائرات المسيّرة ضد أهداف عسكرية ومدنية داخل المملكة العربية السعودية إلى عمل يومي روتيني، وهو ما أثّر على صناعة النفط والحركة الجويّة وقطاعات اقتصادية وعسكرية في السعودية.
تمتلك طهران في العراق أيضا وضعا استراتيجيا فهي تعتبره مجالا حيويّا إيرانيا، وإضافة إلى وجود فيلق الحرس الثوري، وشبكة الاستخبارات الواسعة، فإن لديها نفوذا كبيرا على مجمل المنظومة السياسية، بشكل يحقق أهدافها في السيطرة على البلد، وفي الحيلولة دون ظهور نظام سياسي عراقي جديد لا يكون تابعا لها.
كشفت وكالة «أسوشيتدبرس» أمس، نقلا عن اثنين من كبار مسؤولي المخابرات الأمريكية، أن اتصالات للحرس الثوري الإيراني تم اعتراضها في كانون الثاني/يناير الماضي تبحث ضرب قاعدة «فورت ماكنير» قرب واشنطن واغتيال نائب رئيس أركان الجيش الأمريكي الجنرال جوزيف مارتن، الذي يتخذ من القاعدة مقرا رسميا له، كما رصدت المخابرات الأمريكية خططا لمراقبة قاعدة عسكرية أمريكية أخرى.
رغم أن القيادة الإيرانية، استنكفت عن القيام بهجوم كبير بهذا المستوى، فإن تفكير قادة «الحرس الثوري» بالانتقام لمقتل الجنرال قاسم سليماني في الذكرى السنوية الأولى لاغتياله، وقياسه على الهجوم الانتحاري على المدمرة «يو إس إس كول» عام 2000 في اليمن، فمن الممكن اعتبار هذا التخطيط نابعا من إحساس بالندّية مع أمريكا وبالقوة التي تسمح بالتخطيط لعمليات كبرى من هذا النوع، غير أن ما يشغل البال، في هذا السياق، هو حال الجغرافيا العربية الواسعة التي يمتد نفوذ إيران فوقها، والتي تستخدم تفاصيلها الشائكة ضمن أوراق التفاوض الإيرانية مع أمريكا.
القدس العربي