اعترف وزير الخارجية المنتهية ولايته، وليام هيج، هذا الأسبوع أن “الشركات البريطانية في ثمانينيات القرن الماضي، قد قامت ببيع مواد كيميائية للحكومة السورية، كانت دمشق تستخدمها لتصنيع غاز السارين القاتل”.
ولكن، حتى في وقت متأخر من عام 2012، كانت الشركات البريطانية لا تزال تخطط لتوقيع عقود لتصدير المواد الكيميائية ذات الاستخدام المزدوج مع سوريا، وهي المواد الكيميائية التي يمكن أن تكون لها تطبيقات مدنية أو عسكرية. فالأدوية والمبيدات تحتوي على جميع العوامل التي يمكن أيضًا أن تستخدم في تصنيع الأسلحة.
الشركات الألمانية والهندية أيضًا باعت بشكل قانوني المواد الكيميائية ذات الاستخدام المزدوج لسوريا في السنوات الأخيرة.
وتعقّد المواد الكيميائية ذات الاستخدام المزدوج من جهود الحكومات للحد من انتشار الأسلحة الكيميائية. ففي وقت مبكر من تسعينيات القرن الماضي، حاولت الولايات المتحدة منع شحن المنتجات ذات الاستخدام المزدوج إلى إيران وليبيا وسوريا. وكان على واشنطن التعامل مع عدة شركات في جنوب شرق آسيا، ومع سلطات الموانئ في الشرق الأوسط.
إلا أن الشركات جادلت بأن معايير الولايات المتحدة حول المواد ذات الاستخدام المزدوج لا تنطبق عليهم؛ نظرًا لأنها ليست شركات أمريكية. وقال ممثلو بعض الشركات إن “واشنطن لا يمكنها الاعتراض ما لم تتمكن من إثبات أن عملاء تلك الشركات قد أساؤوا بالفعل استخدام تلك المواد”.
في حين أن آليات الرقابة قد تحسنت منذ تشكيل “منظمة حظر الأسلحة الكيميائية”، غير أن المنظمة لا تختص بالمنتجات ذات الاستخدام المزدوج.
في عام 1991، سجل تقرير للأمم المتحدة أعوامًا من مبيعات المواد الكيميائية ذات الاستخدام المزدوج إلى العراق تقدر بمئات الآلاف من الدولارات. ولحسن حظ الشركات المعنية، لم تستطع الأمم المتحدة الربط بين هذه المبيعات وبين تصنيع غاز الأعصاب في العراق.
في أوائل الثمانينيات، باعت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة المعدات ذات الاستخدام المزدوج إلى العراق مقابل مئات الملايين من الدولارات. ولكن بالنسبة لبغداد، كان أهم الموردين الأجانب لتلك المواد هم الألمان.
وبواسطة شراء المواد بكميات صغيرة من خلال شبكة المشتريات العالمية السرية، استطاعت العراق التحايل على قوانين عدم الانتشار. وبرغم أن ألمانيا الغربية قد شددت ضوابط التصدير الكيميائية في عام 1984، ولكن الضرر كان قد وقع بالفعل. ففي عام 1992، أثبتت الأمم المتحدة استخدام منتجات من 17 شركة ألمانية مختلفة في مجمع الأسلحة الكيميائية “المثنى” في العراق.
وبصرف النظر عن العراق، كان الموردون الألمان نشطين في ليبيا وسوريا أيضًا. فقد كانت الشركات الألمانية الغربية تتعامل معظمها في السلع والتكنولوجيا العالية. بينما كان الجيش الألماني الشرقي يقدم خدمات التدريب والتخطيط.
كما شاركت شركات في الولايات المتحدة وفرنسا والهند وبلجيكا وتشيكوسلوفاكيا وسويسرا وماليزيا وإيطاليا وسنغافورة والاتحاد السوفياتي، واليابان، والصين، وكوريا الشمالية، والألمانيتين، وتايلاند، وهولندا، والنمسا، والمملكة المتحدة في مبيعات المواد مزدوجة الاستخدام إلى العراق، وليبيا، وسوريا. وبرغم وصول مفتشي الأمم المتحدة إلى السجلات العراقية في أعقاب حرب الخليج عام 1991؛ إلا أن الأمم المتحدة لم تعلن هوية الشركات التي باعت تلك المواد للعراق، من أجل تجنب إحراج حكومات الدول الكبرى.
أنشأت سوريا برنامجها الكيميائي معتمدة على المساعدات العسكرية السوفييتية كرادع لإسرائيل. ومثلها مثل العراق، تحولت سوريا إلى الشركات البريطانية والألمانية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. وبعد تشديد العقوبات الغربية، اتجهت سوريا لاستيراد تلك المنتجات من إيران والهند وكوريا الشمالية وروسيا.
في عام 2013، أنهى الرئيس السوري، بشار الأسد، اتفاق منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بإزالة البنية التحتية الكيميائية السورية. وحيث إن برنامج سوريا الكيميائي يعتمد على الواردات، فإن المنظمة ركزت عملها على قطع الواردات لضمان الامتثال السوري. فكان كل ما تحتاج دمشق لفعله لإعادة بناء المخزونات الكيميائية، هو العثور على بائع وبعض المهربين.
برغم أن البرنامج الكيميائي الليبي الصغير لم يحقق أبدًا الاكتفاء الذاتي ولا معدلات إنتاج عالية، لكنه أظهر إلى أي مدى سيذهب بعض الموردين مع عملائهم الدكتاتوريين.
فابتداء من عام 1984، عملت شركة “إمهاوسين كيمي” من خلال شركة “شل” الليبية الرسمية على التحايل على الرقابة على الصادرات. ولجأت الشركة التي كان مقرها ألمانيا الغربية، إلى بناء مصنع وهمي في هونغ كونغ لاستكمال التمثيلية.
شمل موردو إيمهاوسن كيمي، شركة سيمنز، وتوشيبا، وآي تي تي، الذين كانوا يعتقدون بأنهم يبيعون بضاعتهم لشركة مشروعة مقرها هونج كونج؛ إلا أن بضائعهم كانت تنتهي إلي مصانع سرية في ليبيا.
أغلقت السلطات الألمانية إيمهاوسن كيمي في عام 1990، ولكن ليبيا استمرت في إنتاج كميات صغيرة من الأسلحة الكيميائية حتى عام 2003، عندما قررت البلاد طوعًا تسليم مخزونها.
قد لا يكون حجم التعاون بين تلك الشركات وهذه الأنظمة معروفًا، وقد حاول عضو في البرلمان الألماني اقتراح تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول هذا الأمر؛ إلا أن جميع ممثلي حزب الخضر صوتوا ضد الاقتراح.
ذا وييك – التقرير
الكلمات الدلالية: العراق، سوريا،الاسلحة الكيميائية،روسيا،المساعدات العسكرية،حرب الخليج.
http://goo.gl/HfbOFw