ردا على سؤال صحافي من قناة «الجديد» التلفزيونية أخبر الرئيس اللبناني ميشال عون مواطنيه بقوله لزوجته إنه تمنّى لو أنه ورث بستان جدّه بدلا من أن يصبح رئيس جمهورية، لكنه وعد، في اللقاء الأخير هذا معه إنه سيسلم بلدا «أفضل من الذي استلمه» لكنه حذر من أن «الكلفة ستكون مرتفعة جدا»!
يصعب، على الأغلب، أن يتخيل اللبنانيون كارثة أكبر من التي يعيشونها حاليّا، وذلك بعد أن أنجزت الطبقة الحاكمة التي يرأسها عون عملية سطو كبرى على مكوّنات الدولة الاقتصادية مما أدى إلى تبخر مدخرات المواطنين وإفقار أغلبيتهم مع هبوط مريع في سعر الليرة التي كانت أقوى من الآن بكثير حتى في أسوأ أيام الحرب الأهلية، وختمت هذه الطبقة إنجازاتها بانفجار مرفأ بيروت، فيما يشرف الرئيس، بشكل شخصي، على منع تشكيل حكومة تعيد الثقة بالدولة اللبنانية أمام الجهات الدولية التي ترغب في المساعدة.
لإعطاء «لمحة» عن الكلفة المرتفعة التي يتوقعها، عاد الرئيس اللبناني إلى ذكرياته القديمة عن «حرب التحرير» التي خاضها عام 1989، متحدثا عن مواجهته «المنظومة كاملة ورعاتها الإقليميين والدوليين» كما ذكر بتوصيف البعض له عند عودته عام 2005 بـ«تسونامي» متفاخرا بأنه استطاع القضاء على جزء كبير من الإقطاع السياسي «وما بقي إلا كم واحد» وهذا كلام يعرف اللبنانيون أنه مرسل على عواهنه وهو يشبه كثيرا التفكير بالبلد كما لو كان فعلا «بستان» جدّه.
بفضل عون، وتحالفه مع «حزب الله» في الداخل، والنظام السوري في الخارج، ساءت أحوال لبنان ومنظومته السياسية والاقتصادية والاجتماعية. تراجعت السياسة لتحل الاغتيالات واحتلال قوّة الحزب العسكرية للشارع فارضة سلطتها على «المنظومة» بالتهديد الدائم بالحرب الأهلية، وبعد 15 سنة من التفاوض على دمج «المقاومة» في منظومة الدفاع اللبنانية ظلّ الاستقواء على الدولة وسلطاتها هو العامل الحاكم للعلاقة، وفاقم تدخل الحزب في الساحة السورية والتوسع الإيراني في ساحات عربية من اختلال المعادلة اللبنانية والإقليمية والعالمية، وهو ما ساهم انقلاب جزء من جمهور عون المسيحي عليه، بفعل الانهيار المالي الكبير للبلد، وانكشاف الأوهام السياسية بشكل متتال.
تبدّى هذا الانقلاب في تغيّر موقف البطريركية المارونيّة، وهو ما ظهر في عدة وقفات سياسية عبّر عنها فيديو مسرب كشف أمس وينتقد فيه البطريرك بشارة بطرس الراعي تدخلات الحزب في سوريا والعراق واليمن، ويعتبرها إجبارا للبنانيين على دخول حروب لا يريدونها واصفا مواقف الحزب بأنها ضد مصلحة الشعب اللبناني.
إضافة إلى مبالغات عون وفجاجة توصيفاته وتشبيهاته للوضع اللبناني، وعلى عادة غيره من الزعماء العرب، في تجاهل مسؤوليته الشخصية عن الكوارث التي تعيشها بلاده، وتحميلها للخصوم أو الضحايا، بحيث لم يجد أحدا يحمّله مسؤولية الانحدار الهائل في أوضاع البلاد السياسية والاقتصادية غير اللاجئين السوريين، معتبرا أن بلاده وصلت «مرحلة الإنهاك بسبب اللاجئين» وذلك بالتناظر مع انعقاد اجتماع دولي لتأمين أموال ومساعدات لهم، فبعد أن أغلقت سياسات عون، وحلفائه، أبواب المساعدات الدولية، لم يبق باب سوى المتاجرة باللاجئين والتحريض عليهم.
مقابل إخفاء وتجاهل مسؤولية نظام بشار الأسد، وشركائه اللبنانيين، عن حمام الدم المستمر في سوريا، والذي تسبب بهروب ملايين اللاجئين إلى لبنان وغيره، يكافئ نظام دمشق اللبنانيين و«منظومتهم» بمزيد من نهب الاقتصاد اللبناني عبر تهريب المحروقات والطحين، وقد اكتشف اللبنانيون بابا آخر للصوصية النظام السوري، عبر قضم حقوق لبنان النفطية بتلزيمه ما يقارب 750 كلم مربعا من المنطقة اللبنانية البحرية إلى شركة روسية.
ضمن هذا السياق، عسى ألا تكون «الكلفة المرتفعة» التي يريد عون من مواطنيه اللبنانيين أن يدفعوها نتيجة إدارة «البستان» هي الطريقة التي قادت سوريا نفسها إلى الخراب والدمار.
القدس العربي