داد – يمثل الهجوم على مواقع لقوات أميركية بمطار أربيل باعتماد طائرة مسيرة اختبارا ذكيا من إيران والميليشيات الحليفة لها في العراق لمدى استعداد الولايات المتحدة لتوسيع دائرة الرد على الهجمات التي تستهدفها في العراق، خاصة أنه استهدف منطقة آمنة وبعيدة عن صواريخ الميليشيات. كما أنه يمثل اختبارا للأكراد أنفسهم إن كانوا سيردون على الاستهداف أم سيكتفون بالتلويح بالرد.
وقال مسؤولون أكراد إن طائرة مسيرة ألقت متفجرات قرب قوات أميركية متمركزة في مطار أربيل بشمال العراق في وقت متأخر يوم الأربعاء، كما أسفر هجوم صاروخي آخر عن مقتل جندي تركي في قاعدة بعشيقة القريبة.
ورغم أنها المرة الأولى التي تستخدم فيها الميليشيات الموالية لإيران طائرة مسيرة لهجماتها في العراق فإن محللين وخبراء يعتقدون أن الهدف من وراء ذلك هو توجيه رسالة واضحة إلى واشنطن مفادها أنها قادرة على استهداف الوجود الأميركي في أي مكان في العراق، وأنها تستطيع تطوير وتنويع هجماتها بأسلوب لا تتوقعه الولايات المتحدة.
رحيم الكعبي: طهران تهدف إلى جعل إقليم كردستان ساحة صراع مفتوح بينها وبين واشنطن
ويعبر محللون عن اعتقادهم بأن إيران تريد أن تظهر للولايات المتحدة قدرتها على المناورة وعدم الخضوع للضغوط، وهي ترى في الضغط على الولايات المتحدة من خلال استهداف قواتها في العراق أولوية على مستوى تحسين وضعها في مفاوضات فيينا بشأن ملفها النووي.
ويتساءل مراقبون كيف ستتصرف الولايات المتحدة، هل توسع دائرة الرد على الهجمات التي تستهدف قواتها وتضغط لإجبارها على الانسحاب، أم أنها ستوكل الأمر إلى الأكراد، خاصة أن الهجوم بمثابة استهداف لقدرتهم على حماية الإقليم ومسّ من صورة قوات البيشمركة التي تروج لنفسها كقوة ذات أهمية سواء في حماية الإقليم أو في الحرب على الإرهاب.
وتستفيد الميليشيات في اعتماد الطائرات المسيرة من تجربة اعتماد الحوثيين عليها في اليمن ضد القوات الحكومية وضد مواقع سعودية، وهي طائرات من نوع سي إي أس -04، من صنع إيراني.
وقال مسؤول عسكري أميركي إن الميليشيات “باتت تملك طائرات مسيرة قادرة على إطلاق صواريخ والتحليق لمسافة 1200 حتى 1500 كلم، إذا أرفقت بخزانات وقود، ويمكن لها أن تصل إلى وجهة مبرمجة عبر نظام التموضع العالمي (جي بي إس)”.
علي الفيلي: على حكومة كردستان تكثيف تعاونها مع بغداد لإيقاف هجمات الميليشيات
ويعتقد الأكاديمي والمحلل السياسي العراقي رحيم الكعبي أن الميليشيات تهدف إلى جر إقليم كردستان وقواه الأمنية إلى الصراع العسكري المفتوح الذي تريد إيران من خلاله تحويل العراق إلى ساحة صراع مفتوح بينها وبين الولايات المتحدة.
وقال الكعبي في تصريح لـ”العرب” إن “الأكراد فهموا، منذ القصف الأول لمطار أربيل، أن الهدف ليس أمنيا أو عسكريا بقدر ما هو محاولة لخلط الأوراق من خلال تسخين الجبهة من جهة الإقليم وعدم جعلها منطقة آمنة للأمريكان، وتعكير صفو العلاقة بين حكومة الكاظمي والإقليم”.
وقبل شهرين قتل متعاقد أجنبي مع التحالف الدولي ومدني عراقي بهجوم صاروخي في أربيل. وأعلن فصيل موالٍ لإيران حينها “أنه هاجم قاعدة تركية”.
ولا يتوقع أن يستجيب الأكراد للخطة الإيرانية الهادفة إلى توريطهم في مواجهة لا تصب في مصلحتهم. وعلى الأرجح سيتعاملون مع ما جرى على أراضي إقليمهم على أساس أنه حرب بالوكالة لا مصلحة مباشرة لهم فيها حتى لو طلب الأميركيون منهم الرد على مصدر الهجمات.
وليس من المستبعد أن ينال الصمت الكردي رضا الولايات المتحدة خاصة أن الهدف منه محاولة تشتيت الضغوط الغربية والإسرائيلية عليها في الملف النووي، وخلق نقاط تصعيد على أكثر من واجهة على أمل خلط الأوراق.
كفاح محمود: إيران تحاول تحويل إقليم كردستان إلى ساحة أخرى لصراعاتها في خيار خاسر
وفي كل الحالات لن يقبل الأكراد باشتعال الوضع الأمني في مناطقهم، فهو يضر باستقرار الإقليم وبخطط التحضير لاستقلاله. لكن إذا تم إهمال الرد واحتكم الأميركيون إلى وعود كردية تنتهي بالتسويف فإن إيران والحشد يكونان قد حققا غايتهما في الضغط على واشنطن وأربيل في الوقت نفسه دون خسائر.
ويقول الكعبي إن إيران، التي يُزعجها تحلي الأكراد بكل هذا النفس الطويل وعدم الانجرار إلى الرد، ليس لديها الوقت الكافي في مفاوضاتها مع القوى الدولية بشأن برنامجها النووي، لذلك تضرب هذه الأيام يمينا وشمالا إن لم نقل إنها تلعب الآن بكل أوراقها أو تحرق كل أوراقها.
ويعتبر علي الفيلي القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني أن الميليشيات لا يروق لها استقرار إقليم كردستان وفق أجندة معدة لها من الخارج. لذلك استمرت في استهداف مطار أربيل وقاعدة بعشيقة، من أجل إرباك استقرار إقليم كردستان والعراق.
وحث الفيلي في تصريح لـ”العرب” حكومة كردستان على تكثيف التعاون مع الحكومة العراقية من أجل إيقاف هذه الأعمال التي تحركها أجندات أجنبية.
من جانبه يقول كفاح محمود، الباحث السياسي الكردي، إن إيران تحاول تحويل إقليم كردستان إلى ساحة أخرى لصراعاتها، وهو خيار خاسر لسبب مهم هو أنها لا تمتلك مساحة أفقية لدى الأهالي عقائديا وسياسيا، خاصة بعد ضلوعها في اجتياح الحشد الشعبي للمناطق المتنازع عليها ومحاولة تشييع المنطقة.
وأشار محمود في تصريح لـ”العرب” إلى أن تضامن العالم العربي والأوروبي والأميركي دليل على متانة الموقف الكردي ومصداقيته في محاربة الإرهاب بكل أشكاله.
العرب