تتصاعد وتيرة التصريحات السياسية والاعلامية بين أقطاب النظام الايراني وأركان الادارة الامريكية وتأخذ أبعادا كثيرة تتسم بسياسة التعنت والمواجهة التي يستمر الايرانيون في اتباعها تجاه الأحداث التي تسعى الى ايجاد حلول جذرية للإتفاق النووي مصاحبة للتحركات الأوروبية ذات البعد الاستراتيجي في أهدافها والباحثة عن صيغ وأسس تساعد على جلوس الأمريكان والايرانيين حول طاولة المقاوضات ، وأمام هذا الجهد الذي يبذله الشركاء الأوروبيون تأتي تصريحات الايرانيين لتزيد الأمور غموضا في عدم وجود النوايا الحقيقية والضبابية في فهم توجهات السياسة الايرانية وآفاقها المستقبلية من خلال حديث الرئيس حسن روحاني في مجلس الوزراء الايراني صباح يوم الأربعاء 14 نيسان 2021 عن القرار الخاص بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60% بعد حادث الانفجار الذي وقع في محطة نطنز والذي أكده سفير ايران لدى الوكالة الدولية للطاقة النووية وأن بدء انتاج اليورانيوم المخصب سيتم في الأيام المقبلة .
تسارع هذه المواقف والـأحداث يلقي بظلاله على المباحثات القادمة في العاصمة النمساوية (فيينا) بهدف إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015 بين ايران والادارة الأمريكية والدول الأوروبية (بريطانيا -المانيا-فرنسا ) والصين وروسيا والذي انسحب منه الرئيس ترامب قبل ثلاث سنوات ، والتي قد تشهد موقفا متشددا من النظام الايراني من سير المفاوضات وقبول المقترحات والاعداد لمرحلة قادمة في اتفاق جديد يحدد مسارات وتحركات الايرانيين تجاه الالتزام الميداني بعدم الاستمرار بعمليات التخصيب المستخدمة في تطوير المفاعل النووي الايراني وهي السياسة التي تتابع من قبل الولايات المتحدة الامريكية وترى فيها عدم الجدية من قبل الايرانيين في العودة للمفاوضات واتخاذ مسار جديد أكثر فعالية وبعيدا عن القلق الميداني الذي وصفت به المتحدثة بإسم البيت الأبيض ( جين ساكي ) الأعلان الايراني عن زيادة نسبة التخصيب المقترحة وقالت عنه إنه (استفزازي ) وأن الادارة الامريكية تشعر بالقلق وانه يلقي بالشكوك حول جدية ايران بشأن المحادثات النووية القادمة .
إن هذا التطور في الموقف الايراني يشكل حرجا سياسيا للدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي والذي رأت فيه موقفا خطيرا يخالف المحادثات التي جرت في فيينا وهي التي تعمل جاهدة على استئناف المفاوضات وايجاد الحلول الميدانية والدقيقة لإقناع الولايات المتحدة الامريكية بالعودة للمفاوضات وإمكانية رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام الايراني والتي أضحت أكثر تأثيرا على أبناء الشعوب الايرانية وانعكست سلبا على المستوى المعاشي في ايران وأدت الى انخفاض كبير في العملة الايرانية وزيادة في الاسعار وفقدان العملة الأجنبية نتيجة توقف صادرات النفط الايراني وعدم وجود عوائد مالية تساعد على النهوض بالاقتصاد الايراني المنهك ، وأصبحت قطاعات خدمية تعاني من أسباب البطالة المتفشية داخل المجتمع الايراني والتي بلغت 42% مع استمرار التظاهرات الشعبية المطالبة بصرف الاستحقاقات المالية للمتقاعدين والتي بدأت تتأخر عن موعدها المحدد بسبب الضائقة المالية التي يعاني منها النظام الايراني وأصبح الوضع العام يشكل ثقلا كبيرا وعبئا ثقيلا على حياة المواطن الايراني .
إن سياسة المواجهة التي يستمر النظام الايراني في صياغة أبعادها وآثارها على بدء المفاوضات وخاصة الأخيرة التي جرت بتاريخ 5 نيسان 2021 والاستمرار في الاعلان عن استخدام وسائل وأدوات تساهم في تصنيع وقود المفاعلات النووية بشكل متطور والتي تهدف الى تخصيب اليورانيوم بشكل أسرع والتي جاءت بعد اعلان الرئيس الايؤاني روحاني أنه ( تم تركيب سلسلة من 164 جهاز للطرد المركزي نوع أي-أر6 وأي -أر 5 في منشأة نطنز النووية ) تعد خطوة في اختراق طهران لبنود الاتفاق النووي الموقعة عام 2015 والتي تسمح للنظام الايراني استخدام نوع (أي-أر 1 ) في تركيبة أجهزة الطرد المركزي .
هذه المواقف الايرانية تساهم في عدم الجدية بتنفيذ الاجراءات والاتفاقيات التي أقرت في اجتماع ومباحثات فيينا الأخيرة والتي أقرت بنشكيل فريقي عمل فني لدراسة سبل عودة البلدين (امريكا وايران ) الى الالتزام بالاتفاق النووي والتي رأت فيه مجموعة (5+1) خطوة بناءة لجولات ومباحثات قد تكون طويلة وصعبة ، وان من مهام هذه اللجنة الفنية دراسة العقوبات والبدء بالنظر بايجاد صيغ ميدانية فعالة تعيد ايران للمنظومة الدولية وتساهم في ايقاف التدهور الاقتصادي والمالي للنظام الايراني والابتعاد عن سياسة ( الضغوط القصوى ) التي تبناها الرئيس ترامب تجاه ايران مع الأخذ بالاعتبار عودة ايران للالتزام ببنود اتفاق 2015 الذي ينص على وجود قيود مفروضة على تخصيب اليورانيوم وتصنيع أجهزة الطرد المركزي بشكل متطور .
الأسلوب الميداني الذي أقرته اللجنة الفنية أصبح يواجه صعوبة في التنفيذ بعد التصريحات التي أدلى بها المسؤولون الايرانيون خلال هذه الايام والتي بدأت تؤشر عدم وجود قاعدة رصينة للاتفاق الصحيح واستمرار الشكوك من قبل الطرفين الايراني والامريكي في جدية كل منهما ، فطهران تسعى لضمانات بعدم تخلي واشنطن عن التزاماتها الجديدة برفع العقوبات الاقتصادية ولتساعد النظام الايراني على الوقوف بشكل متماسك أمام الآراء التي يواجهها الرئيس روحاني في الداخل وايجاد قاعدة رصينة لنتائج ايجابية في الجولات المقبلة من المفاوضات وتحديدا قبل المدة المحدة لانتهاء الفترة الزمنية التي يمكن لفرق التفتيش الدولية أن تقوم بزيارة المنشأت النووية الايرانية دون سابق انذار .
تبقى عملية الشد وممارسة الضغوط بين الطرفين الايراني والامريكي رهينة بالمصالح المشتركة للجانبين وامكانية عودة واشنطن للاتفاق النووي تحدده المواقف الايرانية بعيدا عن سياسة الرفض والتشدد والتمسك بمطاليب وأهداف ذات سقوف عالية يسعى اليها الايرانيون لتحسين موافغهم تجاه شعوبهم وايجاد الاعذار لإستمرار العقوبات المفروضة عليهم دون وجود رؤية حقيقية للخروج من هذه الأزمة الكبيرة.
وحدة الدراسات الايرانية