متسارعةً تسير الأمور في العراق، وإن بدت للوهلة الأولى أن هناك رتابة في إيقاعها اليومي، فالجبهات بين تنظيم الدولة الإسلامية والقوات الحكومة مدعومة بالمليشيات تبدو شبه ساكنة، والإصلاحات التي أعلن عنها رئيس الوزراء، حيدر العبادي، ومثلت حراكا سياسيا داخليا بامتياز، باتت شبه معطلة، نتيجة الضغوط التي تعرض لها، سواء من شركاء العملية السياسية أو من إيران التي أعربت عن امتعاضها من تلك الإصلاحات، كونها ستطاول شخوصاً يمثلون امتدادها داخل العراق.
وعلى الرغم من كل تلك المؤشرات، إلا أن ناراً تحت الرماد تتلظى، بعض شررها يصل إلى الإعلام ووسائله المتعددة، وبعضه الأهم لا يصل، لأسباب عدة، تتعلق بأطراف الصراع في العراق، وحساسية المرحلة.
وجد العبادي الذي بات محاصراً بإصلاحاته نفسه، في لحظةٍ ما، غير قادر على تحقيق ما وعد به من إصلاحات، طرحت في حينها لامتصاص نقمة الشارع الغاضب.
فعلى الرغم من الدعم الذي حصل عليه العبادي من مرجعية النجف، وأيضا الدعم الدولي، وفي مقدمته الدعم الأميركي، إلا أنه فشل، حتى الآن، في تحقيق نقلة نوعية في إدارة العملية السياسية، كما كان مخططا له ذلك.
في المقابل، تسعى أطراف عراقية، مرتبطة بإيران، إلى عرقلة تلك الإصلاحات، وهو ما بدا واضحاً في الاجتماعات التي عقدتها أطراف في التحالف الوطني الشيعي، والتي أعلنت رفضها المطلق للسير بالإصلاحات بالطريقة التي يريدها العبادي.
في حين عبر الحشد الشعبي، الذي بات يمثل القوة العسكرية الأبرز في العراق، عن رفضه بنوداً عديدة من الإصلاحات، بل إن الحشد الشعبي هدد العبادي، وكل النواب، في حال مرروا اتفاق قانون الحرس الوطني الذي ترى فيه تلك المليشيات تهديداً لها ولوجودها، كونه يمنح المناطق العربية السنية خياراً لتشكيل قواتها المسلحة التي تتولى إدارة ملفاتها الأمنية، بعيداً عن سلطة المركز.
إيران التي تقف وراء الحشد الشعبي في العراق، وأيضا خلف بعض الجهات المتنفذة، قلقة جداً من تداعيات ما يجري في العراق، فبعد أن بدأت القوات الأميركية تعود إلى العراق، فإن ما يمكن أن يجري في بغداد قد يؤدي إلى قصم ظهر مشروع طهران في العراق.
تدرك إيران جيداً أن تنظيم الدولة الإسلامية معني جدا ببغداد في الفترة المقبلة، وأنه قد يباغت الجميع بعملية نوعية داخل أسوار العاصمة، تجعل مهمة إخراجه من بغداد شبه مستحيلة. وقد فجر التنظيم سيارتين مفخختين في منطقة الباب الشرقي، قبل أيام، وهي التي لا تفصلها عن المنطقة الخضراء سوى جسر الجمهورية، والعبرة ليس في هذا القرب وحسب، وإنما أيضا أن التنظيم لم يسبق أن وصل إلى تلك المناطق منذ وقت ليس قصيراً.
يدرك التنظيم جيدا أن إصلاحات العبادي الأخيرة، وما آلت إليه من خلافات بين أطراف التحالف الوطني الشيعي، صبت في مصلحته، فالجبهات التي هدأت وفّرت فرصة للتنظيم، لاستعادة أنفاسه، بل وإلى التوسع إلى مناطق جديدة، ولعل آخرها حقول النفط في تكريت التي باتت قاب قوسين أو أدنى من الوقوع تحت سيطرة التنظيم.
في هذه الأثناء، تعاني حكومة بغداد من تدهور اقتصادي غير مسبوق، لم ير العراق مثيلاً له حتى إبّان فترة الحصار الدولي، والعقوبات الاقتصادية التي فرضت على البلاد تسعينيات القرن الماضي، ما ولد حالة غضب شعبي، انقلبت إلى تظاهرات وشعارات، وهروب عناصر كثيرة في الحشد الشعبي من جبهات القتال، بعد أن عجزت الدولة العراقية عن دفع رواتبهم.
وعلى الطرف الآخر، تتوجس المليشيات التابعة للحشد الشعبي، ومن خلفها إيران، من تنظيم الدولة الإسلامية، فأية حركة داخل بغداد قد تقلب الطاولة على رؤوس الجميع، والاستخبارات التابعة لإيران ترسل إشارات متواصلة لصناع القرار عن تغلغل عناصر التنظيم داخل العاصمة، ناهيك عن خلاياه النائمة، وأيضاً المتعاطفين معه.
من هنا، سرّبت مصادر إعلامية تقارير عن نية الحشد الشعبي مدعوماً بإيران، إقصاء حيدر العبادي، بدعوى فشله في التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية، خصوصاً إذا نجح الأخير بتحقيق تقدم جديد على الأرض، ناهيك عن وجود رغبة متعاظمة لدى أطراف سياسية أخرى لإقصاء العبادي، وهو ما عبر عنه إياد علاوي أخيراً.
وإذا كانت واشنطن ترى أن العبادي يسير بمشروع الإصلاحات وفقا لما رسم واتفق عليه، فإن فشله قد يجعل من أميركا غير متمسكة به، إلا أنها، وفي الوقت نفسه، لا تبدو راغبة بإتاحة الفرصة أمام إيران للإمساك بتلابيب الحكم في العراق. من هنا، من غير المستبعد أن تكون الولايات المتحدة، هي الأخرى، قد أعدت العدة للسيطرة على بغداد، عبر أحد حلفائها العراقيين.
لا أحد يمكن له أن يخمّن ما ستؤول إليه الأوضاع على الأرض في العراق في الأيام المقبلة. بغداد التي كانت تبدو معركة مؤجلة، ربما اقترب موعدها، وإذا ما حسمت معركة بغداد، المؤجلة إلى حين، لصالح أي طرف كان، ربما تغير كثيراً من قواعد اللعبة، ليس في العراق وحسب، وإنما في المنطقة أيضاً.
إياد الدليمي
صحيفة العربي الجديد