مقتل العشرات من العراقيين في حوادث من قبيل الحريق المروّع الذي طال مستشفى لمرضى كورونا في بغداد، ليس أمرا استثنائيا في البلد الذي لا تختلف فيه نتائج الفساد والإهمال الحكومي وتهالك البنى التحتية عن نتائج الإرهاب، الأمر الذي يجعل مسار تحقيق الاستقرار في البلد وتحسين أوضاع سكّانه رهنا بمحاربة تلك الظواهر مجتمعة ودون تمييز بينها.
بغداد – رفع سقوط العشرات من القتلى والجرحى في الحريق الذي نشب ليل السبت إلى الأحد في مستشفى بالعاصمة العراقية بغداد من منسوب الغضب القائم أصلا لدى الغالبية العظمى من العراقيين، كون الحادثة المروّعة ليست فريدة من نوعها وتعتبر إحدى نتائج الفساد المستشري في مفاصل الدولة والذي يتضافر مع ظاهرة الإهمال وتهالك البنى التحتية وضعفها، لتشكّل معا نوعا آخر من الإرهاب الذي لا ينقطع عن حصد أرواح العراقيين.
وأعاد حريق مستشفى ابن الخطيب وما خلّفه من خسائر فادحة في الأرواح، إلى أذهان العراقيين حريق مستشفى اليرموك قبل حوالي خمس سنوات، وكذلك حادثة غرق عبّارة في نهر دجلة قبل نحو سنتين والتي أودت بالعشرات من أهالي مدينة الموصل، وأيضا انفجارات مخازن الأسلحة التابعة للميليشيات والموجودة داخل الأحياء السكنية.
وأُطلقت دعوات في العراق إلى إقالة المسؤولين بعد الحريق بالمستشفى المخصص لمرضى كوفيد – 19، في بلد يعاني من نظام صحي متهالك منذ عقود.
وأمام الحرج الكبير الذي سببه الحادث، قرر رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي الأحد إيقاف وزير الصحة حسن التميمي ومحافظ العاصمة محمد جبر عن العمل.
وقال المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء في بيان إنه “تقرر خلال الجلسة الاستثنائية لمجلس الوزراء التي عقدت الأحد برئاسة الكاظمي، سحب يد وزير الصحة ومحافظ بغداد ومدير عام صحة الرصافة وإحالتهم للتحقيق”.
وأعلن العضو في مفوضية حقوق الإنسان الحكومية علي البياتي الأحد ارتفاع عدد ضحايا الحريق إلى ثمانية وخمسين قتيلا. وقال في تغريدة على موقع تويتر إنّ “عدد الوفيات نتيجة حريق مستشفى ابن الخطيب 58 بينهم 28 كانوا في ردهة إنعاش الرئة”.
وذكرت مصادر طبية لوكالة فرانس برس أن الحريق بدأ في إسطوانات أكسجين “مخزنة من دون مراعاة لشروط السلامة”.
وقالت المصادر إن الحريق سببه الإهمال المرتبط في أغلب الأحيان بالفساد في بلد يبلغ عدد سكانه أربعين مليون نسمة، ومستشفياته في حالة سيئة، وهاجر عدد كبير من أطبائه بسبب الحروب المتكررة منذ أربعين عاما.
حريق مستشفى ابن الخطيب أعاد إلى الأذهان حريق مستشفى اليرموك في 2016 وغرق العبارة في دجلة سنة 2019
وبعد سنوات من توقّف تجديد وإصلاح البنى التحية في العراق نتيجة هدر موارد الدولة الغنية بالنفط، أصبحت المنشآت الصحية في العراق تعاني حالة من التهالك الشديد مؤثرة على أدائها ومستوى السلامة فيها.
وليس حريق مستشفى ابن الخطيب هو الأول من نوعه في البلد، فقد سبق لحريق مماثل كان قد شبّ سنة 2016 في مستشفى اليرموك غربي بغداد، أن أسفر عن مقتل 13 رضيعا.
وجاءت الحادثة لتعقّد من مهمّة الحكومة العراقية التي تواجه صعوبات كبيرة في تهدئة الشارع الغاضب، بهدف استكمال المرحلة الانتقالية والوصول إلى موعد الانتخابات المبكّرة المقرّرة لشهر أكتوبر القادم.
وأكد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي أعلن الحداد الوطني ثلاثة أيام فتح تحقيق، ودعا إلى التوصل إلى نتيجة خلال أربع وعشرين ساعة.
وقالت الحكومة في بيان إنّ الكاظمي عقد اجتماعا طارئا مع عدد من الوزراء والقيادات الأمنية والمسؤولين، وأمر في أعقابه “بإعلان الحداد على أرواح شهداء الحادث”، معتبرا ما حصل “مسّا بالأمن القومي العراقي”.
ونقل البيان الحكومي عن الكاظمي قوله خلال الاجتماع الطارئ إنّ “مثل هذا الحادث دليل على وجود تقصير لهذا وجّهت بفتح تحقيق فوري والتحفّظ على مدير المستشفى ومدير الأمن والصيانة وكلّ المعنيين إلى حين التوصّل إلى المقصّرين ومحاسبتهم”.
وشدّد الكاظمي على أنّ “الإهمال في مثل هذه الأمور ليس مجرّد خطأ، بل جريمة يجب أن يتحمّل مسؤوليتها جميع المقصّرين”، مطالبا بـ”محاسبة المقصّر مهما كان”.
وفي الساعات الأولى من صباح الأحد بينما كان العشرات من أقارب ثلاثين مريضا في وحدة العناية المركزة في مستشفى ابن الخطيب المخصص للحالات الأكثر خطورة من الإصابات بكورونا، وصلت ألسنة اللهب إلى الطوابق العليا، بحسب مصدر طبي.
وقال الدفاع المدني إنّ المستشفى لم يكن يمتلك نظام حماية من الحريق، والأسقف الثانوية سمحت بامتداد الحريق إلى مواد شديدة الاشتعال. وأضاف أن “معظم الضحايا لقوا حتفهم لأنهم نقلوا أو حرموا من أجهزة التنفس الاصطناعي بينما اختنق آخرون بالدخان”. كما ذكر أنّه تمكّن من إنقاذ تسعين شخصا من أصل 120 مريضا وأقربائهم.
وبينما سارع رجال الإطفاء لإخماد النيران وسط حشد من المرضى والزوار الذين كانوا يحاولون الفرار من المبنى، قدم العديد من السكان المساعدة.
وقال أمير البالغ من العمر خمسة وثلاثين سنة إنه أنقذ في اللحظة الأخيرة إخوته الذين كانوا في المستشفى. وأضاف “الناس هم الذين أخرجوا الجرحى من المستشفى”.
ورأت مفوضية حقوق الإنسان الحكومية أنّ “الحريق جريمة بحق المرضى الذين أصيبوا بفايروس كورونا ووضعوا حياتهم بين يدي وزارة الصحة، لكن بدلا من شفائهم هلكوا في ألسنة اللهب”. ودعت الكاظمي إلى محاكمة وزير الصحّة.
وتجاوز عدد الإصابات بكورونا في العراق المليون إصابة. ولتجنّب المستشفيات المتداعية، يفضل المرضى بشكل عام تركيب عبوات أكسجين في منازلهم.
ولا يجد الكثير من العراقيين فرقا بين مختلف الحوادث المميتة التي تتكرّر كثيرا في بلدهم سواء تعلّق الأمر بحوادث عرضية مثل غرق العبّارة في الجزيرة السياحية بالموصل، وانفجارات مخازن الأسلحة الواقعة داخل الأحياء السكنية ببغداد، والحرائق وغيرها، أو تعلّق بحوادث إرهابية مثل تفجير السيارات المفخّخة في الأماكن المزدحمة داخل المدن، إذ أن مختلف تلك الحوادث في نظر العراقيين نتيجة مباشرة لضعف أجهزة الدولة وتراخي المسؤولين عنها واستهتارهم بأرواح الناس ومصائرهم.
كما لا يتردّد العراقيون في ربط تلك الحوادث بظاهرة الفساد التي تغوّلت، وأصبحت مظهرا آخر للإرهاب في البلد تتقاطع معه وتتكامل في الكثير من المظاهر.
العرب