لماذا يشهد العراق ارتفاعا قياسيا في إصابات كورونا؟

لماذا يشهد العراق ارتفاعا قياسيا في إصابات كورونا؟

يشهد العراق منذ نحو أسبوعين تصاعدا لافتا في عدد الإصابات بفيروس كورونا تجاوز عتبة 51 ألفا وعدد وفيات بلغ أكثر من 2050. ليس هذا فحسب، بل إن العراقيين باتوا يخشون تجاوز معدل الإصابات اليومي ألفي إصابة من معدل 10 آلاف فحص في اليوم، أي ما يعادل 20% ممن يتم فحصهم تثبت إصابتهم بالفيروس، وهو معدل كبير بات العراق يسجله مع تراجع معدلات الإصابة في الدول المحيطة للبلاد.

وتتعدد أسباب تصاعد الإصابات في العراق، إذ يرى الطبيب فارس البريفكاني نائب رئيس لجنة الصحة البرلمانية أن ازدياد أعداد المصابين يعود إلى توسّع رقعة المسح الميداني في الفترة الأخيرة.

ويشير البريفكاني في حديثه للجزيرة نت إلى أن عداد الفحوص اليومية كان لا يتجاوز الألف في الشهر الأول لاكتشاف الوباء في العراق، وبالتالي، فالمصابون نقلوا المرض لآلاف غيرهم دون أن يعلموا، مما أدى إلى تضاعف أعداد الإصابات ووصولها إلى مرحلة مرتفعة جدا.

وعن إمكانية توجّه البلاد لحجر المصابين منزليا، أكد البريفكاني أن هذا التوجه سيكون الخيار الوحيد المتاح أمام المؤسسات الصحية إذا تضاعفت أعداد المصابين الحاليين.

العنبوري رأى أن الانتشار الوبائي كان متوقعا لأن العراق لم يطبّق الإغلاق الشامل والحظر بمعناه الصحيح (الجزيرة)
زيادة متوقعة
أما خبير الصحة العامة والمحاضر في كلية طب الكندي اعلي العنبوري فيرى أن الانتشار الوبائي الكبير كان متوقعا، إذ إن الإصابات الوبائية تنتشر بسرعة قياسية، وبالتالي كان الانتشار كبيرا لأن العراق لم يطبق الإغلاق الشامل والحظر الصحي بمعناه الصحيح ولم يلتزم به المواطنون كذلك.

ويقول العنبوري في حديثه للجزيرة نت إن حظر التجوال والإغلاق منذ ثلاثة أشهر كان شكليا وفي مناطق معينة فقط، إذ إن الحياة في المناطق الشعبية كانت تسير بصورة طبيعية، لافتا إلى أن أعداد الإصابات الحالية المسجلة تقل بكثير عن الأعداد الحقيقية، خاصة أن المستشفيات لا تفحص إلا من تظهر عليه الأعراض المصاحبة للمرض.

ويضرب العنبوري مثالا بالولايات المتحدة التي تجري 100 ألف فحص يوميا، حيث يشير خبراء إلى أن أعداد المصابين فيها قد تبلغ عشرة أضعاف ما اكتشف، وبالتالي فالعراق ليس استثناء، خاصة مع العدد المحدود للفحوص التي تجرى يوميا، لافتا إلى أن البلاد تتجه نحو ما يعرف بمناعة القطيع.

ويرى أن قطاع الصحة العامة متدهور جدا، وأن أعداد أجهزة التنفس الصناعي لا تتناسب مع عدد سكان البلاد، فضلا عن سوء الإدارة في وزارة الصحة.

ويؤكد أحد المصابين المتعافين من الإصابة بالفيروس ويدعى عبد الله علي، أن الواقع الصحي في البلاد متدهور للغاية، خاصة أن المستشفيات العراقية لم تشهد توسعة تتناسب مع الزيادة السكانية منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، وبالتالي تواجه المشافي زخما كبيرا.

وعن تجربته الشخصية، يقول علي الذي فضل عدم الكشف عن صورته “قبل نحو شهرين، كانت لدي شكوك بأني مصاب بالفيروس، إذ إنني كنت في العمل مع أحد العاملين الذين ثبتت إصابتهم، بعدها توجهت إلى مستشفى ابن الخطيب ببغداد لإجراء الفحص، إلا أن المستشفى رفض إجراء فحص الحمض النووي على اعتبار أنه لم تكن لدي أعراض واضحة للإصابة”.ويختتم علي حديثه للجزيرة نت بالإشارة إلى أنه وبعد نحو أسبوع ظهرت عليه الأعراض ودخل الحجر الصحي وتعافى بعد 15 يوما.

الاحتواء والتحديات
جهود كبيرة تبذلها وزارة الصحة العراقية وخلية الأزمة في مواجهة الجائحة، إذ يؤكد المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر أنه وعلى الرغم من الزيادة الكبيرة للإصابات، فإن الوضع الصحي لا يزال تحت السيطرة، إذ إن أعداد الحالات المتعافية زادت عن 26 ألفا من مجموع 51 ألف مصاب، مؤكدا أن الوزارة طبقت سياسة العزل المنزلي للمصابين لكن وفق شروط معينة وليس بحسب رغبة المصاب.

وشدد البدر على أن جهود وزارته أثمرت عن توفير أعداد كبيرة من معدات الوقاية والأجهزة التنفسية وأجهزة الفحص، إضافة إلى قوافل المساعدات التي وصلت للعراق من تركيا والصين وأذربيجان وغيرها.

وردا على سؤال عن كيفية السيطرة على الوباء، يشير البريفكاني إلى أن العراق بحاجة إلى ثلاثة محاور رئيسية، أولها الدعم الحكومي المالي لوزارة الصحة لأجل شراء أجهزة الكشف المبكر وأجهزة التنفس الصناعي ومستلزمات الوقاية.

أما المحور الثاني، بحسب البريفكاني، فإن وزارة الصحة وخلية الأزمة بحاجة إلى إعادة تقييم ومراجعة للسياسة المتبعة في إدارة الأزمة، فضلا عن الوقاية الذاتية والوعي الشعبي الذي لا يزال بعيدا عما هو مطلوب.

وكان المتحدث باسم نقابة الأطباء جاسم العزاوي قد أكد في حديث له أن إجراءات لجنة الصحة والسلامة الوطنية جاءت متأخرة جدا وبما لا يقل عن ثلاثة أشهر،، إذ إن ألف طبيب أحيلوا على التقاعد مطلع العام، فضلا عن 3 آلاف طبيب كان من المفترض أن يلتحقوا بالوزارة مطلع العام أيضا، إلا أن عدم توفير الميزانية المالية من قبل وزارة المالية حال دون ذلك.

وبات الأطباء والفرق الطبية الداعمة أو ما يعرف عالميا بالجيش الأبيض، محور الحديث في وسائل الإعلام، إذ تقول الطبيبة آية القزاز من العاصمة بغداد إن الفرق الطبية تعاني من نقص كبير في مستلزمات الوقاية والمعقمات، فضلا عن الضغط الكبير في العمل مع قلة أعداد الأطباء والخوف من نقلهم العدوى لذويهم، وتشير القزاز إلى أن كثيرا من الوفيات بالفيروس كان يمكن تداركها لو توفرت الأجهزة والمعدات اللازمة.

ولا تخفي خوفها من التعرض للمضايقات من ذوي المرضى، خاصة أن عشرات الاعتداءات على الفرق الطبية شهدتها مدن وسط وجنوب البلاد خلال الأشهر الماضية، منشيرة إلى أن معدل الإصابات بين الفرق الطبية في ارتفاع مستمر، وهو ما يثقل كاهل المؤسسات الصحية لشغر الفراغ الذي يسببه المصابون.

ويتخوف العراقيون من أن تستمر جائحة كورونا في العراق في حصد مزيد من الأرواح، خاصة أن معدل الوفيات بالمقارنة بعدد المصابين يعد الأعلى في منطقة الشرق الأوسط، فالسعودية التي سجلت حتى الآن 195 ألف إصابة، لم يتجاوز عدد الوفيات فيها 1700 فقط.

كما أن غالبية الشعب العراقي باتوا بين مطرقة الوباء وسندان حظر التجوال والإغلاق الذي زاد من معدلات الفقر في البلد الذي يعاني أصلا تدهورا اقتصاديا في ظل تراجع أسعار النفط.

المصدر : الجزيرة