كشفت الاجتماعات الأخيرة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي عن أن الاقتصاد العالمي يتعافى بسرعة أكبر بكثير مما كان متوقعا حتى قبل 6 أشهر، لكن الانتعاش في الاقتصاد الكلي العالمي يخفي ما يحدث مع بعض شعوب العالم.
ويبدو أن المحرومين اقتصاديا سيعانون من أبطأ حالات التعافي. علاوة على ذلك، قد لا يصمد هذا العالم المنقسم؛ فما يحدث الآن -وأهمه الانتشار العالمي البطيء للقاحات- سيزيد سوء الآفاق بالنسبة للجميع.
وقال الكاتب مارتن وولف -في تقرير نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” (Financial Times) البريطانية- إن السمة الملفتة للنظر في التوقعات الجديدة من صندوق النقد الدولي أن النمو التراكمي في الناتج المحلي الإجمالي العالمي للفرد بين عامي 2019 و2022 يُتوقع الآن أن يكون أقل بـ3 نقاط مئوية فقط مما كان منتظرا في يناير/كانون الثاني 2020، وهذا أفضل بكثير من العجز الذي بلغ 6.5 نقاط مئوية العام الماضي، وتوقعات العجز بنسبة 4 نقاط مئوية لهذا العام.
لكن الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو التباين، ومن المتوقع الآن أن تتمتع الاقتصادات المتقدمة بنمو تراكمي في الناتج المحلي الإجمالي للفرد بين عامي 2019 و2022 أقل بنقطة مئوية واحدة فقط مما كانت عليه في يناير/كانون الثاني 2020، ولكن من المتوقع أن تعاني الأسواق الناشئة والبلدان النامية منخفضة الدخل من تضرر نمو الناتج المحلي الإجمالي للفرد بمقدار 4.3 و6.5 نقاط مئوية على التوالي.
ارتفاع العجز المالي
يتوقع صندوق النقد الدولي الآن أن الاقتصادات المتقدمة والصين ستخرج من الأزمة سالمة إلى حد كبير اقتصاديا، حيث سيكون الاقتصاد الأميركي أكبر بقليل مما كان متوقعا مسبقا، بينما تعاني البلدان الناشئة والنامية من ضربة كبيرة وطويلة الأجل، لكن ينبغي أن نتذكر أن ثلثي البشر يعيشون في هذه البلدان المتضررة.
وذكر الكاتب أن هذا عكس ما حدث بعد الأزمة المالية العالمية التي وقعت بين 2007 و2009، ويرجع ذلك جزئيا إلى أنها نشأت في البلدان ذات الدخل المرتفع، بالإضافة إلى أن انتعاش الصين عام 2009 كان قويا للغاية، لكن السبب الأكبر للاختلاف الآن هو أن البلدان ذات الدخل المرتفع تمتلك وتوظف القدرة على إدارة هذه الصدمة بطرق لا تستطيع دول أخرى (الصين كونها الاستثناء الرئيسي) تحقيقها؛ إذ يمكن للبلدان الغنية أن تخفف الضربة الاقتصادية والاجتماعية باستجابات استثنائية للسياسات المالية والنقدية؛ ويمكنها تطوير وإنتاج وتقديم اللقاحات بسرعة عالية.
فروق
وفقا لتقرير الراصد المالي لصندوق النقد الدولي، فإنه “في الأشهر 12 الماضية، أعلنت البلدان إجراءات مالية بقيمة 16 تريليون دولار”، لكن الجزء الأكبر من هذا كان في البلدان المتقدمة، وارتفع العجز المالي للاقتصادات المتقدمة بنسبة 8.8% من الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2019 و2020، ليبلغ 11.7%، في حين سيظل في حدود 10.4% في عام 2021.
وفي الاقتصادات الناشئة، ارتفع العجز المالي بنسبة 5.1% من الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2019 و2020، ليصل إلى 9.8%، لكنه في البلدان النامية منخفضة الدخل ارتفع بنسبة 1.6% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، ليصل إلى 5.5%.
علاوة على ذلك، يشدد تقرير الراصد المالي على أن الارتفاع في العجز في الاقتصادات المتقدمة والعديد من اقتصادات الأسواق الناشئة نتج عن زيادات متساوية تقريبا في الإنفاق وتراجع في الإيرادات، بينما في العديد من اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية منخفضة الدخل، نشأ في المقام الأول عن الانهيار في الإيرادات الناجم عن الانكماش الاقتصادي.
الارتفاع في عجز الاقتصادات سواء المتقدمة أو الأسواق الناشئة نتج عن زيادات متساوية تقريبا في الإنفاق وتراجع الإيرادات (رويترز)
انتعاش غير مستقر
أوضح الكاتب أنه لن يكون من الحكمة أن نأخذ توقعات الانتعاش القوية للاقتصادات المتقدمة كأمر مسلم به؛ فمن الممكن أن تكتسح السلالات الجديدة مناعة اللقاحات اليوم جميع أنحاء العالم، ومن المستحيل إعادة فتح الحدود قريبا، كما من الممكن أيضا أن تكون السياسات النقدية والمالية قوية للغاية، لا سيما في الولايات المتحدة، مما سيؤدي إلى زيادة قوية في التضخم.
وإذا كان الأمر كذلك -كما يقول الكاتب- فإن هذا من شأنه أن يجبر صانعي السياسة على وقف هذه الإجراءات، وقد يولد أزمات ديون بين المقترضين المعرضين للخطر في الداخل والخارج.
علاوة على ذلك، حتى لو تعافت البلدان مرتفعة الدخل والصين وقلة أخرى بقوة، فمن المرجح أن تظل العديد من البلدان الناشئة والنامية في مواجهة صعوبات كبيرة نتيجة بطء طرح اللقاحات ومشاكل في إدارة الديون والضغوط الناجمة عن تفاقم الفقر ومحدودية حيز السياسات.
ويشير الكاب إلى أن الاقتصادات التي تعتمد على السفر والسياحة ستشهد انتعاشا بطيئا بشكل خاص، خاصة إذا استمرت سلالات الفيروس الجديدة في الظهور.
تحديات
وحسب الكاتب، سيكون من الحماقة أن يتنفس صانعو السياسات في البلدان الغنية الصعداء، وأن يتجاهلوا التحديات العالمية التي يواجهونها، بدلا من ذلك يجب عليهم القيام بكل ما يلزم لتطعيم العالم بأسره بحلول نهاية العام المقبل، ودعم تطوير جرعات معززة للجميع، إذا لزم الأمر.
كما يجب عليهم -حسب الكاتب- فعل ما يلزم لضمان أن تكون جميع البلدان لديها الموارد التي تحتاجها للتعامل مع هذه الصدمات الصحية والاقتصادية، بالإضافة إلى العمل على ضمان أنه في حالة ظهور أزمات ديون، فإنهم يعرفون من صاحب الدين -الرسمي والخاص- ويعلمون كيفية إدارة المفاوضات الناتجة.
وقال الكاتب إنه يجب أن يتعلم صانعو السياسات في البلدان الغنية الدروس من هذا الوباء، الذي أودى حتى الآن بحياة 3 ملايين شخص، وألحق صدمة اقتصادية كبيرة.
المصدر : فايننشال تايمز