قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إنّ بلاده تحترم سيادة العراق، كما ترحّب بقيامه بدور مهمّ في المنطقة. لكنّ تصريحات الوزير الإيراني التي أدلى بها الإثنين بمناسبة زيارته للعراق، بدت لمراقبين على طرف نقيض مع سياسات إيران المتّبعة بالفعل تجاه جارها العراق التي تقوم على التدخّل في أدقّ شؤونه ومحاولة التحكّم في قراره السياسي والاقتصادي وحتّى الأمني وذلك بواسطة قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية الممسكين بزمام السلطة في البلد منذ سنة 2003.
وقال ظريف خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده مع نظيره العراقي فؤاد حسين في بغداد “نرحب بالدور العراقي في المنطقة ونعمل على تعزيز دور العراق في تحقيق الأمن والاستقرار في الإقليم”. وأضاف “علينا أن نبني علاقاتنا على مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية”، ومؤكدا “علينا إقامة حوار وفق مبدأ الاحترام المتبادل”. كما وصف العلاقات الإيرانية – العراقية بالقوية، قائلا إنّ “المنطقة بحاجة إليها”.
شاهو القره داغي: إيران لو أرادت استقرارا وسيادة للعراق لما دعمت الميليشيات
ودأبت إيران طيلة السنوات الماضية على عرقلة ترميم العلاقات بين العراق وجيرانه وخصوصا المملكة العربية السعودية، وذلك بهدف تسهيل الاستفراد به واتخاذه مجال نفوذ لها.
لكنّ الأمر قد يكون اختلف جزئيا مع رغبة طهران في استدراج الرياض إلى حوار شكلي وتبريد الصراع معها. ولذلك لم تستبعد مصادر سياسية أن تكون القيادة الإيرانية بصدد استخدام العلاقة الجيدة التي يقيمها رئيس الوزراء العراقي الحالي مصطفى الكاظمي مع القيادة السعودية لإقناع الأخيرة بما ترغب فيه طهران من حوار على طريقتها ووفقا لمحدّداتها.
وقلّل شاهو القره داغي مستشار مركز العراق الجديد للبحوث والدراسات الاستراتيجية من أهمية تصريحات ظريف معتبرا أنّها جاءت في الإطار الرسمي الدبلوماسي.
وقال في تصريحات لـ”العرب”، “لو كانت هذه التصريحات تشكل البناء الأساسي للعلاقات بين البلدين لكانت العلاقات طبيعية مثل دول العالم، ولكن ظريف نفسه يشتكي من سيطرة الحرس الثوري على الخارجية الإيرانية والتحكم فيها، وهذا يعني أن إيران الثورة وليس إيران الدولة من يلعب الدور الحقيقي على أرض الواقع”.
كما اعتبر القره داغي أنّ “إيران لو أرادت إقامة علاقات طبيعية واستقرار للعراق لما استمرت في دعم الميليشيات الطائفية وفواعل اللادولة التي تساهم بشكل مباشر في ضرب أمن البلد واستقراره وتحويله إلى دولة هشة وفاشلة”.
وأكّد وجود “ازدواجية واضحة في الخطاب الإيراني، فمن جهة يؤكد الإيرانيون احترام العراق، ومن جهة أخرى يعتبرونه جزءا من محور المقاومة وبالتالي دولة فاقدة للسيادة. وفي الحقيقة هم يعتبرون العراق مجرد ممر لنقل السلاح والميليشيات ومركزا لتهديد باقي الدول، ولا يتعاملون معه كدولة طبيعية إطلاقا”.
ووصل وزير الخارجية الإيراني إلى العراق في ظل أخبار غير مؤكّدة تتناقلها وسائل إعلام إيرانية وأجنبية بشأن قيام الجانب العراقي برعاية اجتماع بين مسؤولين إيرانيين وسعوديين في بغداد الشهر الماضي.
وقال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره الإيراني إنّ مناقشات جرت مع ظريف حول مواضيع مهمة تتعلق بالمنطقة.
وأضاف أنّ “أساس السياسة الخارجية العراقية هو بناء علاقات متوازنة مع الجميع ودفع الوضع إلى التهدئة”. كما أشار إلى أنه ناقش مع “ظريف العلاقات الخليجية الإيرانية وتقييم الدور العراقي في هذا المسار”.
ومن جانبه دعا الرئيس العراقي برهم صالح خلال استقباله وزير الخارجية الإيراني إلى ضرورة الالتزام بالحوار لتجاوز الصراعات والخلافات التي تواجهها المنطقة”، مؤكدا أن بلاده تعمل على تخفيف التوتر والأزمات في المحيط الإقليمي.
واعتبر المحلل السياسي العراقي صالح الحمداني أن “موقف إيران الدولة يختلف عن ايران الثورة رغم أن هناك بعض التشابه في نظرة الجهتين في بعض المسائل”.
صالح الحمداني: لا حل سوى تقوية الداخل العراقي بوجه النفوذ الخارجي
وقال في تصريح لـ”العرب” إنّ هناك “رغبة لدى إيران في استخدام نفوذها في العراق كورقة مهمة في التفاوض مع الغرب حول الاتفاق النووي”.
وأضاف “ايران خطر على العراق والمنطقة بسبب سلوك نظامها الحالي، ولا علاج سوى تقوية الداخل العراقي وتوحيد قواه السياسية والاجتماعية من أجل مصالح البلاد العليا وعدم القبول بنفوذ أي دولة”.
ورغم تمكّن إيران من توطيد نفوذها في العراق طيلة السنوات الماضية عن طريق علاقاتها بالطبقة العراقية الحاكمة، إلاّ أنّها أصبحت خلال السنوات الماضية قلقة على مستقبل ذلك النفوذ نظرا لفشل حلفائها في قيادة البلد وخسارتهم ثقة الشارع الذي دفعه سوء الظروف الاقتصادية والاجتماعية إلى تفجير انتفاضة عارمة قبل أكثر من سنتين تدرّج خلالها من المطالبة بالإصلاح إلى رفع شعار إسقاط النظام.
وتؤكّد مصادر متعدّدة مشاركة إيران في قمع تلك الانتفاضة عبر تقديم الاستشارة للسلطات الأمنية العراقية وأيضا بتأطير الميليشيات التي شاركت في قمع المحتجّين وقتلهم واختطاف نشطاء الحراك الاحتجاجي وترهيبهم.
كذلك لا تعتبر طهران الحكومة العراقية الحالية بقيادة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في مستوى باقي حلفائها الثقات الذين قادوا الحكومات السابقة، حيث شرع الكاظمي في محاولة إقامة علاقات خارجية للعراق تقوم على حدّ أدنى من التوازن من خلال تحرّكه صوب بلدان الخليج.
وكثيرا ما يتّهم سياسيون وقادة ميليشيات شيعية عراقية رئيس الوزراء بالتبعية إلى الولايات المتّحدة الأمر الذي يعتبره متابعون للشأن العراقي صدى لتوجّس إيران من تراجع نفوذها في العراق.
ويكرّس توظيف إيران للميليشيات في صراع النفوذ في العراق حالة عدم الاستقرار في البلد، ويؤثر سلبا على علاقاته الخارجية، وهو ما يتجسّد في تعرّض تلك الفصائل الطائفية في الوقت الحالي لمصالح الولايات المتحدة العسكرية والدبلوماسية داخل الأراضي العراقية وذلك في إطار الصراع بين طهران وواشنطن.
صحيفة العرب