تركيا وباكستان وأذربيجان.. نمو متعثر لكتلة إسلامية لا تدرك حقائق وضعها الاقتصادي

تركيا وباكستان وأذربيجان.. نمو متعثر لكتلة إسلامية لا تدرك حقائق وضعها الاقتصادي

تبدو ولادة الكتلة الإسلامية الناشئة المكونة من ثلاث دول، وهي تركيا وأذربيجان وباكستان، ممكنة من الناحية النظرية، لكنّ نمو “محور الشرّ الجديد” هذا وبقاءه وضمان ديمومته أمور مرتبطة بالوقائع الجيواستراتيجية وتداخلات اللاعبين الرئيسيين على الساحة الدولية. فلا تزال أذربيجان أرضا روسية أكثر منها أرضا تركية ولا تزال باكستان أرضا صينية، وبين هاتين الحقيقتين التاريخيتين تحاول أنقرة دعم نفوذها الإقليمي والبحث عن منافذ جديدة لاقتصادها عبر بناء تحالفات متنوعة هربا من أزماتها.

لندن – تسعى تركيا من خلال اللعب على وتر الروابط التاريخية والعرقية والدينية القوية في آسيا الوسطى وخاصة مع كل من باكستان وأذربيجان إلى تشكيل كتلة جيواستراتيجية تحت مظلة تحالف استراتيجي ناشئ.

وبينما تبقى تركيا عضوا في حلف الأطلسي (الناتو) ومرشحة للانضمام إلى نادي الدول الأوروبية الثرية، تتمتع أذربيجان بمصادر نفطية غنيّة وقدرات عسكرية متنامية، أما الطرف الثالث فهي باكستان البلد الإسلامي الوحيد في العالم الذي يمتلك أسلحة نووية.

ويبدو أن هذا التكتل، الذي أعلن عن نفسه في يناير الماضي تحت عنوان “إعلان إسلام أباد” لا يعي جيدا حقائق وضعه الاقتصادي، فجميع الدول الثلاث تعيش أوضاعا صعبة من الناحية المالية ولا يمكن لها أن تحقق أهدافها.

ويشبّه بوراك بكديل المحلل التركي الزميل في منتدى الشرق الأوسط بالولايات المتحدة في تحليل نشره مركز بيغين السادات للبحوث الاستراتيجية، هذه الكتلة بأنها عبارة عن ثلاثة أطفال يلعبون دور رعاة البقر بينما يبتسم آباؤهم ويشاهدونهم وسيبقى ذووهم على هذه الحال حتى يحين الوقت الذي يشعرون فيه بالخطر على مصالحهم.

يطلق البعض على هذه المجموعة الثلاثية “محور الشرّ الجديد”، بينما يسميها آخرون “محور الشر ضد الهند وأرمينيا”. فمن وجهة نظر الأتراك وفي مقدمتهم الرئيس رجب طيّب أردوغان، تعد أذربيجان وباكستان وبنغلاديش ثلاثية نادرة من البلدان التي لم تكن لديها أي خلافات سياسية معها.

وفي المقابل كانت باكستان وبنغلاديش حليفتين روحيتين لتركيا منذ أوائل القرن العشرين نظرا لدينهما المشترك والخبرة المماثلة في خوض حروب الاستقلال مع القوى الغربية. كما تتمتع أذربيجان بعلاقات أعمق مع تركيا، حيث تشتركان في قرابة عرقية ولغوية. ويبقى “أمة واحدة، دولتان” الشعار الذي يستخدمه القادة الأتراك والأذريون لوصف الأخوّة بين بلديهما.

ويقول بكديل إنه بالإضافة إلى توفير أرضية سياسية خصبة للشراكة الاستراتيجية، قد يكثف التعاون العسكري الحالي بقيادة تركيا أساس التحالف. فلطالما كانت أنقرة داعما قويا لباكستان في نزاعها الأساسي مع الهند حول كشمير، مما تسبب في اندلاع صراع بين أنقرة ونيودلهي.

وكان الرئيس أردوغان قد ذكر في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام الماضي قائلا “ندعم حل قضية كشمير من خلال الحوار وقرارات الأمم المتحدة مع الأخذ بعين الاعتبار تطلعات إخوتنا في كشمير”.

وأدانت الهند تصريح أردوغان، مدّعية أنها “تشكل تدخلا فاضحا في شؤون الهند الداخلية”، واعتبرتها غير مقبولة تماما، حيث يجب أن تتعلم تركيا احترام سيادة الدول الأخرى والتفكير في سياساتها بشكل أعمق.

أنشأت تركيا وباكستان في العام 1988 مجموعة استشارية عسكرية تهدف إلى تعزيز العلاقات الشرائية العسكرية والدفاعية. ومع تعميق التعاون، توسعت المجموعة وتطورت إلى مجلس تعاون استراتيجي رفيع المستوى.

وفي مطلع السنة الماضية، شارك أردوغان ورئيس الوزراء الباكستاني عمران خان في رئاسة جلسة مجلس التعاون السادسة، ووقعا 13 مذكرة تفاهم تمحورت خمس منها حول صناعة الدفاع.

ومع بداية هذه الألفية وقعت تركيا وباكستان عقدا مهمّا لبيع أربع طرادات متعددة الأغراض كجزء من برنامج السفن الحربية الوطنية. وقال المدير العام لشركة أسفات الحكومية التابعة لوزارة الدفاع التركية إسعاد أكغون، إن امتلاك باكستان لأربع طرادات ضمن برنامج السفن الحربية الوطنية سيغير التوازن في المنطقة وسيحمل البلاد إلى منصب صانع ألعاب في الفريق.

وكانت الشركة التركية لصناعات الفضاء قد وقعت في العام 2018 عقدا بقيمة 1.5 مليار دولار لبيع 30 طائرة هليكوبتر هجومية من طراز تي 129 إلى باكستان. ومع ذلك، لم تتقدّم الصفقة، حيث فشلت الشركة التركية في تأمين تراخيص تصدير أميركية لإتمام العقد.

وتعتبر تي 129 طائرة هليكوبتر هجومية ذات محرك مزدوج متعددة الأدوار تم إنتاجها بموجب ترخيص من الشركة الإيطالية البريطانية أغستاوستلاند. وتُصنع محركات تلك المروحيات ضمن مشروع مشترك بين هانيويل الأميركية ورولز رويس البريطانية.

وحتى تبقى علاقات التعاون العسكري قائمة، فقد وافقت باكستان مرة أخرى على تمديد صفقة تي 129 مع تركيا. وقال رئيس مؤسسة الصناعات الدفاعية التركية إسماعيل دمير للصحافيين في مارس الماضي “لقد حصلنا على تمديد لمدة ستة أشهر من باكستان”.

ولكن في ضوء معارضة واشنطن المستمرة لشراء أنقرة لنظام الدفاع الجوي الروسي الصنع أس – 400، قال مسؤول مشتريات كبير آخر في تركيا لموقع “ديفنس نيوز”، إن التمديد لا يعني أن الصفقة ستنجح في النهاية. وأكد أن هذه ليست قضية تكنولوجية أو تجارية بل إنها سياسية بحتة، وأنه طالما “ظلت أسباب الحصار الأميركي سارية سيكون ما يبدو أنه صفقة تركية باكستانية ضحية لنزاع تركي أميركي”.

وفي يونيو الماضي، أعلنت أذربيجان أنها تخطط لشراء طائرات دون طيار تركية الصنع ولا تزال الجهود متواصلة في هذا الاتجاه. وقال وزير الدفاع الأذري ذاكر حسنوف “الآن نحقق النتائج”. وخلال الشهر نفسه، وافق البرلمان الأذري على مشروع قانون لتلقي المساعدة المالية من تركيا لاستخدامها في شراء أنظمة الأسلحة.

وكانت تلك خطوة في توقيت مثالي من جانب أذربيجان، فبعد أربعة أشهر فقط دخلت أذربيجان وأرمينيا الحرب مرة أخرى بسبب الخلافات الحدودية والسيطرة على منطقة ناغورني قرة باغ.

وكان هناك إجماع بين المراقبين العسكريين على أن الطائرات دون طيار تركية الصنع من طراز بيرقدار تي.بي 2 قد غيرت قواعد اللعبة في الحرب لصالح أذربيجان. وقد أرسلت تركيا معدات عسكرية ومدربين آخرين إلى البلاد، إلى جانب الآلاف من المقاتلين السوريين.

وأظهرت لقطات مصورة على حساب “كلاش ريبورت” المرتبط بالجيش التركي على تويتر سلسلة من ضربات بيرقدار تي.بي 2، التي تستهدف مواقع أرمنية. وتُظهر لقطات مصورة أخرى نشرتها وزارة الدفاع الأذرية ما يُقال إنها مسيّرات تركية من نفس الطراز تنتقي القوات الأرمنية وتستخدم المعلومات لتحديد إطلاق صواريخ مميتة من أماكن أخرى.

يرى بكديل أنه من الناحية النظرية، يمكن أن تتمكن صناعة الدفاع التركية المزدهرة من الوصول إلى التكنولوجيا العسكرية الصينية عبر باكستان، حليف بكين، بما في ذلك تكنولوجيا الطائرات المقاتلة المهمة التي تحتاجها تركيا على الفور. كما بقيت تركيا خارج نطاق غضب التنين بسبب صمتها المستمر في مواجهة القمع الصيني لأقلية الإيغور، وهي عرقية تركية.

وفي حين تتحسّن العلاقات التجارية الثنائية، وتعتمد تركيا التي تعاني من ضائقة مالية بشكل متزايد على الاستثمار الصيني، لكن كل ذلك قد لا يؤهل تركيا لتكون شريكا استراتيجيا يتمتع بإمكانية الوصول إلى التكنولوجيا العسكرية الصينية المتقدمة.

ويشرح المحلل التركي ذلك ضمن عاملين رئيسيين، الأول: لا تميل بكين إلى اتخاذ قرارات استراتيجية بناء على التطورات السياسية التكتيكية والموسمية. وتعتبر تركيا أردوغان تهديدا إسلاميا وانفصاليا محتملا.

أما العامل الثاني، فيتعلق بالذكريات المريرة للتعاون العسكري الاستراتيجي الفاشل السابق بين أنقرة وبكين، والتي لا تزال حية في أذهان الصينيين، على الرغم من أنها قد تكون منسية في تركيا.

ففي سبتمبر 2013، أحدثت تركيا صدمة لحلفائها الغربيين لمّا اختارت الشركة الصينية لتصدير واستيراد الآلات الدقيقة لبناء أول نظام دفاع جوي طويل المدى ومضاد للصواريخ. ولكنها سرعان ما ألغت، تحت ضغط من حلف الناتو والغرب، الصفقة الأولية مع الشركة وفتحت منافسة دولية جديدة لنفس العقد. ومهدت تلك المنافسة المتجددة الطريق أمام نظام أس – 400 روسي الصنع لدخول المخزون التركي.

وعلى المدى الأقصى، يُعدّ التحالف الجديد مفيدا لكل من المصالح الروسية والصينية لأنه سيعني المزيد من المشاركة التركية شرقا وإضعافا إضافيا لعلاقاتها المتوترة بالفعل مع المؤسسات الغربية، بما في ذلك الناتو. وبرأي بكديل فإنه لا شك في أن موسكو وبكين ستتمتعان بشكوك الغرب حول العضو بدوام جزئي في التحالف الغربي.

العرب