إحدى ليالي أكتوبر 2020، دخلت الشرطة إلى منزل شفان سعيد وسحبته من سريره وضربته أمام أفراد عائلته، وفق ما يروي شقيقه في كردستان في شمال العراق.
وعلى مدى شهرين، يقول إيهان سعيد البالغ من العمر 27 عاما إنه لم يتلق أي أخبار عن شقيقه (36 عاما) الناشط في حزب معارض في شيلادزي، مسقط رأسه بالقرب من الحدود التركية.
وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في بيان صدر مؤخرا “بعد مرور شهرين سُمح له بالاتصال بزوجته وإخبارها بأنه لدى ‘الأشايس’، قوات أمن إقليم كردستان، في أربيل”.
ومثُل سعيد أمام قاض في 16 فبراير، وحُكم عليه بالسجن ست سنوات بتهمة “زعزعة استقرار إقليم كردستان”. كما أدين في القضية نفسها الناشط هاريوان عيسى والصحافيون أياز كرم بروشكي وكوهدار محمد زيباري وشيروان شيرواني، رئيس تحرير مجلة بشور الشهرية، وحكم عليهم بالعقوبة نفسها.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن محاكمتهم حصلت “من دون السماح لهم بمقابلة محاميهم خلال التحقيقات وجلسات الاستجواب”.
لكن مستشار الشؤون الدولية في حكومة إقليم كردستان ديندار زيباري ذكر في رسالة إلى لجنة حماية الصحافيين أن المعتقلين “تمكنوا من الاتصال بمحامين” وأن “الاستئناف جار”.
وأضاف أن “حكومة إقليم كردستان لا تتدخل في الإجراءات القضائية”.
وكان ألقي القبض على المدانين الخمسة بعد اندلاع احتجاجات ضد حكومة إقليم كردستان والأحزاب السياسية الرئيسية في المنطقة في مدن مختلفة أواخر العام الماضي، بسبب أزمة مالية كبيرة تسببت في تأخير رواتب القطاع العام وخفض الرواتب.
وشرواني معروف بتحقيقاته في الفساد، وقد انتقد رئيس وزراء إقليم كردستان مسرور بارزاني على صفحته على فيسبوك، قبل أن يعتقل في منزله في السابع من أكتوبر، بحسب ناشطين أكراد، “دون سبب قانوني أو أمر قضائي”.
لكن رئيس هيئة حقوق الإنسان التابعة لحكومة إقليم كردستان ضياء بطرس يؤكد أن “الأجهزة الأمنية لا تستطيع أن تعتقل شخصا من دون أمر صادر عن المحكمة المختصة”.
وأقرّ بوجود “حالات تعامل غير سليمة بعد إلقاء القبض” على أشخاص، مشيرا إلى أن “بعض أفراد القوات الأمنية يتعاملون بخشونة قد تصل في بعض الأحيان إلى الضرب أو الإهانة”.
وقال محامي شرواني إن هذا الأخير لم يكن قادرا على الوقوف أثناء المحاكمة بسبب إصابة.
ونقلت “هيومن رايتس ووتش” عن المحامي قوله إن موكله اتهم الأسايش بتهديده باغتصاب زوجته ووالدته إن لم يوقّع على الاعتراف، مضيفا أن “القاضي لم يتأثر بهذه الادعاءات”.
ولا يزال ناشطان آخران، هما المدرس بدل برواري المعتقل منذ أغسطس 2020 لانضمامه إلى الاحتجاجات في دهوك، والصحافي أوميد حاجي، رهن الاعتقال رغم إعادة قضيتهما إلى قاضي التحقيق لعدم كفاية الأدلة، فيما تجمع النيابة المزيد من الأدلة.
وتقول الباحثة في هيومن رايتس ووتش بلقيس والي “المحاكمات المعيبة في إقليم كردستان ليست بالأمر الجديد”.
وتشير إلى أن “هذه الإدانات الأخيرة لا تُؤدي إلا إلى تفاقم تدهور سمعة إقليم كردستان العراق كمكان يواجه فيه الناس محاكمات جنائية غير عادلة لمجرد انتقاد السياسات الحكومية التي يعترضون عليها، أو التعبير عن مخاوفهم من النخب السياسية”.
وبحسب رئيس مركز إنماء الديمقراطية وحقوق الإنسان في السليمانية كارزان فاضل، “هناك 74 معتقلا سياسيا في سجون مديرية الأمن في أربيل ودهوك”، جميعهم “معارضون أو متظاهرون اعتقلوا عشوائيا بتهم تمس الأمن أو الإرهاب”.
وفي السليمانية، أدت تظاهرات العام الماضي إلى مقتل ثمانية متظاهرين، بعضهم مراهقون، وما زالت عائلاتهم تنتظر تحقيق العدالة في قضيتهم.
كما ألقي القبض على هامش التظاهرات على عدد كبير من الأشخاص وأفرج عن معظمهم في ما بعد، لكن لا يزال العشرات منهم في دهوك وأربيل موقوفين.
ويقول فاضل “عندما يعتقلون شخصا ويفتحون ملف التحقيق يوجهون له تهما ثم يُرسل إلى المحكمة مع ملفات التحقيق الذي أجراه جهاز الأمن ومكافحة الإرهاب”.
العديد من النشطاء مازالوا يقبعون في السجون بعد أن تم توجيه اتهامات مختلفة لهم وهي اتهامات ومحاكمات يصفها المدافعون عن حقوق الإنسان بأنها جائرة
وقال محامو المدانين في 16 فبراير لهيومن رايتس ووتش إنه لم يُسمح لهم بالاطلاع على ملفات القضية قبل المحاكمة.
ونقلت المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان عن مصادر مطلعة على المحاكمة أن “ضابطا من الأسايش لم يكن عضوا في فريق الادعاء، كان يقف ويرفع يده من حين إلى آخر خلال المحاكمة، فيسمح له القاضي بتقديم أدلة جديدة لم يطلع عليها الدفاع من قبل”. ولم يسمح للدفاع باستجواب الضابط.
وكان مسرور بارزاني اتهم في مؤتمر صحافي بعض المعتقلين بأنهم “جواسيس” لدول أخرى، والبعض الآخر “مخربون”.
وأكدت هيومن رايتس ووتش أن عنصرا من الأسايش قدّم صورة كان شيرواني نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي معلقا عليها إن الرحلات الجوية بين تركيا وكردستان التي عُلّقت لبعض الوقت، قد استؤنِفت، واعتبر ذلك دليلا على أن شيرواني جاسوس.
وأشار تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأميركية حول حقوق الإنسان في كردستان إلى أن “كبار قادة حكومة إقليم كردستان استخدموا نفوذهم في قضايا حساسة سياسيا”.
وأضاف أن “أعداد القضايا المرفوعة ضد الصحافيين من مسؤولي الإقليم ازدادت”، مستندة في الكثير من الأحيان إلى قانون الجرائم الإلكترونية بدلا من قانون الصحافة.
ويقول علي محمود (55 عاما)، وهو ناشط حقوقي في أربيل، “غالبية نشطاء المجتمع المدني غير تابعين للأحزاب الحاكمة في الإقليم ويخضعون إلى مراقبة من الأجهزة الأمنية (…) وأنا من ضمنهم”.
ويشير إلى أن “مساحة صغيرة من الحرية كانت موجودة في السابق، لكنها باتت تتلاشى بسبب الحكومة الجديدة والقيود التي فرضتها أزمة كورونا، بمعنى أن الحكومة باتت تسيطر على هذه المساحة الصغيرة من الحرية”.
العرب