في تقرير أعدته آمي كين في صحيفة “نيويورك تايمز” قالت فيه “عندما أمرت الحكومة النساء ومعظمهن من المجتمع المسلم باستخدام لولب منع الحمل، حاولت “قلب النور صديق” الحصول على إعفاء، وأخبرت المسؤولين في شنجيانغ أن عمرها 50 عاما وأنها نفذت أوامر الحكومة ولم تنجب سوى طفلا واحدا” و”لكن بدون جدوى حيث هددني العمال الصحيون بأخذي إلى الشرطة حال واصلت المقاومة. ثم استسلمت وذهبت إلى عيادة الحكومة التي استخدم فيها طبيب ملقطا حديديا وأدخله في رحمي لمنع الحمل وبكيت طوال العملية”. وقالت “شعرت أنني لم أعد امرأة طبيعية” حيث كانت تخنقها العبرات وهي تصف ما حدث لها في 2017 و”كأنني فقدت شيئا”.
وتعلق كين أن السلطات تحاول تشجيع النساء حول الصين على الإنجاب لوقف الأزمة الديمغرافية. ولكنها في مناطق المسلمين بشمال غرب البلاد تقوم بالتضييق على المسلمين. وتعلق أن هذا هو جزء من عملية إعادة هندسة اجتماعية يقوم بها الحزب الشيوعي الصيني لقتل أي تحد لحكمه وتحديدا ما يراه دعوات الانفصال الإثنية. وفي السنوات الاخيرة تحرك الحزب الشيوعي تحت قيادة زعيمه الرئيس شي جينبينغ لإخضاع الإيغور وبقية الأقليات ذات الأصول من وسط آسيا، ووضعت مئات الألاف في معسكرات الإعتقال والسجون. ووضعت السلطات المنطقة تحت رقابة شديدة وأرسلت السكان للعمل في المصانع ووضعت الأطفال في مراكز الأيتام.
تحاول السلطات الصينية تشجيع النساء على الإنجاب لوقف الأزمة الديمغرافية. ولكنها في مناطق المسلمين بشمال غرب البلاد تقوم بالتضييق على المسلمين
ومن خلال استهداف النساء المسلمات تحاول السلطات القيام بتحول ديمغرافي سيؤثر على السكان ولأجيال. وقد تراجعت معدلات الولادة في السنوات الأخيرة من خلال عمليات تحديد النسل، كما وثقها الباحث أدريان زينز مع وكالة أنباء أسوسيتدبرس. وفي الوقت الذي تقول فيه السلطات إن الجهود طوعية إلا أن مقابلات مع عدة نساء من الإيغور والقزق وبقية الأقليات المسلمة بالإضافة للوثائق والتقارير الحكومية والإحصائيات الرسمية تظهر أن الجهود هي محاولة تصحيح من الحزب الشيوعي للتحكم في حق الإنتاج. وفرضت السلطات على النساء وضع اللولب أو التعقيم. ووضعن في البيوت للتعافي وأرسل المسؤولون إلى البيوت للعيش وتسجيل أي مظهر من مظاهر السخط. ووصفت احدى النساء أنه كان عليها تحمل محاولات المسؤول احتضانها ولمسها. لو كان لدى العائلات عدد من الأطفال ورفضت عمليات الحد من النسل فإنها تواجه غرامات ضخمة أو أسوأ من هذا السجن. وفي السجن يتعرضن النساء لمخاطر كبيرة، مثل الانتهاك الجنسي. وقالت معتقلات سابقات إنهن أجبرن على تناول الأدوية التي أوقفت دورتهن الشهرية. وقالت أخرى إنها اغتصبت في معسكر الاعتقال.
وبالنسبة للحكومات الغربية والناشطين فعمليات قمع واضطهاد الإيغور في شنجيانغ هي جرائم ضد الإنسانية وإبادة. وكانت الإدارة الأمريكية أول حكومة تعترف بإبادة الإيغور في كانون الثاني/يناير، حيث كان السبب في الاعتراف محاولات الصين التحكم بالإنجاب. وأكدت حكومة جوزيف بايدن هذا القرار. وكانت شهادة صديق التي نشرتها صحيفة “الغارديان” وصحف أخرى سببا في قرار الولايات المتحدة.
فرضت السلطات على النساء وضع اللولب أو التعقيم. ووضعن في البيوت للتعافي وأرسل المسؤولون إلى البيوت للعيش وتسجيل أي مظهر من مظاهر السخط
وقالت كيلي كاري، السفيرة الأمريكية السابقة التي شاركت في نقاشات الإدارة، “كانت أكثر الروايات الشخصية من الدرجة الأولى التي حصلنا عليها” و”ساعدت في وضع حقيقي على الإحصائيات التي كنا نراها”. وكان تراجع معدلات النسل الأخيرة سببا كما تقول الحكومة لتطبيق السلطات قيود الإنجاب. وقالت إن التعقيم وتركيب اللولب في الرحم ساعد على تحرير المرأة من المواقف الرجعية والإنجاب والدين. وقال جو غويجيانغ، المتحدث باسم حكومة شنجيانغ، إن “اختيار تحديد النسل أو اختيار عملية منع الحمل هي من اختياراتهن” و”لن يتدخل أحد او أ ي مؤسسة”. وبالنسبة لنساء شنجيانغ فالأوامر الحكومية كانت واضحة: لا خيار لديهن. وفي العام الماضي قام عامل اجتماعي في أورمقي، العاصمة الإقليمية حيث عاشت صديق بإرسال رسائل قال فيها إن النساء أجبرن على الخضوع لفحص الحمل وتحديد النسل. وقال “ومن تقاتلتنا على الباب وترفض التعاون فيعني أنك ستذهبين إلى مركز الشرطة”.
وشاهدت الصحيفة لقطة للرسالة من على هاتف صديق. وفي رسالة أخرى “لا تقامري بحياتك” و “لا تحاولي أبدا”.
وظلت صديق وهي من الأوزبك تنظر لنفسها على أنها مواطنة نموذجية. وبعد تخرجها من الكلية تزوجت وركزت على عملها كمدرسة للغة الصينية لتلاميذ المدارس الإبتدائية. وكانت تعرف القوانين ولم تنجب إلا بعد حصولها على إذن من مسؤولها، ولم تنجب سوى طفلة في 1993. وكان بإمكانها إنجاب طفلين، فقد سمحت القوانين في حينه لأبناء الأقليات أن يكون لهم عائلات كبيرة مقارنة مع الهان، غالبية الصينيين، وبخاصة إن كانوا في الريف. بل وأعطت السلطات شهادة تكريم لصديق لأنها التزمت بالقوانين. كل هذا تغير عام 2017، حيث بدأت الحكومة بسجن الإيغور والقزق في مخيمات اعتقال، ومع الاعتقال زادت من معدلات التعقيم وتحديد النسل حيث زادت المعدلات ستة أضعاف في الفترة ما بين 2015- 2018. وكانت الحملة في شنجيانغ متناقضة مع حملة تشجيع النسل التي بدأت عام 2015 على مستوى البلد، حيث قدمت دعما للعائلات وعملية نزع اللولب بالمجان. وزادت حصة الإقليم من لولب تحديد النسل في الفترة ما بين 2015- 2018 بمعدلات عالية في وقت انخفضت المستويات في كل البلد. ويبدو أن محاولات التحكم بالنسل قد نجحت. وبحسب زينز فقد انخفضت معدلات الولادة في المناطق التي تسكنها الأقليات في الفترة ما بين 2015- 2018. ويرى زينز أن مستويات الإنخفاض تواصلت حتى 2019 وأكثر من نسبة 50% المسجلة في عام 2018.
ويقول وانغ فينغ، استاذ علم الإجتماع والخبير في الصين بجامعة كاليفورنيا إن انخفاض معدلات الولادة كان “صادما” ونتيجة لحملة فرض تحديد النسل. وربما كانت هناك عوامل أخرى مثل انخفاض عدد النساء في سن الحمل أو تأجيل الحمل أو تأخير الزواج كما يقول.
وفي محاولة من الحكومة لدفع النقد عنها فقد قامت بحجب الإحصائيات التي تصدرها سنويا بما فيها معدلات الولادة وتحديد النسل لعام 2019. وتم تصوير الحملة بالمنطقة في إعلام بيجين على أنها انتصار للمرأة المسلمة. وفي تقرير لمركز بحثي حكومي في تشنجيانع “في عملية التعقيم تم تحرير عقول بعض النساء” و”تجنب ألم الوقوع في مصيدة المتطرفين والتحول إلى أداة انتاج”. وبالنسبة للنساء اللاتي أطعن الأوامر مثل صديق، فقد عانين، فبعد تركيب اللولب أصيبت بنزيف مما أدى بها لنزعه سرا وإعادة تركيبه لتقرر التعقيم في 2019. وقالت صديق” كانت الحكومة متشددة ولم أعد قادرة على تحمل اللولب” و”فقدت الأمل في نفسي”. وتواجه نساء الإيغور اللاتي لا يطعن الأوامر الحجز مقارنة مع نساء الهان اللاتي يخرقن قوانين تحديد النسل، حيث يدفعن غرامات.
وعندما أنجبت غولنار أوميرزاك ابنها الثالث سجله المسؤولون في قريتها الشمالية، لكنهم قالوا لها إنها خرقت الأوامر وعليها دفع 2.700 دولار كغرامة. وهددها المسؤولون بالسجن مع ابنتيها إن لم تدفع. واقترضت المال من أقاربها وهربت لاحقا إلى قزخستان. وقالت إن النساء في شنجيانغ يواجهن الخطر و”الحكومة تريد استبدال شعبنا”، كما أن التهديد بالسجن حقيقية. وقالت النساء إنهن قابلن في المعتقل نساء اتهمن بخرق قوانين تحيد النسل.
وقالت دينا نورباييف، من إثنية القزق إنها ساعدت امرأة لكتابة رسالة إلى السلطات لامت فيها نفسها وقالت إنها كانت جاهلة عندما أنجبت المزيد من الأطفال. وتم تأكيد هذه الروايات بتقرير من 137 صفحة سرب العام الماضي من منطقة كاراكاكس، في جنوب شنجيانغ والذي أشار أن من الأسباب الشائعة للسجن هو خرق قوانين تحديد النسل. ومن ترفض الإجهاض أو دفع الغرامة فإنها تحال إلى معسكرات الاعتقال، وذلك حسب تقرير حكومي من منطقة إيلي. وعندما تختفي المرأة في معسكرات الاعتقال تعاني من التحقيق القاسي والتعذيب ولا يعرف أحد عنها. واعتقلت تيرسوناي ضياء الدين في معسكر بإيلي لعشرة أشهر لأنها سافرت إلى قزخستان. وقالت إنه تم أخذها في ثلاث مناسبات إلى زنزانة معتمة حيث اغتصبها رجال ملثمون ووضعوا في داخلها عصا كهربائيا. وقالت ضياء الدين “تصبحين لعبتهم”. وتعيش الآن في الولايات المتحدة، حيث قالت في مكالمة هاتفية وهي تغالب الدمع “تتمنين الموت ولسوء الحظ لا يأتي”. وقال المعتقلة الثالثة السابقة غولهار جليلويا إن محققا أثناء التحقيق كشف عن عضوه التناسلي وطلب منها ممارسة الجنس بالفم. ووصفت الثلاث مع اثنتان أخيرتان كيف أجبرن على تناول الحبوب والحقن التي أصابتهن بالغثيان. ولم يتم التأكد من رواية المعتقلات بسبب السرية التي تحيط بالمعتقلات. لكن جو، المتحدث باسم الحكومة نفى هذه الإتهامات حيث قال “التعذيب والإغتصاب غير موجودين”. وحاولت الحكومة الصينية تشويه النساء اللاتي قدمن شهادات ووصفن بالكذب والانحطاط الأخلاقي.
ولم تكن النساء يشعرن بالأمان حتى في بيوتهن حيث كانت كوادر الحزب الشيوعي تحضر بدون موعد وتطلب الدخول. وأرسلت الحكومة أكثر من مليون عامل كجزء من محاولاتها مراقبة المسلمين والإقامة أحيانا مع العائلات ضمن برنامج “الرفقة وتشكيل عائلة واحدة”. بالنسبة للإيغور لم يكن الكادر مختلفا عن الجواسيس. ومن مهامهم الإبلاغ عن اي مظهر من مظاهر التطرف في البيت، ومراقبة إن كانت النساء حانقات بشأن عمليات تحديد النسل.
وعندما جاءت كوادر الحزب في 2018 إلى بيت زمريت داوود، كانت قد خرجت من العيادة بعد عملية تعقيم. وجاء أربعة من كوادر الحزب ومعهم البيض والحليب لمساعدتها في التعافي، ولكنهم وجهوا أيضا لها أسئلة مثل: هل لديك أي موقف من عملية التعقيم؟ هل هي غير راضية عن سياسة الحكومة. و”كنت خائفة من ارسالي للمعتقلات لو أجبت الجواب الخطأ”. لكن عين واحد من الكوادر وعمره 19 عاما وقع على ابنتها البالغة من العمر 11 عاما وطلب أخذها إلى بيته، واستطاعت منعه بالتعلل أنها مريضة. وتحدثت نسوة عن محاولات لمس وتحرش حتى بوجود أزواجهن. وكانت صديق تتعافى من عملية التعقيم عندما حضر مسؤول زوجها، وتوقع منها الطبخ له، رغم معاناتها، بل وأسوأ من هذه كان يحاول الإمساك بيدها وتقبيلها وحضنها. ورضيت بطلباته خشية أن يخبر عنها للحكومة وأنها متطرفة، ولكنها رفضته عندما أراد النوم معها. وظل هذا يحدث كل شهر ولمدة عامين حتى هربت من البلاد. وتذكرت أنه يقول لها “هل أنت معجبة بي، هل تحبينني” و”رفضك لي هو رفض للحكومة” و”لم يكن بيدي حيلة”، تقول.
القدس العربي