العراقية رحاب طه “عالمة الجمرة الخبيثة”.. لماذا اعتقلتها القوات الأميركية؟

العراقية رحاب طه “عالمة الجمرة الخبيثة”.. لماذا اعتقلتها القوات الأميركية؟

برز اسم العالمة العراقية الدكتورة رحاب رشيد طه العزاوي خلال التسعينيات عندما اتهمتها واشنطن بإدارة برنامج الأسلحة البيولوجية العراقية، لكن العراق نفى تلك المزاعم آنذاك.

وعلى الرغم من كونها ليست ضمن قائمة المطلوبين لعناصر النظام العراقي السابق، أعلنت القوات الأميركية اعتقالها في 11 مايو/أيار 2003 بغية التحقيق معها بشأن امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، وبعد اعتقال دام أكثر من عامين أُفرج عنها لتغادر العراق إلى اليمن عام 2006.

“الكلام على الدكتورة رحاب العزاوي يأخذنا إلى سيرة واحدة من كبار علماء العراق في مجال البحوث البيولوجية، الذين صنعوا مجدا في مرحلة ما من تاريخ البلاد”، حسب ما يقول الباحث والأكاديمي عبد الرحمن الشيخ علي.

ويضيف -للجزيرة نت- أن رحاب من مواليد بغداد 1957، حيث واصلت مسيرتها التعليمية بتفوق وتخرجت في تخصص علم الأحياء المجهرية، وعام 1984 حصلت على شهادة الدكتوراه بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف في مجال السموم النباتية، من جامعة إيست إنجليا في بريطانيا.

ويتابع أنها من علماء العراق في هذا التخصص النادر والحيوي والفعال، وهو من التخصصات التي يستفاد منها في الاستخدامات العسكرية والمدنية، لكن الأمر لم يصل بالعراق إلى استخدامه في أسلحة عسكرية وغير تقليدية.

حاسوب بشري
ويشير الشيخ علي إلى أن اختصاصها الدقيق في مجال الأحياء المجهرية دفع وسائل الإعلام الأميركية والبريطانية إلى أن تطلق عليها لقب “الدكتورة جرثومة” و”الجمرة الخبيثة” مروجين بأنها مسؤولة عن برنامج العراق للأسلحة الجرثومية، مؤكدا بطلان هذه الادّعاءات.

ويشيد بموقفها عندما رفضت الاتهامات الأميركية بامتلاك العراق أسلحة بيولوجية، ودافعت عن علماء العراق وحقهم في مواصلة البحوث العلمية بعيدا عن الضغوط الدولية وكذلك حريتهم في رفض التعاون مع فرق التفتيش، وكان ذلك في مقابلة مع محطة “بي بي سي” (BBC) البريطانية قبل أشهر من الغزو الأميركي للعراق عام 2003.

ويلفت إلى أن الأيام أثبتت صحة موقفها عندما لم يعثر المفتشون الدوليون على أي دليل على وجود تلك الأسلحة المزعومة سواء قبل الغزو أو بعده.

ويصنفها ضمن العلماء المتقدمين الذين يفخر بهم العراق، ولقّبت بـ”الحاسوب البشري” لأنها كرّست حياتها لبحوث البيولوجيا والجراثيم وعرف عنها الجدّ والانضباط الكبير، ومن الأشياء الجميلة أن فنجان القهوة لا يفارقها وهي تعتز لكونها باحثة متعمقة في مجال اختصاصها تقضي ساعات طويلة في المختبر دون ملل أو كلل.

اعتقالها
والسبب الرئيس لاعتقالها هو ذريعة الغزو الأميركي للعراق نفسها، إذ كان مسوّغه الأساس هو موضوع أسلحة الدمار الشامل، كما يقول الكاتب والمؤرخ وسيم رفعت العاني.

ويبيّن -للجزيرة نت- أن الإدارة الأميركية حاولت بكل الوسائل العثور على أي دليل يثبت امتلاك العراق سلاح دمار شامل، أو على الأقل أنه يمتلك برنامجا لتجنب الإحراج الخارجي والداخلي نتيجة غزو العراق دون تفويض من مجلس الأمن الدولي.

ويضيف أن الأجهزة المخابراتية الأميركية كانت ترغب أن تتوصل إلى أبرز الداعمين لبرامج العراق لتطوير الأسلحة، لأن التعرف عليهم يسهل منعهم من مساعدة دول أخرى.

وكذلك يتحدث عادل محمد العليان، أستاذ التاريخ السياسي الحديث والمعاصر، عن خضوع العزاوي لتحقيقات أجرتها معها مجموعة من القوات الأميركية المختصة بالتسلح الجرثومي، فضلًا عن خبراء من وكالة المخابرات المركزية الأميركية.

ويبيّن للجزيرة نت أن تلك التحقيقات لم تثمر شيئا سوى تأكيد الدكتورة العزاوي أن لا أسلحة تدمير شامل في العراق، وأن كل ما تحدث به النظام السابق بهذا الشأن كان صحيحا لا لبس فيه، من أن هذا النوع من الأسلحة قد تم التخلص منها أواسط تسعينيات القرن الماضي وبصورة كاملة.

وعن ملابسات الإفراج عنها يقول العليان إنه في ديسمبر/كانون الأول 2005 أُطلق سراح 22 سجينا من الشخصيات “ذوي القيمة العالية”، بمن فيهم رحاب العزاوي، دون توجيه تهم إليهم وذلك بعد يومين من الانتخابات الوطنية العراقية، بعد أكثر من 30 شهرا قضتها في الحبس.

موسوعة علمية
وبعد إطلاق سراح العزاوي وصلت في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2006 إلى العاصمة اليمنية صنعاء بصحبة ابنتها، وقدمت أوراقها يوم السبت الثاني من ديسمبر/كانون الأول إلى جامعة صنعاء الملاذ الآمن لقدرتها العقلية في مجالها، وعيّنت بقرار جمهوري في كلية العلوم بجامعة صنعاء في قسم الأحياء، شعبة الأحياء الدقيقة، فكانت من أكثر الكوادر تأثيرا في البحث العلمي، حسب العليان.

وفي هذا السياق يعتقد أحد طلابها السابقين، وهو الناشط اليمني الإعلامي عمران شهبين، أنها اختارت اليمن بحكم العلاقة الطيبة بين البلدين، إذ إن كثيرا من العراقيين جاؤوا إلى اليمن في تلك الحقبة.

ويضيف للجزيرة نت أنها أصبحت أستاذة الميكروبيولوجي في كلية العلوم بجامعة صنعاء، وكان حديثها يقتصر على الجوانب العلمية فقط وتتجنب السياسة.

ويصفها بأنها الأقوى علميا بين الأساتذة الذين تعامل معهم في حياته العلمية والثقافة والأكاديمية، واصفا إياها بأنها بحر علمي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وفي أثناء دراسته البكالوريوس والماجستير لم يجد أحدا بالمستوى الذي كانت عليه.

ويتابع شهبين أنه عندما قررت الدكتورة رحاب مغادرة اليمن أقامت لها الجامعة حفل وداع كبير حضره عميد الكلية ونائب رئيس الجامعة، وكرّمها زملاؤها وطلابها وكذلك إدارة الجامعة، والجميع كان حزينا على مغادرتها فقد كانت إضافة كبيرة في جامعة صنعاء.

وفي سياق متصل يقول جلال محمد هاجر متخصص الطب المخبري في اليمن، إنه تخرج على يد الدكتورة رحاب في جامعه صنعاء، مشيرا إلى أنها أشرفت على كثير من البحوث ورسائل الماجستير والدكتوراه، وكذلك أشرفت على أحد بحوثه العلمية.

ويضيف -للجزيرة نت- أنهم كانوا يعدّونها موسوعة علمية، وكانت تشرح المحاضرات دون حاجة إلى الاستعانة بالكتاب، وتتعامل بحزم مع الطلاب، لافتا إلى أن الطلبة كانوا يعملون ألف حساب لمحاضراتها لأهميتها ودسامة معلوماتها.

ويلفت هاجر إلى أنها رفضت أن يخصصوا لها سائقا أو سيارة من جامعه صنعاء، وكانت تنتقل من سكنها إلى أي مكان بوسائل النقل الجماعية.

ويكشف عن ملاحظتهم وجود آثار تعذيب في يديها في صورة حروق قديمة أو قيود، وعندما استفسروا عن ذلك أخبرت طالباتها بأنها سجنت وعذّبت.

وبعد سنوات قضتها الدكتورة رحاب في اليمن غادرت إلى الأردن للالتحاق بزوجها الفريق المهندس عامر رشيد العبيدي -آخر وزير للنفط قبل الغزو الأميركي عام 2003- الذي أفرجت عنه القوات الأميركية لعدم ثبوت الأدلة ضده، بعد اعتقال طال أكثر من 10 سنوات.

المصدر : الجزيرة