الجدل يتصاعد حول دخول العسكريين عالم السياسة في تونس

الجدل يتصاعد حول دخول العسكريين عالم السياسة في تونس

أعاد بيان الجمعيات التي تُدافع عن العسكريين المتقاعدين في تونس حول أحقية مشاركتهم في الحياة السياسية الجدل إلى الواجهة بشأن هذه المسألة، خاصة أن هذا البيان طالب بحق العسكريين في ممارسة العمل السياسي مع المحافظة على رتبهم العسكرية.

تونس – تصاعد الجدل في تونس بشأن اقتحام رجال المؤسسة العسكرية عالم السياسة، وذلك في أعقاب إصدار عسكريين متقاعدين بيانات تعبر عن مواقف من الأزمة السياسية المستمرة ما أثار توجسا من تدخل محتمل للمؤسسة في المشهد العام.

وفي سياق هذا الجدل دعت جمعيات تمثل العسكريين المتقاعدين إلى تمكينهم من حقهم في ممارسة العمل السياسي بصفاتهم القديمة أي بصفاتهم العسكرية.

وأضافت تلك الجمعيات، وهي جمعية قدماء ضباط الجيش الوطني والجمعية التونسية للعسكريين المتقاعدين وودادية القوات الخاصة، في بيان مشترك أنها تثمن “المواقف الإيجابية لأغلب الإعلاميين ووسائل الإعلام السمعي والبصري التي كانت في مستوى المسؤولية والإدراك للموضوع من جانبه القانوني المتعلق باستحقاقات العسكريين المتقاعدين في المواطنة وحرية التعبير، وفي جانبه السياسي في الرأب بالمؤسسة العسكرية والنأي بها عن التجاذبات مهما كانت الادعاءات والحجج”.

وتابعت “نهيب بالزملاء الكرام من العسكريين المتقاعدين ممن يرغبون في الخوض في الشأن العام -والسياسي منه بالخصوص- بالتأكيد على استقلالية نشاطهم المذكور عن المؤسسة العسكرية، وتفادي ما يمكن أن يمس بها وبالأمن القومي مهما كان الاتجاه الأيديولوجي المتبع من قبلهم”.

وأوضحت الجمعيات أنها تستنكر “ما يروج له من خلال بعض المواقف من وجوب تخلي العسكريين المتقاعدين عن رتبهم عند ممارسة الشأن العام، بتعلة أن هذه الصفة تصبح لاغية مع الإحالة على التقاعد أو مغادرة الجيش. والحال أن الحقيقة غير ذلك حيث أن الرتبة العسكرية التي يكتسبها العسكري عند إحالته على شرف المهنة هي حق مكتسب، وجزء لا يتجزأ من هويته القانونية، ومقياس لمستواه العلمي والمعرفي، لا يمكن نزعه منه إلا بالتجريد في حالات خاصة يبينها القانون الجزائي الجاري به العمل”.

وتعرف تونس سجالات متصاعدة بشأن مشاركة العسكريين في الشأن السياسي حيث لم تتردد جهات سياسية في التعبير عن مخاوفها من تداعيات ذلك على مدنية الدولة أولا والعملية السياسية ثانيا.

واعتبر أحمد نجيب الشابي، رئيس الهيئة السياسية لحزب الأمل، أن “المؤسسة العسكرية في تونس محمولة على الحياد، وهي جزء من السلطة التنفيذية للدولة الخاضعة للسلطة المدنية، لذلك هم (العسكريون) كما غيرهم من بعض القطاعات الحساسة لا يتدخلون في الحياة السياسية”.

وأوضح الشابي في تصريح لـ”العرب” أنه “عندما يخرج ضابط أو جندي أو قاض من الخدمة ويصبح مواطنا عاديا مدنيا لا يُقصى من الحياة السياسية، بصفته مواطنا مدنيا لديه كل الحقوق التي يتمتع بها بقية المواطنين، مثل حق المشاركة في الحياة السياسية، لكن ذلك لا يتم عبر صفته العسكرية وإنما المدنية”.

وتابع الناشط السياسي التونسي “التكتل على أساس الصفة العسكرية يثير مشكلة، لأن عددا من الضباط تكتلوا بصفتهم السابقة العسكرية ليتدخلوا في الحياة السياسية، هذا التكتل فيه مس بالطابع المدني للحياة السياسية ويندرج في المناخ التونسي الحالي أي في إطار محاولة استدراج المؤسسة العسكرية، وذلك منافٍ للدستور ومضر بمدنية الدولة وبالديمقراطية”.

في المقابل ترتفع أصوات على استحياء لتدافع عن النشاط السياسي للعسكريين المتقاعدين وعن ضرورة أن يكون ذلك متزامنا مع الاحتفاظ برتبهم العسكرية.

وقال رئيس جمعية قدماء ضباط الجيش الوطني محمود المزوغي إن “العسكريين المتقاعدين الراغبين في النشاط السياسي لهم الحق في ذلك مع الاحتفاظ برتبهم العسكرية”.

وأضاف المزوغي في تصريحات أوردتها وكالة تونس أفريقيا للأنباء الرسمية ووجه فيها انتقادات حادة للإعلام المحلي أن “بيانات العسكريين المتقاعدين، سواء منها ما أصدره الأميرال العكروت أو ما أصدرته ثلة من ضباط الجيش، خلقت سوء فهم بسبب صفتهم العسكرية، لكن على وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني عدم الخلط بين المؤسسة العسكرية وبعض المتقاعدين الراغبين في العمل السياسي بصفتهم الشخصية”.

وكانت مجموعة من العسكريين قد أصدرت بيانا في وقت سابق تحت عنوان “الأمل الأخير لإنقاذ البلاد”، ويحمّل الرئيس قيس سعيد الجانب الأكبر من الأزمة، داعين إلى حلحلتها وذلك في ظل قطيعة بين رأسي السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي).

وجاء البيان، الذي حمل توقيع وجوه بارزة لكن مراقبين رأوا فيه بصمة لحركة النهضة الإسلامية باعتبار الاتهامات التي وجهها للرئيس قيس سعيد، بُعيد إصدار الأميرال المتقاعد كمال العكروت بيانا حاد اللهجة يطالب بإنقاذ البلاد من خطر “تفكك مؤسسات الدولة” ومن “ديمقراطية شكلية وطبقة سياسية همها الاِستحواذ على السلطة بلا إنجاز”.

ولا يُخفي العكروت أن له طموحات سياسية حيث يجري لقاءات مع أطياف سياسية أخرى لـ”توحيد الجهود من أجل إنقاذ البلاد”، وذلك في الوقت الذي تتهمه فيه جهات سياسية بالعمل على استمالة أنصار الحزب الدستوري الحر برئاسة عبير موسي، وهو ما نفاه مشددا على أن “ما يجمعني بموسي أكثر مما يفرقني”.

العرب