يتوجه الإيرانيون الى صناديق الاقتراع في 18 حزيران/يونيو لانتخاب خلف للرئيس المعتدل حسن روحاني.وتأتي الانتخابات الثالثة عشرة في تاريخ الجمهورية الإسلامية (اعتبارا من العام 1979)، في ظل صعوبات اقتصادية واجتماعية، تزيدها سوءا العقوبات الأميركية وجائحة كوفيد-19.
ويخوض سبعة مرشحين غالبيتهم من المحافظين المتشددين، الدورة الأولى الأسبوع المقبل. وفي حال لم ينل أي مرشح الغالبية المطلقة، تجرى دورة اقتراع ثانية في 25 حزيران/يونيو بين المرشحين اللذين نالا العدد الأكبر من الأصوات. يعتبر إبراهيم رئيسي من أبرز المرشحين للفوز بالانتخابات الرئاسية الإيرانية.
بعد محافظ متشدد يبلغ من العمر 60 عاما. تم تعيينه من قبل خامنئي في 2016 على رأس المؤسسة الخيرية “أستان قدس رضوي” التي تتكلف بتسيير شؤون ضريح الإمام رضا (ثامن خليفة الرسول محمد حسب المذهب الشيعي) الذي يقع في نفس المدينة.
يعتبر ضريح الإمام رضا من بين أبرز مواقع الحج بالنسبة للمسلمين الشيعة ويجتذب الكثير من الأموال لهذه المؤسسة الخيرية التي تقوم بعد ذلك باستثمارها. كما تمتلك المؤسسة عقارات عديدة وأراضي زراعية وشركات في مجالات مختلفة، كالبناء والسياحة وصناعة المواد الاستهلاكية. بعبارة أخرى توصف هذه المؤسسة بالدولة داخل الدولة الإيرانية.
ترأس إبراهيم رئيسي مؤسسة “أستان قدس رضوي” لمدة ثلاث سنوات. الأمر الذي منحه قوة سياسية كبيرة ونفوذ في شتى المجالات، لأن من يترأس مثل هذه الجمعية الخيرية الغنية يعني أنه يقوم بتسيير “إمبراطورية” اقتصادية. لكن بعد ثلاث سنوات من العمل، وبعد مسيرة امتدت قرابة ثلاثة عقود في مختلف درجات السلك القضائي. عينه القائد الأعلى للثورة الإسلامية رئيسا للسلطة القضائية الإيرانية في مارس/أذار 2019 وهو منصب حساس وكلفه بـ”مكافحة الفساد”. وغداة تعيينه في هذا المنصب، شرع إبراهيم رئيسي في محاكمة مسؤولين إيرانيين كبار وقضاة بتهمة الفساد.
رفع رئيسي مجددا هذا العام شعار مواجهة “الفقر والفساد”، مركّزا على الحد من الاخلال بالواجبات الوظيفية في “الجهاز التنفيذي” للدولة. كذلك أبدى رغبته في بناء “أربعة ملايين مسكن خلال أربعة أعوام”، و”تشكيل حكومة من الشعب من أجل إيران قوية”.
يُعرف رئيسي بآرائه المحافظة والمتشددة. وسبق لمنظمات حقوقية ومعارضين خارج البلاد أن اتهموه بأداء دور، ضمن مهامه كمدعٍ عام مساعد للمحكمة الثورية في طهران، في إعدام مئات السجناء دون محاكمة في نهاية الثمانينات من القرن الماضي.
ويرى رئيسي أن المحادثات مع القوى العالمية لرفع العقوبات الأميركية عن إيران لا طائل من ورائها، ويقول “بعض السياسيين يعقدون الآمال على جلسات لمعرفة ما يمكن أن يحصلوا عليه من الغربيين، إلا أنني أنصحهم بعقد جلسات منزلية أفضل لهم لحل المشاكل”.
وبخصوص انفتاح المجتمع الإيراني على ثقافة الغرب، فهناك مخاوف من أن يعارض إبراهيم رئيسي تلك الخطوة في حال أصبح رئيسا لإيران. فهو معروف بفكره “المحافظ”. ومن بين الأدلة على ذلك منعه في 2016 لحفل فني من نوع “البوب” في مدينة مشهد الدينية بينما سمح بتنظيم نفس الحفل في مدن إيرانية كبرى أخرى.
هذا، ولا يحظى إبراهيم رئيسي بسمعة طيبة من قبل الجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان، خاصة تلك التي تمثل الجالية الإيرانية في الخارج، بل اسمه يذكر بـ”الساعات المظلمة” التي مرت بها إيران عندما كان مسؤول السلطة القضائية للبلاد.
كما احتل منصب مساعد وكيل الجمهورية للمحكمة الثورية الإيرانية في طهران خلال الثمانينيات إذ شارك في العديد من المحاكمات تم بموجبها سجن وقتل معارضين سياسيين للنظام.
ولقد ازدادت حظوظ المرشح إبراهيم رئيسي بالفوزبالانتخابات الرئاسية الإيرانية بعدما رفض مجلس قادة الثورة الإيرانية ملفات ترشح عدد من الشخصيات السياسية الإيرانية. فيما وصفته الصحافة الإصلاحية الإيرانية بـ”المرشح الذي لا يملك أي منازع”.
وحين لا يكون من بين المرشحين من يملك كاريزما أو تاريخاً سياسياً سوى واحد فقط أو اثنين على الأكثر، فإنّ العملية برمتها تصبح، في النهاية، أقرب إلى التزكية أو الاستفتاء. ويفوز دائماً الشخص المفضّل لدى السلطة الحاكمة، خصوصاً في ظلّ دعم إعلامي وترويج كبير، ليس فقط من مؤسسات الحكم، لكن أيضاً بواسطة النخب الموالية.
وفي الحالة الإيرانية، تلعب تلك النخب دوراً مهماً وحاسماً في التأثير على الرأي العام، بالإقناع وليس فقط بالإجبار. فهو مجتمع يتمتع فيه رجال الحوزة (النخب الدينية) بوضعية متميزة ومكانة رفيعة. وكذلك أهل البازار (رجال التجارة والأعمال)، إضافة بالطبع إلى الدور التنظيمي والتعبوي الضخم الذي يقوم به الحرس الثوري، من خلال تغلغله في مختلف مفاصل الدولة والحياة العامة في إيران، لحشد الناخبين وتوجيههم، ليس فقط إلى المشاركة، لكن أيضاً إلى التصويت لصالح مرشّح بعينه. وبالطبع، تصير هذه العملية – التوجيه، أسهل كثيراً في حالة غياب منافسين أقوياء، إذ توفر التصفية التي يقوم بها مجلس صيانة الدستور مشقّة المفاضلة والاختيار بين المرشّحين.
ويدرك من يعلم، وإن قليلاً، عن تركيبة مؤسسات الحكم في إيران واختصاصاتها، أنّ قرارات مجلس صيانة الدستور ليست إلاّ تجسيداً لإرادة السلطة الأعلى، وهي المرشد. ولأنّ للمرشد مكانة تعلو كلّ المؤسسات والمناصب، يلعب مجلس صيانة الدستور دور يده ولسانه. ويتحمّل في الوقت نفسه ردود الفعل والانتقادات التي لا يمكن لأحد توجيهها إلى المرشد مباشرة، على الرغم من أنّ كلّ الإيرانيين على يقين بأنّ ما يصدر عن المجلس هو ترجمة لإرادة هذا المرشد ورغباته. ومعنى ذلك أنّ خامنئي يريد إبراهيم رئيسي رئيساً لإيران. وهو ما يفسره بعضهم بالرغبة في إحكام سيطرة المحافظين على مؤسسات الحكم كاملة. وهو تفسيرٌ صحيح لكنّه ليس الوحيد، وإلاّ لما تم استبعاد مرشّحين آخرين محافظين، تولى بعضهم مناصب رفيعة من قبل. التفسير الأقرب أنّ لرئيسي ثقلاً ومكانة لدى دوائر الحكم الإيرانية أكبر من كلّ منافسيه، إلى حد أنّه المرشّح الأوفر حظاً لخلافة خامنئي في منصب المرشد. وسيكون توليه الرئاسة الخطوة الأخيرة في عملية تأهيله للمنصب الأكبر، وتأكيداً نهائياً لتزكيته من خامنئي لخلافته، خصوصاً أنّ خامنئي نفسه كان رئيساً قبل أن يعتلي منصة الإرشاد بعد وفاة الخميني.
يرى بعض الإيرانيين في إبراهيم رئيسي أيضا الخليفة المحتمل للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي، الذي يعاني من المرض منذ عدة سنين. واحتلاله حاليا منصب نائب رئيس “مجلس الخبراء” الإيراني، الذي يملك الصلاحية الكاملة في تعيين خلف للمرشد الأعلى في حال توفي هذا الأخير، يمنحه حظوظ أكبر للوصول إلى ذلك.
وجدير بالذكر أن علي خامنئي كان رئيسا لإيران قبل أن يعين في 1989 مرشدا أعلى للثورة الإسلامية بعد وفاة الإمام الخميني. وفي حال فاز رئيسي بالانتخابات الرئاسية، فهذا قد يعزز حظوظه لتولي منصب المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية في حال وفاة علي خامنئي.
وحدة الدراسات الإيرانية