تستمر عملية التجاذبات السياسية والصراعات الشخصية ضمن حلقة التيارات الحاكمة في طهران وأصبحت تأثيراتها واضحة داخل المجتمع الايراني وتتصاعد حدة هذه المناكفات كلما أقترب موعد الانتخابات الرئلسية في الثامن عشر من حزيران 2021 وبدأت تتأخذ أبعادا سياسية وبتحديات داخلية مباشرة تخشى أن لا تتم عملية اتمام الانتخابات بصورة سليمة وبسعي حثيث لمشاركة جماهيرية شعبية واسعة يسعى اليها أقطاب السياسة الايرانية والمتحكمين بالقرار السياسي النافذ في طهران .
جاء دور المرشد علي خامنئي الذي استشعر حالة عدم الرغبة الكاملة والمباشرة لأبناء الشعوب الايرانية في الذهاب الى مراكز الاقتراع والمشاركة الفعلية في تحديد المسارات القادمة لإختيار رئيس قادم لإيران وبدأت المخاوف تتأخذ مواقف خطيرة بالتصريحات التي أعلنها التيار الاصلاحي والمعتدل الذي بين بصورة غير مباشرة بعدم مشاركته بالانتخابات أو دعم أي مرشح إضافة الى تصريحات العديد من المسؤولين الايرانين والقياديين البارزين في النظام والذين استبعدوا بالاجراءات التي إتخذها مجلس صيانة الدستور والابقاء على (7) مرشحين معظمهم من تيار التيار المتشدد المحافظ وهذا ما جعل الأغلبية من المواطنين الايرانين يعزفون عن المشاركة وتحديدا الشباب الذي رأى نفسه مهمشا وبعيدا عن اهتمامات النظام وادراكه لمتطلبات وتوجهات المجتمع الايراني الذي قاد عدة تظاهرات عديدة ابتدأت في سنوات (2017-2018-2019) وجوبهت بالقمع والاعتقال والقتل من قبل الاجهزة الأمنية والاستخبارية التابعة للنظام الحاكم في طهران .
كانت لهذه المواقف والاجراءات ردود أفعال عديدة استشعرتها القيادة الايرانية فجاء حديث علي خامنئي في الرابع من حزيران 2021 بتحديد الأطر السياسية واستخدام اللغة الدينية الايديولوجية في مخاطبة الشعوب الايرانية وتحفيزها على المشاركة في الانتخابات القادمة واعتبارها (واجب شرعي ديني ) والابتعاد عنها وعدم الترويج لها يدخل في باب العداء (للاسلام والنظام والديمقراطية الدينية) ولكي يعطي مساحة واضحة من التوجيه الخاص الذي أدلى به إستدرك في حديثه وأشار الى أن هناك ظلم وقمع باستبعاد بعض المرشحين في اشارة الى أبرزهم وهم (علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى السابق والمحسوب على التيار المحافظ المعتدل ومحمود أحمدي نجادي الرئيس الايراني السابق لدورتين متتالتين واسحق جهانغيري ناب الرئيس الايراني الحالي حسن روحاني والذي يعتبر من أبرز الشخصيات في التيار الاصلاحي ) وبعد الرسالة التي وحهها الرئيس روحاني لخامنئي طالبا منه التدخل بعد استبعاد العديد من الشخصيات البارزة من الترشيح للموقع الرئاسي .
أدرك المرشد علي خامنئي أن شرعية النظام السياسي مرهونة بالمشاركة الشعبية يوم 18 حزيران 2021 وعدم استجابة الجمهور الايراني للإنتخابات وتحديدا الشخصيات المقبولة من مجلس صيانة الدستور سيفقد السباق الانتخابي حالته التنافسية ويكون بعيد عن حقيقة الاختيار الأمثل لعملية التغيير المنشودة من قبل العديد من القطاعات المجتمعية داخل ايران والتي عبرت عنها الاحتجاجات الشعبية في الأعوام الماضية .
أراد علي خامنئي من رسالته للشعوب الايرانية ومجلس صيانة الدستور أن يبعد نفسه عن الاجراءات التي قام بها المجلس والأزمة الداخلية السياسية التي أحدثتها عملية الاختيارات والاستبعاد للعديد من المرشحين رغم معرفة جميع التيارات والأوساط السياسية بقدرة ونفوذ خامنئي على جميع القرارات الصادرة في ايران ومنها القرارات المتعلقة بطبيعة عمل مجلس صيانة الدستور المعين من قبل المرشد خامنئي ، وفي هذه الأجواء السياسية تم تداول احتمالية عودة (علي لاريجاني ) الى المنافسة على موقع الرئاسة الايرانية كونه من المقربين ومن رجالات المرشد الأعلى وعمله كرئيس للبرلمان الايراني مدة (12) سنة خرها في عام 2020 ويشغل الأن منصب أحد مستشاري خامنئي ، وانتظر لاريجاني أسبوعا كاملا ولكنه لم يرى أي تغيير في موقف المجلس من الموافقة على عودته للمنافسة مما حدى به للتصريح يوم 12 حزيران 2021 طابا شرح الأسباب والحقائق بصورة كاملة وواضحة لعدم الموافقة على ترشيحه .
تعطي هذه التصريحات والداولات صورة واضحة للصراعات السياسية والاختلافات الميدانية لأقطاب النظام الايراني الذي يعمل جاهدا لإنجاح مسار الانتخابات خاصة بعد الاستطلاع الذي قام به مركز طلاب ايران وتوصل الى أن نسبة المشاركة في الانتخابات القادمة سيبلغ 34% وهذه المؤشرات الخطيرة هي التي يحاول النظام الايراني التغلب عليها والافصاح عن نيته في احداث تغيير سياسي في طبيعة توجهات النظام والسعي لإختيار (ادارة اسلامية حكيمة ) لتصحيح مسارات الاحداث القائمة في ايران .
لا زالت القوى السياسية المتنفذة في ايران تدرك حقيقة الهيمنة والنفوذ التي يتمتع بها علي خامنئي والصلاحيات الممنوحة اليه وسيطرته على القرار السياسي ، ولهذا فهي ترى أن مسؤولية الرئيس الايراني القادم ستحدد في كيفية معالجة الأزمات السياسية والاقتصادية التي يعاني منها النظام وتحديدا العلاقة السياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية وطبيعة المسار التفاوضي لكيفية ايجاد الأرضية الميدانية لإستعادة الاتفاق حول البرنامج النووي الايراني ورفع العقوبات الاقتصادية عن ايران ، وهذا قد لا يتمكن منه الرئيبس القادم بسبب عدم استقلاليته في اتخاذ القرارات المركزية إلا بالرجوع الى الرأي الخاص والتوجيه العام للمرشد خامنئي وهذه احدى المعوقات التي تؤثر على مسارات السياسة الخارجية الايرانية خاصة وأن التيار المحافظ لا يزال يرفع شعارات الممانعة والرفض لأي إتفاق جديد مع الدول الأوربية الراعية للمفاوضات في فيينا ويرفض تقديم التنازلات بشأن برنامج الأسلحة البالستية والنفوذ العسكري لمليشيات الحرس الثوري الايراني داخل العراق وسوريا واليمن ، اضافة الى سعي علي خامنئي لدعم شخصية سياسية تدين له بالولاء وأكثر استجابة لقراراته وتوجهاته في المشهد الداخلي والخارجي لإيران.
وحدة الدراسات الإيرانية