قضايا البيئة والمناخ خارج حسابات الحكومات في تونس

قضايا البيئة والمناخ خارج حسابات الحكومات في تونس

طالب أنصار المناخ والبيئة في تونس خلال وقفة احتجاجية مؤخرا، بـ”عدالة مناخية” في البلاد، وبتبني سياسة مناخية قادرة على مواجهة الكوارث الطبيعية والأوبئة، تأخذ بعين الاعتبار انعكاسات التغير المناخي على الأوضاع الاجتماعية، حيث تدفع الطبقات المهمشة والفقيرة ثمن هذه الظواهر، في حين مازالت الحكومة لا تولي أزمة المناخ الأولوية الكافية رغم تداعياتها الوخيمة على الاقتصاد.

تونس – ألهمت التحركات الاحتجاجية لأنصار حماية المناخ في العالم، نشطاء البيئة والمناخ في تونس لإطلاق احتجاجات مماثلة للمطالبة بـ”عدالة مناخية” في البلاد.

ورفع المحتجون أمام مبنى المسرح البلدي بالعاصمة في الآونة الأخيرة لافتات للتنديد بعجز الحكومة عن إدارة الكوارث الطبيعية، أبرزها «أين سياستنا المناخية؟» و»نريد تربية مناخية في تونس».

وفيما تؤكد الحكومة حرصها على مراجعة سياستها المناخية، وفق ما نصت عليه اتفاقية باريس للمناخ بشأن تقليل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري والتكيف مع تغيرات المناخية، إلا أن جهودها تبقى غير كافية وفق خبراء. وعلى العكس لا يبدو ملف المناخ ضمن أولوياتها بسبب انشغالها بمعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة وانهماكها في معارك النفوذ والصلاحيات.

ويشكل تحقيق عدالة مناخية تحديا حقيقيا أمام تونس خاصة وأنها من الدول الأكثر عرضة للتغيرات المناخية القصوى في منطقة شمال أفريقيا حسب المؤشر العالمي لمخاطر المناخ الصادرة سنة 2020.

وتعني العدالة المناخية أن تتحمل الدول الأكثر تلويثا للبيئة والمناخ تكاليف خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري والملوثة للمياه، وتهدف إلى فرض سياسات تنموية صديقة للبيئة والقطع مع السياسات الحكومية السابقة التي لم تحقق النتائج المنتظرة وتوفير الإمكانيات المالية بشكل متوازن بين جميع المدن لمواجهة المخاطر البيئية.

ومع أن تونس تنتمي إلى الدول النامية الأقل تسببا في هذه الظواهر، إلا أنها تدفع باهظا ثمن التغير المناخي مقارنة بالدول المتقدمة، وذلك ناجم عن نقص في الإمكانيات والدعم للتكيف مع تأثيرات تغير المناخ.

وأشارت ريما رحماني عضو جمعية “الشبيبة من أجل مناخ” (غير حكومية) إلى أن “تفشي فايروس كورونا جعلنا نتأكد أن تونس غير قادرة على مجابهة أي جائحة عالمية أو كارثة طبيعية”. كما أشارت رحماني إلى افتقار بلادها “لتشريعات أو سياسات أو خطط بيئية للحد من آثار التغيرات المناخية التي من الممكن أن تهدد البلاد كالفيضانات والجفاف وارتفاع منسوب المياه”.

وكانت جمعية “الشبيبة من أجل المناخ” قد دعت إلى تنظيم الوقفة، احتجاجا على انفجار مصنع بالمنطقة الصناعية لمحافظة قابس (جنوب) السبت ما أودى بحياة 6 أشخاص. وتعاني قابس من مشاكل التلوث الناتج عن تسرب الغازات السامة للوحدات الكيميائية بالمجمع الكيميائي، إضافة إلى وجود إفرازات لمادة “الفوسفوجيبس” التي يتم ضخها مباشرة في البحر المتوسط.

وأوضحت رحماني لـ”العرب”، “نطالب بالعدالة المناخية والاجتماعية.. كما نندد باللامبالاة والإهمال السياسي لقضايا المناخ وما ينجر عنها من أثار بيئية خطيرة”.

وتشير إلى أن “التحديات التي تواجه تونس في تحقيق العدالة المناخية هي قلة الوعي البيئي والفهم العلمي والاجتماعي للأزمة المناخية لدى الشعب عامة والسياسيين خاصة”. وهو برأيها ما جعل من الطبقة الحاكمة دون علم أو استباق للمشاكل المناخية التي قد لا تفهم مأتاها أو حتى علاقتها بالمشاكل الاجتماعية التي تعيشها البلاد. كما أن أغلبية الحلول التي تطبق في تونس لمواجهة الكوارث الطبيعة ليست إلا حلولا ترقيعية ووقتية لا تحمي فعليا من الفيضانات أو الجفاف، حسب تعبيرها.

وتلفت إلى أن المسؤولين يفشلون في ربط المشاكل الاجتماعية والصحية بتلك البيئية، ولا تبدو الحكومة مستعدة لمواجهة أي مخاطر بيئية مرتقبة في ظل اهتراء المنظومة الصحية والتعليمية، والذي يضر أساسا بالطبقات المهمشة.

وتتابع “تونس غير مستعدة لمزيد من الأوبئة التي ستتسبب التغيرات المناخية في تفشيها في المستقبل القريب”.

وتؤكد على ضرورة فهم المسؤولين العلاقة بين التغيرات المناخية والأزمات الاجتماعية وخاصة السعي لتحسين البنية التحتية للبلاد في قطاعات الصحة والتعليم والنقل.

وتتوقع أن تواجه تونس تحديات عديدة لتطبيق العدالة المناخية نظرا لتأخرنا في مجال استدامة البيئة.

وتطالب حركة الشبيبة من أجل المناخ الحكومة بضرورة إدراج التربية المناخية والبيئية في جميع المنشآت التربوية العمومية ضمن البرامج المدرسية لدى الناشئة التونسية، وذلك بهدف تثقيف الأجيال الشابة والقادمة حول التهديد الأول الذي يواجه البشرية وهو تغير المناخ.

وعلى الرغم من الصعوبات والتدهور الاقتصادي، تعتقد رحماني أنه بالإمكان البدء في العمل الجدي لتحقيق العدالة المناخية، مشيرة إلى أن الأزمة المناخية هي المساهمة الأساسية في تدهور الاقتصاد التونسي والتردي الاجتماعي من تفقير وتجويع للطبقات المهمشة، والتي تتأثر بشكل أساسي من آثار التغيرات المناخية.

وسبق وأن أشارت دراسات دولية ومحلية إلى أن تونس مهددة بفقدان مواردها الطبيعية، إذ يتوقع أن تواجه نقصا حادا في محاصيل الحبوب بسبب الجفاف بمعدل الثلث من المساحة المزروعة لتصل إلى مليون هكتار فقط بحلول 2030.

ووفقا لهذه الدراسات الاستراتيجية، التي شملت وضع خطط عمل للتأقلم مع الوضع الجديد، فإن تغير المناخ سيزيد من الفقر المائي وسيساهم في تضرر المنظومات البيئية مع إمكانية انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الزراعي.

وستواجه تونس كحال العديد من دول العالم ارتفاع معدلات الحرارة وانخفاض التساقطات وارتفاع مستوى البحر وزيادة وحدة وتيرة الظواهر المناخية القصوى، ومنها بالخصوص الجفاف الحادّ والعواصف الشديدة.

وستحمل التغيرات المناخية تداعيات وخيمة على الاقتصاد، الذي يعاني أصلاً من حالة ركود وتراكم المديونية الخارجية.

وقدرت دراسة سابقة نشرتها وزارة البيئة التونسية ونقلتها تقارير إعلامية، كلفة الأضرار الناجمة عن ارتفاع مستوى سطح البحر بسبب التغيرات المناخية بما يناهز 3.6 مليار دينار إلى غاية سنة 2050، كذلك 700000 هكتار من الأراضي الساحلية مهددة بالغرق بشكل مباشر.

وفي ما يخص التداعيات الاجتماعية فقد أشار البنك الدولي إلى أنّه من المنتظر أن يحال 39000 شخص على البطالة القسرية لأسباب مناخية في تونس في السنوات المقبلة.

وربط خبراء التغيرات المناخية بالأوضاع الاجتماعية، حيث أن الفقراء الأكثر تضررا من تبعات التلوث البيئي والاحتباس الحراري والعواصف وارتفاع منسوب المياه وغيرها من الكوارث الطبيعة.

وفي ظل تواضع الإمكانيات، يطالب نشطاء المناخ في تونس بتبني سياسة مناخية تأخذ بعين الاعتبار انعكاسات التغير المناخي على الطبقات الفقيرة والمهمشة.

وأوضح زهير الحلاوي الناشط في الجمعية التونسية للتغيرات المناخية والتنمية المستديمة في حديثه لـ»العرب» «نطالب بعدالة مناخية في تونس لأنها غير مكتملة اليوم»، لافتا إلى أنها «مطلب عالمي وجزء من حركة عالمية».

وحركة العدالة المناخية هي حركة عالمية تضم مجموعة واسعة من المشاركين مثل المجتمع العلمي والجهات الفاعلة من المجتمع المدني. وتعارض تطوير الأنشطة الملوثة أو الاستخراجية واستيلاء الشركات الخاصة أو الحكومية على أراضيها أو مواردها.

وتطالب بالتصدي للتغيرات المناخية بشكل عادل، على سبيل المثال: إذا كانت ظاهرة الاحتباس الحراري ظاهرة عالمية، فإن نتائجها يتم محاربتها محليًا.

ويشير الحلاوي إلى أنه “على الدول وجميع فئات المجتمع أن تكون متوازنة وعادلة في التصدي للانعكاسات السلبية للتغيرات المناخية”.

وشرح بالقول “هناك دول لديها إمكانيات للتأقلم مع هذه الظواهر ودول عاجزة عن ذلك، في حين أنه من المفروض أن المتسبب، في هذه الظواهر هو من يتحمل تكاليف الناجمة عن الاختلال المناخي”.

وبالنسبة إلى تونس، يلفت الخبير البيئي إلى أن “العديد من المناطق تفرز في الغازات الدفيئة ولديها إمكانيات مادية مرتفعة في حين أن الانعاكسات السلبية ستنعكس على الفئات الاجتماعية الضعيفة وعلى المناطق ذات الهشاشة لمواجهة آثار التغيرات المناخية”.

وتابع “نطالب بعدالة مناخية بمعنى تحقيق توازن في توزيع المجهود الوطني للتصدي لظاهرة التغيرات المناخية باعتبار أن المجهود الوطني إلى حد الآن ضعيف”، محذرا من أن العديد من القطاعات الاقتصادية والمجالات الترابية باتت مهددة بشكل كبير بسبب التغيرات المناخية.

وينتقد نشطاء البيئة في تونس التقصير الحكومي لمواجهة أزمة المناخ، حيث لا تبدو من أولوياتها الطارئة رغم المخاطر البيئة المحدقة. ويرى هؤلاء أن ضعف الإمكانيات وعدم الاستقرار السياسي فاقما الأزمة.

وفي عام 2016، وقّعت تونس على اتفاقية باريس حول المناخ، والتي تعد أول اتفاقية دولية شاملة بشأن التغيرات المناخية بالعالم.

وتعتبر اتفاقية باريس للمناخ أول اتفاق دولي شامل حول حماية المناخ، تم التوصل إليه في 12 ديسمبر 2015 في العاصمة الفرنسية، بعد مفاوضات مطولة بين ممثلين عن 195 دولة، وتلزم المعاهدة الدول الموقعة باحتواء معدل الاحتباس الحراري.

العرب