الموصل (العراق) – اقترن تسريع السلطات العراقية لعملية إغلاق ملف النزوح الداخلي المترتّب على حقبة سيطرة تنظيم داعش على مناطق شاسعة من البلاد بين سنتي 2014 و2017 بحالة من التسرّع تسبّبت في أخطاء ونقائص في معالجة الملف خلقت مصاعب جديدة للعائدين إلى مناطقهم الأصلية، بدل إنهاء معاناتهم الطويلة.
وتمّ بموجب الخطة التي اعتمدتها وزارة الهجرة والمهجرين العراقية وحدّدت لها نهاية العام الجاري كحدّ أقصى لاستكمالها، إغلاق 172 مخيما للنزوح من مجموع المخيمات الـ174 المنتشرة بشمال وغرب ووسط العراق، على أن يتم خلال الفترة المقبلة البدء بإغلاق المخيمات الواقعة في إقليم كردستان.
وأجبرت أم وسام النازحة من قضاء الشرقاط شمالي محافظة صلاح الدين الواقعة شمالي العاصمة بغداد على العودة إلى قريتها المسماة شيالة الأمام في القضاء، من دون توفير مستلزمات العيش الأساسية كالمنزل ومتطلبات الحياة اليومية.
وتقول الأرملة العائدة إلى قريتها لوكالة الأناضول إنّ “النازحين كانوا متواجدين في مخيم حسن شام بأربيل والذي تشرف عليه وزارة الهجرة العراقية، بعضهم قرر العودة وآخرون أجبروا من قبل المسؤولين في المخيم على العودة لمناطقهم. وأنا منهم”.
وتضيف “عدت إلى قريتي التي تعرضت للدمار ولم أجد منزلي فاضطررت إلى اللجوء إلى هيكل مركبة متروكة في القرية لإيواء عائلتي المكونة من خمس فتيات، ولم نتلق منذ ذلك الحين أي مساعدات من قبل الحكومة”.
وأفادت بأنه “في المخيم كانت الأوضاع أكثر سهولة بالنسبة لنا، فالمساعدات الغذائية والطبية متوفرة. أما الآن فمن الصعوبة توفيرها”.
عائدون من مخيمات النزوح عاجزون عن إعادة بناء منازلهم المدمرة اضطروا للسكن في الخرائب وهياكل السيارات المحطّمة
أما أبووليد فقد نزح من قرية الكولات بقضاء سنجار غربي الموصل إلى مخيم دبيكة شرقي المدينة، وأجبر أيضا على العودة إلى قريته التي تعرضت للدمار الكامل في المعارك بين مسلحي داعش والقوات الحكومية بين عامي 2014 و2017.
ويقول أبووليد “عند عودتنا من رحلة النزوح الطويلة إلى قريتي وجدت منزلي عبارة عن أنقاض، فلجأت إلى هيكل منزل قريب وأقمت فيه مع عائلي”، موضحا أنّ “جميع النازحين العائدين إلى القرية لا يملكون الأموال كي يعيدوا بناء منازلهم”.
وأضاف “الخدمات المقدمة لنا في القرية متواضعة جدا والحكومة لم تقدم لنا أي مساعدات بعد عودتنا من المخيم”.
وكما هي الحال بالنسبة لمخيمات النزوح شمالي العراق أغلقت وزارة الهجرة العراقية المخيمات القليلة التي افتتحت في محافظات الجنوب عام 2014 لاستقبال نازحي مناطق الشمال، لكن وضع تلك العائلات كان أفضل من نظيراتها في الشمال.
ويقول محمد جميل النازح من قضاء تلعفر في محافظة نينوى إلى محافظة كربلاء جنوبي بغداد إنّ “الاستقرار الأمني في كربلاء وتوفر فرص العمل جعل جميع النازحين يعتمدون على أنفسهم في توفير قوت يومهم، والغالبية منهم تمكنوا من إيجاد منازل للإيجار أو حتى شرائها”.
وأوضح أنّ “المشكلة ليست في النازح بل في إدارة ملف النزوح، ففي المحافظات الشمالية التي شهدت نزوحا لو كانت هناك خطط حكومية لإعادة الاستقرار فيها وتوفير جزء من الخدمات الأساسية، لفضّل الآلاف من النازحين العودة إلى مناطقهم بشكل أسرع”.
ولا يزال الكثير من النازحين القاطنين بمخيمات النزوح في إقليم كردستان غير قادرين على العودة إلى مناطقهم الأصلية نتيجة تدمير منازلهم خلال الحرب، فضلا عن عدم توفر البنى التحتية الأساسية للخدمات وعدم استقرار الوضع الأمني.
واضطر الملايين من العراقيين للنزوح وترك منازلهم في محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين والأنبار وديالى وأطراف بغداد وأجزاء من محافظة بابل بعد منتصف عام 2014 عقب توسع سيطرة داعش على مناطق البلاد.
واستكملت القوات العراقية استعادة مدينة الموصل من سيطرة التنظيم في 10 يوليو 2017، فيما أعلنت بغداد نهاية عام 2017 طرد مسلحي داعش من جميع المحافظات التي سيطروا عليها.
ورغم الإقرار الرسمي بعدم توفير جميع المتطلبات في مناطق النزوح لإعادة العائلات إليها، إلا أن وزارة الهجرة العراقية تسعى لإغلاق آخر مخيمين للنازحين بمحافظتي نينوى والأنبار.
ولفت علي جهانكير المتحدث باسم وزارة الهجرة العراقية إلى أنّ هناك مخيمين هما الجدعة في الموصل ويضم نحو 900 عائلة نازحة، وعامرية الفلوجة ويضم نحو 600 عائلة نازحة لا يزالان غير مغلقين، مؤكّدا أن الوزارة لا تعيد أي نازح إلى منطقته قبل ضمان سلامته.
وأضاف المسؤول العراقي “الخدمات عادت تدريجيا إلى المناطق التي شهدت نزوحا، لكن لا توجد هناك خدمات مثالية فغالبية المدن العراقية تعاني من نقص الخدمات، وهذه مشكلة عامة وليست مقتصرة على مناطق النازحين”.
وقوبلت خطة الحكومة العراقية بإعادة الآلاف من النازحين إلى مناطقهم من دون وضع خطط شاملة لإعادة الإعمار، بالرفض من قبل المنظمات المعنية بحقوق الإنسان كمنظمة هيومن رايتس ووتش ومفوضية حقوق الإنسان التابعة للبرلمان العراقي التي اعتبرت أنّ العودة القسرية للنازحين تعرّض حياة الآلاف للخطر.
العرب