تعويم العملة والريعية تربك الاقتصاد العراقي

تعويم العملة والريعية تربك الاقتصاد العراقي

الباحثة شذى خليل*
يعد تعويم العملة، إحدى الآليات التي تلجأ إليها الدول في جعل سعر صرف العملة محررا بشكل كامل، بحيث لا تتدخل الحكومة أو المصرف المركزي في تحديده بشكل مباشر، وإنما يتم إفرازه تلقائيا في سوق العملات من خلال آلية العرض والطلب التي تسمح بتحديد سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية.
وتتقلب أسعار صرف العملة العائمة باستمرار مع كل تغيير يشهده العرض والطلب على العملات الأجنبية، حتى أنها يمكن أن تتغير عدة مرات في اليوم الواحد.
ومن أشكال التعويم إما أن يكون خالصا أو مُوجَّها، التعويم الخالص هو ترك تحديد سعر الصرف لقوى السوق وآلية العرض والطلب بشكل كامل، وتمتنع الدولة عن أي تدخل مباشر أو غير مباشر.
اما التعويم المُوجَّه فيتم ترك تحديد سعر الصرف لقوى السوق وآلية العرض والطلب، لكن الدولة تتدخل (عبر مصرفها المركزي) حسب الحاجة من أجل توجيه أسعار الصرف في اتجاهات معينة من خلال التأثير في حجم العرض أو الطلب على العملات الأجنبية.

كان هدف البنك المركزي العراقي من تخفيض العملة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، سعر صرف العملة المحلية (الدينار) أمام الدولار بنسبة 24%، هو إدارة أفضل للمدفوعات وللأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وأدى قرار تخفيض قيمة الدينار العراقي مع نهاية 2020، إلى إثارة بعض المخاوف الرامية إلى أن هذا التراجع في القيمة يعد تمهيدا لتعويم كامل العملة المحلية.
وبلغ سعر صرف الدولار 1470 دينارا إلى الجمهور، و 1460 دينارا للمصارف العاملة في البلاد، مقابل 1182 دينارا قبل التخفيض.
مكن هذا التخفيض حكومة الكاظمي من تجاوز أزمة كبيرة كان يمكن أن يتعرض لها العراق، حيث استطاعت الحكومة من خلال هذا التخفيض توفير الرواتب، وتسيير أمور الدولة، وتحجيم الأموال المهربة إلى الخارج، حيث أصبح الدينار يحقق هامشا اقتصاديا ضعيفا للمهربين”.
ويرى بعض الاقتصاديين ان سياسة التعويم ليست ذات فائدة حقيقية في اقتصاد العراق، كون الاقتصاد العراقي اقتصادا ريعيا يعتمد على إيرادات النفط بشكل كبير، وأن التعويم الكامل ستكون له انعكاسات سلبية على القدرة الشرائية للمستهلك العراقي وبخاصة الفئات المتوسطة والفقيرة.
ان سياسة التعويم الكامل تتطلب تنويع الاقتصاد لخلق حالة من التوازن في العرض والطلب، إلا أن هذا يعد صعبا في العراق لوجود لاعب واحد فقط في هذه المعادلة وهو البنك المركزي العراقي.
إن تخفيض قيمة الدينار مؤخرا أدى إلى ارتفاع مستوى التضخم ليصل إلى 4 في المئة بسبب انعكاس فروقات أسعار الصرف وتكاليف الواردات على المستهلك النهائي.
وارتفع معدل التضخم السنوي في ديسمبر 2020 بنسبة 3.2 في المئة على أساس سنوي، متأثرا بتغيير سعر صرف الدولار.
ويعاني الاقتصاد العراقي من انكماش بلغ 11 بالمئة في 2020، أدى إلى تفاقم نقاط الضعف الاقتصادية التي يعانيها منذ فترة طويلة، وشهد العراق أسوأ أداء للنمو في الناتج المحلي الإجمالي السنوي خلال عام 2020 ، ويظل انعدام الاستقرار، وعدم توافر فرص العمل، والفساد، وضعف تقديم الخدمات، من بين المخاطر الأهم التي تحيط بالنمو طويل الأمد في البلاد.
إن عاملي انخفاض الاسعار وانتشار الوباء إلى جانب عدم الاستقرار السياسي المستمر في البلاد، أديا إلى تضخم عجز الميزانية العراقية إلى 15.6% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، وانخفاض حاد في احتياطاته الرسمية.
وفق صندوق النقد الدولي، أظهرت توقعات صادرة عن الأمم المتحدة، انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للعراق بنسبة 10 بالمئة خلال العام الجاري، مدفوعا بالتبعات السلبية لتفشي جائحة كورونا وأزمة هبوط أسعار النفط.
إن العجز المالي يصل الى مستوى غير مسبوق يقارب 30 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي خلال العام الجاري، وأوصى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بتوسع نطاق تغطية الضمان الاجتماعي للفئات الضعيفة في العراق، وزيادة توليد الإيرادات لتمويل البرامج الحكومية الرئيسة، وتخصيص مزيد من الموارد لتطوير القطاع الخاص.

وهناك تحديات يعيشها الاقتصاد العراقي من إصلاح تنمية إدارة موارد الدولة، الفساد، سوء تخطيط، استثمارات غير واضحة، غياب دور القطاع الخاص، والكثير من المعوقات.
وقد تضررت المالية العامة للبلاد من ثنائية هبوط أسعار النفط لأدنى مستوى في عقدين، خلال وقت سابق من العام الجاري، إلى متوسط 15 دولارا للبرميل، قبل أن يصعد لاحقا لمتوسط 40 دولارا، وكما تأثرت البلاد من تراجع كميات صادرات النفط، مع التزامها باتفاقية “أوبك+” لخفض الإنتاج، القاضية بخفض الأعضاء 9.7 ملايين برميل اعتبارا من مايو/ أيار الماضي، قبل تقليص الخفض إلى 7.7 ملايين برميل اعتبارا من أغسطس/ آب الفائت حتى نهاية 2020.
ان واقع الفساد المالي والإداري يعاني من صعوبة تطبيق التعويم الكامل وتحقيق أهدافه، مما يقوده إلى الفشل، بل وزيادة تعميق المشهد الاقتصادي المتأزم.
من المفترض أن يقود التعويم إلى تحفيز الناتج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، ويؤثر تعويم العملة على قيمة النقد المحلي سواء بالارتفاع أو الانخفاض، بما يؤثر على الأسعار، التجارة الخارجية، والنمو الاقتصادي بوجه عام، هذا في حال كان نظام التعويم مفروض ومحمي بسلطة القانون والدولة.

تأثير التعويم من المنظور الاقتصادي على البلدان الصناعية المتقدمة يختلف عنه في البلدان النامية.
ففي حالة تعويم العملة باتجاه ارتفاع سعر صرفها:
إذا ما تسبب تعويم أحد العملات في ارتفاع سعر صرف هذه العملة مقابل باقي العملات، بمعنى ارتفاع سعر تعادلها مع العملات الأجنبية، كان لهذا الأمر تأثيرا سلبيا على حركة الصادرات، وذلك نظرا لارتفاع الأسعار بالنسبة للمستوردين الأجانب، مما يؤدي بدوره إلى انخفاض الطلب عليها.
وينتج عن ذلك زيادة في الواردات نتيجة لانخفاض أسعار السلع بالنسبة للمستوردين المحليين، وبالتالي يحدث عجز بالميزان التجاري.
والذي قد يؤدي إلى تحفيز رؤوس الأموال المحلية على الاتجاه للاستثمار الخارجي نظرا لتوفر فرصة استبدال وحدة العملة المحلية بعدد أكبر من وحدات العملة الأجنبية، الأمر الذي يكون له أثرا سلبيا على مدفوعات الدولة.
وتتأثر الصناعة المحلية أيضا نتيجة دخولها مجال تنافسي مع الواردات والتي تزداد مع الانخفاض النسبي للسلع الأجنبية بالنسبة للمستوردين المحليين، الأمر الذي يعمل بدوره على إحداث تباطؤ في النمو الاقتصادي وتراجع عملية الإنتاج، ويؤدي تراجع العملية الإنتاجية إلى زيادة البطالة، مما يُخِلّ بالميزان التجاري.
في حالة تعويم العملة في اتجاه انخفاض سعر صرفها:
يؤدي تعويم العملة باتجاه انخفاض سعر صرفها، أو ما يطلق عليه انخفاض سعر معادلتها ما يؤدي إلى حدوث عكس ما ذُكر من الآثار الاقتصادية المترتبة على رفع سعر العملة.

كل هذا يحتاج إلى دقة في التخطيط وسلطة القانون في العراق كونه بلدا ناميا ، ويواجه تحديات صعبة في ظل وضع اقتصادي هش وسياسي غير مستقر، والتي يجب ان تكون فوق الجميع “لكن العصابات الفاسدة ستواجه هذه الآلية برفع أسعار السلع المحلية”.
ختاما ان العراق ليس دولة فقيرة ، حيث أنه رابع أكبر دولة منتجة للنفط؛ ولديه مقدرات اقتصادية وبشرية كبيرة، وسوق كبيرة، إلا أن العراق يعاني من مشاكل سياسية بالدرجة الأولى وإدارية وبنيوية اقتصادية؛ منها الاعتماد المفرط على قطاع النفط، الذي يُشكل 95% من صادراته، و90% من إيرادات الموازنة، وكذلك يُشكل حوالي: 60% من الاقتصاد الحقيقي، وبالتالي أي تذبذب في أسعار النفط وانخفاضها يؤدي إلى معوقات مالية والى تدهور حقيقي وعائق بوجه التنمية الاقتصادية ، والعراق يستطيع رسم سياسة اقتصادية ناجحة لكن هناك جهات لا ترغب بالإصلاحات، كونها تعتاش على تعطيل الاقتصاد العراق.

وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية