أنطاليا (تركيا) – تصاعدت المخاوف المحلية والدولية من عودة العنف بشكل أوسع في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي المقرر نهاية هذا العام، وسط اتساع نطاق سيطرة حركة طالبان المتشددة على مناطق واسعة من البلاد في خطوة قد تدفع إلى فوضى شاملة.
وفي خضم تلك المخاوف تتسابق دول إقليمية إلى حجز مقعد في البلد الذي عانى ويلات تحت حكم طالبان والحروب المتتالية منذ سقوط الاتحاد السوفييتي وما تلاه من سيطرة القاعدة وطالبان والمعارك الضارية مع دخول القوات الأميركية التي أودت بحياة الآلاف من المدنيين الأفغان.
وتستغل حركة طالبان، التي دخلت في مفاوضات سلام مع الحكومة الأفغانية، الاستعدادات الأميركية لمغادرة آخر جندي أميركي لأفغانستان في الحادي عشر من سبتمبر المقبل لتوسيع نطاق أعمال العنف والسيطرة على مناطق جديدة في البلاد.
وأثار قرار الرئيس الأميركي جو بايدن سحب كل القوات الأميركية من أفغانستان مخاوف من احتمال اندلاع حرب أهلية شاملة هناك وإتاحة المجال أمام تنظيم القاعدة لإعادة بناء صفوفه والتخطيط لهجمات جديدة على الولايات المتحدة وأهداف أخرى.
وحققت طالبان مكاسب كبيرة في مختلف أنحاء أفغانستان في الأشهر الأخيرة، حيث أن محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية والمتمردين تراوح مكانها.
وأعرب عبدالله عبدالله رئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية في أفغانستان عن مخاوفه من أن طالبان لن تكون مهتمة بتسوية سياسية مع الإدارة المدعومة من الولايات المتحدة في كابول بعد مغادرة القوات الأجنبية.
وقال عبدالله في مقابلة مع وكالة أسوشيتيد برس إن “هناك مؤشرات على أن طالبان تسعى لتحقيق تقدم عسكري قبل انسحاب القوات في الـ11 من سبتمبر”، لكنه حذر من أنه إذا كان الأمر كذلك فإن الحركة المتطرفة ترتكب “سوء تقدير كبير”.
وفي الحادي عشر من سبتمبر على أبعد تقدير سيغادر ما يقرب من 2300 إلى 3500 جندي أميركي وما يقرب من 7 آلاف من قوات حلف شمال الأطلسي أفغانستان، لينتهي بذلك ما يقرب من عشرين سنة من الاشتباك العسكري في البلد المدمر.
وأوضح عبدالله أن جيران أفغانستان يجب أن يمتنعوا عن التدخل أيضا، وأن يسعوا إلى التعاون مع كابول من أجل استقرار البلاد على المدى الطويل.
عبدالله عبدالله: طالبان تسعى لتحقيق تقدم عسكري قبل الانسحاب الأميركي
وقال “سيكون للانسحاب تأثير على المفاوضات مع طالبان فقد تجد نفسها أكثر جرأة وقد تعتقد أنه يمكنها الاستفادة من الوضع عسكريًا مع الانسحاب”، لكنه اعتبر أن هذا الأمر سيكون عبارة عن “سوء تقدير كبير”، مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه لا يوجد منتصر من استمرار الحرب في أفغانستان.
واتسعت دائرة المخاوف من أن الحكومة الأفغانية وقواتها الأمنية قد تكون غير مستعدة للانسحاب الأميركي المنتظر وأن البلاد قد تنزلق إلى الفوضى.
واعتبر عبدالله أن “هناك مؤشرات على أن طالبان تحاول الاستيلاء على مقاطعات في محاولة للاستفادة من هذا الوضع”. وقال “لكنه شيء يتحدى دروس التاريخ. وإذا كان هذا هو الحال، فهذا يعني أن طالبان تختار الحل العسكري، وهو ليس حلا في البداية، ولن يحدث بالطريقة التي تصوّرتها”.
وحكمت الحركة الإسلامية المتطرفة أفغانستان حتى أطاح بها تحالف قادته الولايات المتحدة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. وفي الأسابيع الأخيرة اجتاح مسلحوها العديد من المناطق في جنوب أفغانستان وشمالها، وأقنعوا قوات الأمن الأفغانية بالاستسلام واستولوا على أسلحتهم ومركباتهم العسكرية. ووقعت أعنف المعارك في ولاية فارياب الشمالية وفي جنوب هلمند.
وردا على سؤال حول التدخل المحتمل من الجيران بعد مغادرة قوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، قال عبدالله إن الدول الإقليمية أعلنت أن لديها مصلحة في استقرار أفغانستان وأنه يجب عليها “تحويل هذه الأقوال إلى أفعال”.
وتابع “كانت هناك بعض الدول التي عانت من مخاوف بشأن وجود قوات الناتو في أفغانستان، بما في ذلك جمهورية إيران الإسلامية. الآن، لن تكون قوات الناتو هناك”.
وكان عبدالله عبدالله يتحدث على هامش منتدى دولي في أنطاليا على الساحل المتوسطي في تركيا، حيث عقد اجتماعات منفصلة مع وزراء خارجية تركيا وإيران وقطر وباكستان.
وقال عبدالله “لا أعتقد أنهم يرغبون في رؤية عدم الاستقرار في أفغانستان أو العودة إلى الأيام الخوالي لأن لدينا الكثير من المصالح المشتركة في الجوار ككل”.
وفي تحذير آخر للجيران، قال عبدالله إن الملايين من اللاجئين قد عادوا إلى أفغانستان مع استقرار البلاد، وأضاف “إذا انعكس الوضع فإن نتائج ذلك ستنعكس أيضا”.
وقال مفاوض السلام إن المحادثات بين الحكومة وطالبان، والتي كان من المقرر إجراؤها في تركيا قبل انسحاب القوات في سبتمبر، لا تزال محتملة.
وأوضح أن تركيا “قد عبّرت عن استعدادها لاستضافة مفاوضات عندما يكون الجانب الآخر مستعدّ لخوضها بجدّية”، مضيفا أن طالبان كانت في بعض الأحيان “تضع شروطا” للمشاركة في المحادثات، كما أنها انخرطت في تكتيكات المماطلة والتأجيل.
العرب