فتحت المخاوف الواسعة من انتشار كبير للسلالة الجديدة من فايروس كورونا الباب على مصراعيه للتسريع في اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لمنع تفشي العدوى وسط تساؤلات حول مدى فاعلية عمليات التلقيح وفوائدها لإيقاف الانتشار الواسع للفايروس في دول العالم.
لندن – أعادت سلالة دلتا المتحورة من فايروس كورونا عقارب الساعة إلى الوراء في بعض دول العالم مع انتشارها السريع وسط مخاوف من ارتفاع عدد حالات الإصابة بالعدوى الأشد خطورة خلال هذا الصيف.
ويحذر أخصائيون وسلطات صحية حول العالم من الانتشار السريع للسلالة الجديدة في حال لم يتم اتخاذ إجراءات فعّالة لمواجهة العدوى ومنع انتقالها بشكل كبير.
وأثارت السلالة الجديدة قلقا واسعا حول العالم خاصة في ظل المخاوف المتنامية من انتشارها الواسع خلال هذا الصيف. وفرض التطور الجديد على بعض البلدان إعادة فرض القيود وإجراءات الحجر الصحي لتجنب انتشار العدوى الأكثر تطورا من كورونا.
إنجيلا ميركل: في ضوء سلالة دلتا لا يمكننا أن نتجه نحو نهاية الجائحة
وترجمت تصريحات جديدة للمستشارة الألمانية إنجيلا ميركل حجم المخاوف والصعوبات التي تعترض طريق التخلص نهائيا من الفايروس على الرغم من عمليات التلقيح المتواصلة في أكثر من بلد حول العالم.
وتقول المستشارة الألمانية إنه “في ضوء وجود سلالة دلتا، لا يمكننا للأسف القول إننا نتجه نحو نهاية الجائحة”، مثيرة بذلك تساؤلات حول حملات التطعيم وتراجع معدلات الإصابة بالفايروس منذ ظهوره أواخر العام 2019 ووصوله إلى مرحلة الذروة خلال العام 2020.
ودفعت السلالة الجديدة من كورونا بأستراليا إلى إعادة فرض حجر في بعض أحياء سيدني، فيما أعادت إسرائيل فرض وضع الكمامة في الأماكن العامة والمؤسسات، وهي التي كانت تفاخر بأنها أول دولة خرجت من الأزمة الصحية بفضل حملة التلقيح واسعة النطاق. كما أعادت روسيا بعض الإجراءات، إضافة إلى أوزبكستان والبرتغال وإسبانيا وبعض البلدان الأخرى.
انتشار واسع
إذا كان الوباء شهد تراجعا نسبيا مع هبوط عدد الإصابات الجديدة في العالم إلى أدنى مستوى منذ فبراير الماضي بحسب منظمة الصحة العالمية، فإن المتحورة دلتا يمكن أن تتسبب بارتفاع واسع النطاق للإصابات اعتبارا من هذا الصيف إذا لم يتم القيام بشيء للتصدي لها بشكل مبكر.
وباتت سلالة دلتا التي رصدت لأول مرة في الهند حيث انتشرت اعتبارا من أبريل الماضي، موجودة الآن في 85 دولة على الأقل، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، لكن بنسب متفاوتة.
وفي أوروبا انتشرت لأول مرة بسرعة كبيرة في المملكة المتحدة، لتحل في غضون أسابيع مكان المتحورة ألفا التي ظهرت نهاية العام 2020 في جنوب شرق إنجلترا.
ومن المتوقع أن يتكرر هذا السيناريو هذا الصيف في بقية القارة الأوروبية، إذ يقدر المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومراقبتها أنه من المتوقع أن تسبب هذه المتحورة 70 في المئة من الإصابات الجديدة في الاتحاد الأوروبي بحلول مطلع أغسطس القادم و90 في المئة بنهاية الشهر نفسه.
وفي الولايات المتحدة ارتفعت الحالات الإيجابية من 10 في المئة في الخامس من يونيو إلى 35 في المئة الأسبوع الماضي. وسجلت نسبة مماثلة في إسرائيل.
تيدروس أدهانوم جيبريسوس: المزيد من العدوى يعني المزيد من السلالات الجديدة
ويفسّر هذا الانتشار السريع من خلال ميزتها التنافسية مقارنة مع السلالات الأخرى: فقد تم اعتبار هذه المتحورة أكثر عدوى من متحورة ألفا بنسبة 40 إلى 60 في المئة، وهي بدورها أكثر عدوى من السلالة السابقة المسؤولة عن الموجة الأولى من الإصابات في أوروبا.
ويرى فريق من الباحثين الفرنسيين أن نسبة تسارع انتقال العدوى لهذه المتحورة بين 50 و80 في المئة وذلك وفقا لدراسة لم تنشر نتائجها بعد تستند إلى أرقام المنطقة الباريسية.
وحذر المركز الأوروبي من “أيّ تراخ خلال فصل الصيف للتدابير غير الطبية التي كانت مطبقة مطلع يونيو ما قد يؤدي إلى زيادة سريعة وكبيرة لعدد الحالات اليومية من كل الفئات العمرية”.
وهذا الارتفاع سيؤدي إلى زيادة أعداد المرضى في المستشفيات والوفيات “التي قد تبلغ المستويات المسجلة في خريف 2020 في حال لم تتخذ أيّ تدابير إضافية”.
ويقول تيدروس أدهانوم جيبريسوس المدير العام لمنظمة الصحة العالمية إن أفضل طريقة لمنع ظهور سلالات جديدة من فايروس كورونا هي إبطاء انتقاله من المصابين به إلى غيرهم.
ويضيف أن “السلالات الجديدة متوقعة وستواصل الظهور – هذا ما تفعله الفايروسات، فهي تتطور – لكننا يمكن أن نمنع ظهور السلالات من خلال منع كوفيد – 19 من الانتقال”.
وأوضح أن الأمر ببساطة عبارة عن “المزيد من العدوى يعني المزيد من السلالات. وقليل من العدوى يعني القليل من السلالات”.
ذكرت منظمة الصحة العالمية أن وباء كوفيد يسجل حاليا ارتفاعا نسبيا في الإصابات الجديدة في العالم بعد أن تراجعت لأدنى مستوياتها منذ فبراير وانخفض عدد الوفيات. لكن العديد من البلدان مثل أندونيسيا والبرتغال وروسيا وإسرائيل تشهد زيادة في الحالات الجديدة، ويرتبط ذلك جزئيًا على الأقل بانتشار المتحورة دلتا، وتخشى دول أخرى من مُصاب مماثل.
وفي الولايات المتحدة توقع المستشار العلمي للبيت الأبيض أنتوني فاوتشي الثلاثاء الماضي “تفشي حالات جديدة للفايروس”، معتبرا أنه يفترض أن تبقى “محصورة جغرافيا” وأقل قوة من الموجات الثلاث السابقة.
وحيال هذه المخاطر دعت السلطات الصحية السكان إلى “بذل جهود أكبر” في مجال التلقيح على غرار رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستيكس ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين التي أعربت عن قلقها العميق من سلالة دلتا.
وتقول رئيسة المفوضية الأوروبية إن “التطعيم أفضل استراتيجية ضد الطفرات المتحورة من فايروس كورونا”.
وإذا كانت اللقاحات، وفقًا للعديد من الدراسات، أقل فاعلية ضد المتحورة دلتا مقارنةً بالمتحورة ألفا والسلالة الأولى، فإنها تحتفظ بمستوى عالٍ من الفعالية شرط تلقي الجرعتين.
ووفقا لنوع اللقاح، تتراوح الحماية من 92 إلى 96 في المئة لناحية مخاطر الاستشفاء ومن 60 إلى 88 في المئة ضد الإصابة المصحوبة بأعراض كوفيد الناجمة عن المتحورة دلتا، وفقًا لبيانات السلطات البريطانية.
ولكن الوقاية من الفايروس أقل بكثير مع جرعة واحدة، أي بنسبة 33 في المئة وفقا لدراسة بريطانية.
—-
وكشفت وثيقة للمركز الاوروبي موجهة إلى الرأي العام أن “جرعة واحدة غير كافية” للحماية من المتحورة دلتا “وتلقي الجرعتين ضروري لحماية الفئات الأضعف في المجتمع”.
ومن ثم فإن تلقي أكبر عدد من الأشخاص للقاح ضروري، لكنه غير كاف على الأرجح، كما أكد عالم الأوبئة أنطوان فلاهو.
ويقول فلاهو إن في بريطانيا “زيادة الحالات تتم على حساب الأشخاص الذين لم يتلقوا بعد اللقاح”. ويؤكد أن “الحد الأدنى المطلوب من مستوى التطعيم أعلى مما كنا نعتقد في البداية”، مضيفا أنه نظرا إلى العدد الكبير من الأشخاص الذين لم يتلقوا بعد اللقاح وخصوصا الشباب، فإن “خطة التلقيح وحدها غير كافية”.
ويقول سامويل أليزون عالم الأحياء المتخصص في نمذجة الأمراض المعدية إنه كلما اشتدت عدوى الفايروس، ارتفع مستوى التطعيم اللازم لتحقيق مناعة جماعية.
ويجمع العلماء أنه مع المتحورة دلتا يجب تلقيح أكثر من 80 في المئة من السكان خصوصا وأنه “لم يعد في الإمكان الاعتماد على المناعة الطبيعية” للأفراد الذي أصيبوا بكوفيد – 19 لأنها تفلت منها جزئيًا على الأقل.
وتقول أندريا أمون مديرة المركز الأوروبي لمراقبة الأمراض والوقاية منها إنه في هذه الظروف “وإلى أن تؤمّن حماية معظم الأشخاص المعرضين، علينا أن نبقي انتقال عدوى المتحورة دلتا عند أدنى مستوى من خلال تطبيق إجراءات الصحة العامة بصرامة والتي نجحت في احتواء آثار النسخ المتحورة الأخرى”.
وأعلنت بعض الدول كإسرائيل العودة إلى فرض بعض القيود وبرر رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت ذلك بالقول “نريد سكب دلو ماء على النار طالما أنها ما زالت محصورة”.
العرب