نُذر حرب أشمل في احتكاكات الميليشيات الشيعية بالجيش الأميركي في العراق

نُذر حرب أشمل في احتكاكات الميليشيات الشيعية بالجيش الأميركي في العراق

تبادل الضربات بشكل متقطّع بين القوات الأميركية والميليشيات الشيعية في العراق يمثّل في نظر المراقبين حلقات من حرب غير معلنة لا أحد يمكنه التوقّع بالمدى الذي يمكن أن تنزلق إليه، فيما تظل تأكيدات المسؤولين العراقيين بأنّهم لن يسمحوا بتحوّل بلدهم إلى ساحة حرب بين أطراف أجنبية مجرّد شعار يتجاوز تجسيده قدرات الدولة العراقية.

واشنطن – دأب كبار المسؤولين العراقيين على إعادة التأكيد عند كل احتكاك بين الميليشيات الشيعية العاملة لحساب إيران في العراق والقوات الأميركية على عدم سماحهم بأن تكون الأراضي العراقية مسرحا للحرب وتصفية الحسابات بين القوى الأجنبية المتضادة والمتنافسة، لكّن مراقبين يشكّكون في قدرات الدولة العراقية على تنفيذ ذلك الالتزام، متسائلين عن توصيف الضربات والضربات المضادّة المتكرّرة بين الميليشيات والقوات الأميركية إن لم تكن بالفعل حلقات متقطّعة من حرب لا أحد يضمن المنزلق الذي يمكن أن تؤول إليه.

وتعليقا على توجيه القوات الأميركية الأحد ضربات جوّية لميليشيات الحشد الشعبي، قال وزير الخارجيَّة العراقي فؤاد حسين إنّ بلاده لن تسمح بأن تكون ساحة حرب.

وأكد على هامش مشاركته في اجتماع التحالف الدولي ضدّ داعش الذي احتضنته العاصمة الإيطالية روما على “ضرورة احترام السيادة العراقيّة وإيقاف الانتهاكات”.

غير أن المراقبين يقولون إنّ الواقع المتجسّد على الأرض يظهر عكس كلام الوزير، إذ أنّ أوثق حليفين للنظام العراقي، إيران والولايات المتّحدة، ماضيان في تصفية حساباتهما على الأراضي العراقية ويتدرّجان نحو حرب أشمل تستخدم فيها الولايات المتّحدة قواتها المتواجدة في المنطقة بما في ذلك داخل الأراضي السورية والعراقية، فيما تخوضها إيران بواسطة الميليشيات الشيعية التابعة لها في العراق.

ولم تكن الضربات التي أمر بها الرئيس الأميركي جو بايدن على فصائل مسلحة مدعومة من إيران في سوريا والعراق الأولى من نوعها ولن تكون على الأرجح الأخيرة في ظل رئاسته حديثة العهد.

لكن السؤال المهم بالنسبة إلى بعض الديمقراطيين من حزب بايدن هو هل يرقى نمط الهجمات والهجمات المضادة هذا إلى مستوى صراع غير معلن؟ ويقول هؤلاء إنه إذا كان الأمر كذلك فهناك احتمال أن تتورط الولايات المتحدة في حرب مباشرة مع إيران دون مشاركة الكونغرس وهو أمر أصبح مشحونا سياسيا بدرجة أكبر بعد عقدين من “الحروب التي لا تنتهي”.

مايكل نايتس: استخدام الميليشيات للطائرات المسيرة يزداد خطورة

وقال السيناتور كريس ميرفي وهو ديمقراطي يرأس لجنة فرعية مهمة للعلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ لوكالة رويترز “من الصعب المجادلة بأن هذه ليست حربا نظرا لتواتر الهجمات على القوات الأميركية ومع تصاعد وتيرة ردودنا الآن”.

وأضاف “ما يقلقنا دوما هو انزلاق الولايات المتحدة إلى حرب دون أن يكون الشعب الأميركي فعليا قادرا على إبداء الرأي”.

واقترب البلدان من الصراع الذي يخشاه الديمقراطيون في 2020 عندما قتلت الولايات المتحدة قائدا عسكريا إيرانيا كبيرا وردت إيران بضربات صاروخية في العراق أصابت أكثر من مئة جندي أميركي بارتجاجات في الدماغ. وجاء ذلك في أعقاب سلسلة من الهجمات المتبادلة مع فصائل مسلحة مدعومة من إيران.

وفي أحدث جولة استهدفت طائرات مقاتلة أميركية الأحد منشآت عمليات ومستودعات أسلحة في موقعين في سوريا وموقع ثالث في العراق، في ما وصفته وزارة الدفاع الأميركية بأنه رد مباشر على هجمات بطائرات مسيرة شنتها فصائل مسلحة على قوات ومنشآت أميركية في العراق.

ويوم الاثنين استُهدفت قوات أميركية بنيران صواريخ في سوريا في ما بدا أنه رد انتقامي، لكن لم يصب أحد. ورد الجيش الأميركي باستهداف مواقع إطلاق الصواريخ بنيران المدفعية.

وقالت إيما أشفورد الزميلة المقيمة بالمجلس الأطلسي عبر تويتر “يعتقد كثيرون أن تعبير الحرب التي لا تنتهي مجرد تعبير انفعالي، لكنه في الحقيقة وصف مناسب لنوع الضربات التي شهدناها مجددا الأحد، حيث لا يوجد هدف إستراتيجي ولا نقطة نهاية واضحة (…) مجرد وجود دائم وضربات متبادلة”.

وأكد البيت الأبيض أن الضربات التي نفذت في مناطق حدودية بين سوريا والعراق، كانت تهدف إلى الحد من التصعيد وردع عمليات الفصائل المسلحة ضد القوات الأميركية في المستقبل. وقال بايدن إنها قانونية مشيرا إلى بند من الدستور الأميركي يوضح بالتفصيل سلطات الرئيس كقائد عام للقوات المسلحة، حيث أكّد “لدي السلطة بموجب المادة الثانية وحتى أولئك القابعون في أبراجهم العالية الذين يترددون في الاعتراف بذلك قد أقروا به”.

وقال برايان فينوكين المسؤول السابق بمكتب المستشار القانوني بوزارة الخارجية إنّ إدارة بايدن مثل الإدارات السابقة لا ترى تلك الحلقات باعتبارها صراعا مستمرا. ووصف الأمر بأنه نهج “شريحة السلامي”، مضيفا قوله “إنهم يصفون ذلك بأنه أعمال قتالية متقطعة”.

وقارن فينوكين الذي يعمل لدى مجموعة الأزمات الدولية ذلك “بحرب الناقلات مع إيران في ثمانينات القرن الماضي عندما كانت إدارة الرئيس رونالد ريغان في ذلك الوقت تعتبر كل جولة من القتال حدثا منفردا”.

لكن خبراء يقولون إن وجهة النظر هذه لا تأخذ في الاعتبار أن الفصائل المسلحة المدعومة من إيران تشن حملة متواصلة ومتصاعدة على الوجود العسكري الأميركي في العراق.

وحذر مايكل نايتس من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى من أن استخدام الفصائل للطائرات المسيرة يزداد خطورة على ما يبدو مع استخدام التوجيه بنظام تحديد المواقع العالمي “جي.بي.إس”.

وقال نايتس “تتزايد هجمات الفصائل العراقية على نقاط وجود التحالف في العراق كمّا ونوعا. وما لم تتم استعادة الردع ستزداد احتمالات سقوط قتلى أميركيين”.

واعتبر فيليب سميث من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أن الهدف الثانوي للفصائل بعد هدف إخراج الولايات المتحدة من المنطقة هو أن تظهر للولايات المتحدة وللحكومة العراقية وغيرهما مدى إجادتها لاستخدام الأسلحة الأكثر تطورا مثل الطائرات المسيرة الملغومة.

ويعمل أعضاء بالكونغرس في الوقت الراهن على إلغاء بعض سلطات التفويض بالحرب التي استغلها رؤساء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في تبرير هجمات سابقة على العراق وسوريا وغيرهما. لكن ذلك لن يمنع بالضرورة بايدن أو أي رئيس آخر من شن ضربات جوية دفاعية.

وقال السيناتور ميرفي بعد أن تلقى إفادة بشأن الأحداث من فريق بايدن للأمن القومي إنه ما زال يشعر بالقلق، فالقوات الأميركية موجودة في العراق لقتال تنظيم الدولة الإسلامية وليس لقتال الفصائل المدعومة من إيران.

وأضاف ميرفي أنه إذا كان بايدن قلقا من الذهاب إلى الكونغرس للحصول على سلطات شن حرب، فربما ينبغي له عندئذ تهدئة شكوك الأميركيين بشأن التدخلات في الشرق الأوسط.

وتابع “إذا واجه الكونغرس صعوبة في إجازة عمل عسكري ضد الفصائل المدعومة من إيران سيرجع ذلك بدرجة كبيرة إلى أن من نمثلهم لا يريدونه. وهذه هي الحلقة المفقودة في هذا النقاش”.

العرب