بعد الوصول لنقطة القرار في مبادرة “هيبك”.. ما الذي يجنيه السودان؟

بعد الوصول لنقطة القرار في مبادرة “هيبك”.. ما الذي يجنيه السودان؟

الخرطوم- بعد 6 أشهر من الإجراءات الاقتصادية القاسية، نجحت الحكومة السودانية في الوصول إلى نقطة القرار في ما يتعلق بالدول المثقلة بالديون، المعروفة اختصارا بـ”هيبك” (HIPC)، مما يعني اقتراب هذا البلد من الحصول على إعفاء كامل لديونه، التي تصل لنحو 60 مليار دولار.

ومنذ أواخر مارس/آذار الماضي، أبلغ صندوق النقد والبنك الدوليان مجلسيهما التنفيذيين أن تقييما أوليا يشير إلى أن السودان على وشك تلبية متطلبات الإعفاء من ديونه الخارجية، في إطار مبادرة “هيبك”.

وأطلقت مبادرة “هيبك” عام 1996 على يد صندوق النقد والبنك الدوليين، وهي اختصار لمبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون (Heavily indebted poor countries Initiative) كإطار لتخفيف عبء الديون عن البلدان المؤهلة، وتم اعتماد هذه المبادرة مع الاعتراف بأن عبء الديون الخارجية الذي لا يمكن تحمله، والذي تواجهه بعض أفقر البلدان هو سبب للنمو الاقتصادي البطيء والفقر المستمر.

وتم تصميم البرنامج للتأكد من أن أفقر البلدان في العالم التي تفي بمتطلبات الأهلية الخاصة بمبادرة “هيبك” لا تطغى عليها أعباء الديون التي لا يمكن السيطرة عليها، ويقلل من ديون البلدان المؤهلة التي تلبي معايير الإصلاح الصارمة.

ونقطة اتخاذ القرار (HIPC Decision Point) هي نقطة الانطلاق الحقيقي لتخفيف أعباء الديون، وبلوغ هذه النقطة يعني الموافقة المبدئية على منح السودان مساعدات مالية جزئية بموجب عملية “هيبك”، وبعد وصولها ستقوم لاحقا مؤسسة التنمية الدولية (IDA) وبنك التنمية الأفريقي بتقديم موارد مالية مقدرة للسودان.

فوائد القرار
وإيفاء متطلبات مبادرة “هيبك” بالوصول إلى نقطة القرار يعني أن السودان دولة مؤهلة لتلقي التمويل من أجل المشاريع التنموية، ويسمح له بالانخراط فورا مع صندوق النقد والبنك الدوليين وبنك التنمية الأفريقي، حيث قام السودان خلال مايو/أيار المنصرم بتصفية متأخراته المستحقة لبنك التنمية الأفريقي بعد الحصول على قرض تجسيري من المملكة المتحدة والسويد وإيرلندا، بمبلغ 425 مليون دولار، حصل بعدها مباشرة على منحة من البنك ذاته بمبلغ 207 ملايين دولار لدعم الإصلاحات الاقتصادية والمالية.

ويقول رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك إن وصول السودان لنقطة القرار تم في غضون 6 أشهر، وهي أقصر مدة حدثت للاستفادة من مبادرة إعفاء الدول الفقيرة المثقلة بالديون، ورأى أن ذلك يعكس أولا جدية الحكومة التي وضعت برنامجا متكاملا للإصلاح تضمن إستراتيجية للحد من الفقر.

وديون السودان التي يتوقع إعفاؤها خلال عام -حسب حمدوك- تعادل 40% من جملة الديون التي تم إعفاؤها لـ38 دولة فقيرة، ويردف “تمثل هذه أكبر عملية إعفاء على مر تاريخ هذه المبادرة، وفى أقصر مدة زمنية ممكنة”.

الحديث ذاته عبر عنه أكبر مسؤولي صندوق النقد والبنك الدوليين، وهما ديفيد مالباس وكريستالينا غورغييفا، حيث قالا -في بيان مشترك صدر الثلاثاء الماضي- إن بلوغ السودان نقطة اتخاذ القرار يمثل أكبر عملية من هذا القبيل بلا منازع في إطار مبادرة “هيبك”، إذ تتيح تخفيفا كليا لأعباء الديون بقيمة 23.3 مليار دولار بالقيمة الحالية، أي أكثر 3 مرات من أكبر حالة تليها في إطار المبادرة، وتمثل حوالي 36% من المجموع التراكمي لمساعدات تخفيف أعباء الديون الممنوحة في إطار المبادرة إلى 37 بلدا سبق لها الاستفادة منها.

وأضافا أنه سيتم استكمال هذا التخفيف بمبادرات تخفيفية أخرى ترتكز على مبادرة “هيبك”، وستصل بمجموع المساعدات إلى أكثر من 50 مليار دولار بصافي القيمة الحالية، وهو ما يمثل 90% من مجموع الدين الخارجي الذي يتحمله السودان.

وقالا في البيان المشترك إن هذا الإنجاز المفصلي يضع السودان على مسار التحرر من عبء المديونية الثقيل الموروث من الماضي.

عملية طويلة
لكن للمحلل الاقتصادي معتصم الأقرع توضيحات مهمة حيال القرار، حيث يقول للجزيرة نت إن وصول السودان لنقطة القرار في المبادرة المعززة المعنية بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون لا يعني إعفاءه من ديونه، ويردف “هذا القرار فقط يعني أن السودان تأهل للمشاركة في المبادرة رسميا، ولكن لا يزال الإعفاء عملية طويلة ومشروطة بشروط صعبة”.

ويشرح الأقرع بالقول إنه يتم إكمال الإعفاء إذا واصل السودان تطبيق السياسات الحالية نفسها، وعززها بحزم داعمة، وحقق معايير معروفة مرضية للصندوق تؤهله للوصول إلى نقطة الإكمال (الإنجاز) بعد حوالي 3 سنوات. وفي أفضل الأحوال، فإن هذا يعني أن قضية الديون لن تنتهي قبل 3 سنوات من الالتزام بالبرامج المتفق عليها مع صندوق النقد.

ويشير إلى أنه وبافتراض مواصلة التنفيذ وعدم حدوث زلازل سياسية معرقلة تصاحب تردي الأحوال المعيشية قد يتم إكمال إعفاء حوالي 50 مليار دولار من الديون بعد 3 أعوام.

ويردف “ولكن حتى في مثل هذا السيناريو من جودة التنفيذ ورضى الصندوق، فإنه من الممكن أن يتمخض الأمر على إعفاء نسبة تقل أو تزيد من الديون، اعتمادا على مواقف المانحين والمقرضين القابلة للتذبذب مع تقلبات السياسة العالمية والاقتصاد”.

ويلخص المحلل الاقتصادي هذا التطور في أنه خطوة قد تسهل الحصول على بعض الدعم من البنك الدولي ولكن إعفاء الديون ما زال في المستقبل، ثم يشير إلى أن وعود المانحين بتخفيف الديون صادقة لكنها مشروطة بتنفيذ برنامج صندوق النقد لفترة طويلة.

كما يرى أهمية ملاحظة أن السودان توقف لحد كبير عن سداد الديون منذ ثمانينيات القرن الماضي، وهذا يعني أن الإعفاء في الحقيقة هو شطب صفوف مديونيات من دفاتر الحسابات، ومع قوله إنه لا جدال في أهمية الإعفاء، فإنه لا يعني بالضرورة ضخ أموال جديدة كافية في شرايين الاقتصاد المتيبسة.

ويتابع الأقرع “لن يحل شطب الديون مشكلة اختلال الاقتصاد الكلي المتجذرة في العجز المزمن والكبير في موازنة الدولة لعدم وجود دعم خارجي معتبر للموازنة في أي مدى زمني منظور، لذلك تظل التحديات كما كانت عليه، وهي لجم عجز الموازنة وتشجيع الإنتاج وإزالة كوابحه، وهي تحديات حلها في الداخل”.

أما المحلل الاقتصادي هيثم فتحي، فيشير إلى اتفاق بين الحكومة الانتقالية وصندوق النقد الدولي لتنفيذ خطة وبرنامج لمدة عام بعدها يستطيع السودان طلب مساعدات عبارة عن منح وقروض لتنفيذ مشروعات تنموية إلى جانب إعفاء ديونه المتصاعدة.

ويذهب فتحي في حديثه للجزيرة نت إلى أن الدعمين الإقليمي والدولي للسودان جاء لأسباب متنوعة، منها ما هو سياسي -في الأساس- لدعم السودان في تخفيض ديونه، لا سيما أن دعم قدرات الاقتصاد السوداني عبر تخليصه من الديون هو حجر الأساس لدعم الحكومة الانتقالية، ورفع قدراتها التنموية، كأحد أهم شروط الاستقرار السياسي في السودان، خاصة أن مستويات الفقر أصبحت واسعة، حيث لا يتخطى دخل الفرد 590 دولارا سنويا.

وتقلل مبادرة “هيبك” -كما يقول المحلل هيثم فتحي- القيود المفروضة على النمو الاقتصادي، وكان من المفترض أن يكون السودان بين الدول المستفيدة من هذه المبادرة من قبل، لكن واشنطن اعترضت بسبب وجود السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب. ولكن أصبح الوضع الآن مختلفا عن السابق بعد إلغاء العقوبات الاقتصادية الأميركية التي كانت حجر عثرة في تعامل هذا البلد مع المجتمع الدولي ومؤسساته المالية.

وبذلك يتبقى أمام السودان الوصول إلى نقطة الإكمال أو الإنجاز (Completion Point)، وتعني إعفاء كاملا للديون ونهائيا، وتشترط استمرار السودان في جميع الإصلاحات المتفق عليها، بما فيها تطبيق إستراتيجية خفض الفقر وتنفيذها لمدة عام على الأقل، وحسن إدارة الموارد وتعبئتها، وإرساء دعائم الشفافية وغيرها من الشروط المهمة ذات الصلة، وذلك بحلول عام 2024، وحال استيفاء تلك الشروط سيتم الشروع في إعفاء جميع فوائد الدين التعاقدية والمتأخرات (الفوائد الجزائية)، التي تمثل حوالي 86% من إجمالي رصيد الدين، أي إعفاء ما يعادل 42.7 مليار دولار.

المصدر : الجزيرة