بينما يخاطر مئات الألوف من اللاجئين السوريين بكل شيء من أجل الأمان, فإن أولئك الذين دعوا لتغيير النظام يجب أن يفكروا بجديه باختيارهم عوضا عن انتقاد دول مثل المجر وصربيا.
مناظر اللاجئين اليائسين يشقون طريقهم من خلال الكثير من العوائق الصعبة، سياجات الأسلاك الشائكة المقامة على عجل حراس وحدود بمزاج سيئ وسكان غاضبون، هي مناظر مروعة وتذكرنا بأحلك الأوقات التي مرت بها أوروبا.
لا يوجد مكان كان فيه هذا التسلسل الحتمي أكثر وضوحا من سوريا، فالرئيس بشار الأسد مع قاعدته العلوية الضيقة كان مسؤولا عن ديكتاتورية وحشية لسنوات, وهي ديكتاتورية رفضت التنازل مطلقا لأولئك الذين يطالبون بالإصلاح الديمقراطي، كما أنها لم تفسح المجال ضمن الكيان السياسي للبلاد لأولئك الذين لديهم دوافع أقل طائفية بالنسبة لمفهوم الحكومة.
في واقع الأمر فإن نظام الأسد هو استمرار لذلك النظام الذي أنشأه والده وسلفه حافظ الأسد، وذلك عندما تولى مقاليد الحكم سنة 1971. إن نهج الأسد الكبير كان أكثر وحشية من نهج ابنه، وذلك طبقا لشهادات الناجين من حصاره لبلدة حماة سنة 1982 الذي كان يستهدف قمع انتفاضة الإخوان المسلمين في سوريا.
لقد نجحت جهود حافظ الأسد في قمع المقاومة الإسلامية باستخدام سلطوية القبضة الحديدية لعقود من الزمان. إن الأيديولوجية البعثية العلمانية لحافظ الأسد كانت تستهدف جعل الاختلافات بين المجتمعات السورية المختلفة خاصة بين السنة وقبيلته العلوية التي تتبع إحدى الطرق الشيعية أكثر ضبابية.
لكن في سنة 2003 عندما تمكن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية في العراق من الإطاحة بديكتاتور بعثي آخر وهو صدام حسين برز من جديد وبشكل قاتل الانقسام السني الشيعي الذي يمتد إلى 1300 عام وكان مختفيا بشكل عام أو في استراحة لقرون عديدة.
لقد خسرت الأقلية السنية في العراق والتي هيمنت على حكومة صدام لفترة طويلة السلطة للغالبية الشيعية والتي أشعل حكمها الطائفي الضيق مقاومة عنيفة للحكومة المركزية ومنذ تفكيك بعثية صدام التي نظر إليها الكثيرون على أنها غطاء لحكم الأقلية السنية، لم يفعل قادة الشيعة في العراق الكثير من أجل تخفيف هذه الضربة، وهو نهج لم يغب عن بال الناس في أماكن أخرى في المنطقة.
أما في الشرق الأوسط فعادة يكون هناك الكثير من الاتهامات المتبادلة، وأولئك الذين يلومون الولايات المتحدة الأميركية على إحياء الطائفية في المنطقة يفشلون في الإقرار بسوابق الطائفية وطبيعتها الدورية، ولكن الولايات المتحدة الأميركية لعبت دورا رئيسيا في الدراما السورية, ففي يوليو/تموز 2011 أرسلت الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا سفراءها إلى حماة، وهي موقع للكثير من سفك الدماء والعداء ضد الحكومة السورية، وذلك من أجل حث “المعارضة” هناك، أي الإخوان المسلمين المسالمين آنذاك- للتوحد ضد النظام.
لاحقا لتلك الزيارة التي تعد تتويجا لجهود تغيير النظام في سوريا تحطمت أية إمكانية للحوار أو المفاوضات مع الأسد (والذي تحكمت عائلته بسوريا لعقود في السراء والضراء) ولم يعقد أي من السفيرين أي اجتماع مهم في دمشق مرة أخرى.
في واقع الأمر يتحمل الأسد معظم اللوم لما وصل إليه الحال في سوريا اليوم، ولكن في غياب أية عملية سياسية ذات معنى يبدو أن المطالبات الخارجية بتغيير النظام في 2011 -التي اعتبرت خيارا بين الأسد والمنظمات “الإرهابية” السنية المتطرفة- لم يتم التفكير بشأنها جيدا على أقل تقدير. لو كان هناك المزيد من الدراسة للموضوع لأدرك أولئك الذين كانوا يفكرون بتغيير النظام أن الأسد وأذنابه لم يقدموا أي إشارة مهما كانت على أنهم على استعداد للاستجابة لتلك المطالبات والمغادرة.
وبينما يخاطر مئات الألوف من اللاجئين السوريين بكل شيء من أجل فرصة أن ينعموا بالأمان فإن أولئك الذين دعوا لتغيير النظام قبل أربع سنوات يجب أن يفكروا بجديه باختيارهم، وعوضا عن الانضمام لجوقة المنتقدين لدول مثل المجر وصربيا -اللتين تعانيان من المشاكل الداخلية ولم تلعبا أي دور في التحريض على الحرب- يجب أن يتحملوا المزيد من المسؤولية في مساعدة اللاجئين، كما يجب عليهم البدء بالتشجيع على إقامة هياكل سياسية شاملة يمكن أن تساعد في إنهاء الحرب الأهلية البشعة في سوريا.
كريستروفر ر.هل
الجزيرة نت