في 4 تشرين الأول/أكتوبر، سينشر «مجلس الشورى» الإيراني تقريراً يتضمن توصيات بشأن الموافقة على «خطة العمل المشتركة الشاملة» – الأسم الذي يُعرف به الاتفاق النووي مع «مجموعة الخمسة زائد واحد». ومن المحتمل جداً تنفيذ الاتفاق، ولكن الوسائل لإنجازه غير واضحة، وسوف يسعى النقاد المحليين إلى الحفاظ على مجال للمناورة.
ومهما كانت النتيجة المتوقعة، قال المتشددون أن «المجلس» يحتفظ بحق الموافقة على الاتفاق أو رفضه. ومع ذلك، لا يتمتع سوى آية الله علي خامنئي أو “مجلس صيانة الدستور” – الذي له الحق الحصري في تفسير الدستور – بالسلطة لتحديد أي من المؤسستين، «مجلس الشورى» (البرلمان) أو “المجلس الأعلى للأمن القومي”، يجب أن تصادق في النهاية على «خطة العمل المشتركة الشاملة». وكان خامنئي و”مجلس صيانة الدستور” قد دعيا «مجلس الشورى» إلى إعادة النظر في «خطة العمل المشتركة الشاملة»، ولكنهما لم يحددا أو يوصيا بأن يصوت «مجلس الشورى» على الاتفاق قبل إحالته إلى “المجلس الأعلى للأمن القومي”. ويفضل الرئيس حسن روحاني بأن يكون “مجلس الأمن القومي” هو الذي يصادق على الصفقة دون تصويت «مجلس الشورى».
وحتى أعضاء البرلمان يحافظون على صمتهم حول ما إذا كانت مناقشتهم لتقرير «خطة العمل المشتركة الشاملة»، الذي صاغته لجنة خاصة، ستعقبها عملية تصويت أو ما إذا كان سيتم إرسال تعليقات المشرعين إلى “المجلس الأعلى للأمن القومي” للحصول على الموافقة النهائية. كما من غير المؤكد ما هو الموعد النهائي لاختتام المناقشة البرلمانية والتصويت الممكن، على الرغم من أن بعض المشرّعين قالوا أنه ينبغي الانتهاء من النقاش في أقرب وقت ممكن.
اعتراضات المتشددين
أثارت الأحداث الأخيرة قيام المتشددين بإلقاء خطابات مناهضة للحكومة. ومن بين أسباب ذلك هي المصافحة التي جرت بين المفاوض الرئيسي للاتفاق، وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، وبين الرئيس الأمريكي باراك أوباما في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخراً، وكذلك ما يعتبره هؤلاء المتشددون بأنه رداً قوياً غير كافي من قبل حكومة روحاني ضد السعودية حول مأساة الحج.
ففي افتتاحية في صحيفة “كيهان” الإيرانية من 30 أيلول/سبتمبر، انتقد حسين شريعتمداري، أحد المقربين من المرشد الأعلى علي خامنئي، خطاب روحاني في الجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشته «خطة العمل المشتركة الشاملة»، من بين غيرها من القصور الأخرى، كما لو كانت ايران قد وافقت عليها بالفعل. فقد كتب، “اذا لم تتم الموافقة على هذه الوثيقة من قبل «مجلس الشورى»، فسيُحظر تنفيذها”. كما كرر ما يعتبره كتأثير “كارثي” من تنفيذ بعض بنود «خطة العمل المشتركة الشاملة».
أما بالنسبة للمصافحة التي جرت بين ظريف وأوباما، فقد شبهها المتحدث باسم السلطة القضائية الإيرانية والنائب الأول للمدعي العام غلام حسين محسني اجئي، بـ ” الجاسوسية”، حيث قال: “الجاسوس ليس فقط من هو على قائمة رواتب العدو، [إلا أنه] أيضاً من يُمهّد الطريق لدخول العدو إلى [البلاد]”. وفي المقابل، يقول إن أسلوبه العدائي آخذ في التضاؤل ويشير إلى أن “أمريكا لم تعد عدواً [لإيران بعد اليوم].”
وفيما يتعلق بطعون أخرى ضد «خطة العمل المشتركة الشاملة»، عرض يوم الأربعاء المشرع المتشدد حامد رضائي مقطع فيديو قصير من اجتماع عام عقده خامنئي، شارك فيه أحد المحارببين القدماء الذي كان قد فقد رؤيته وأوضح فيه مخاطر «خطة العمل المشتركة الشاملة»، حيث ادعى أنها قد تفتح الباب أمام قيام مفاوضات لا نهاية لها مع الولايات المتحدة وتُسهّل المزيد من النفوذ الأمريكي في البلاد. وقال إنه “يتعيّن على «المجلس» أن يولي اهتماماً لذلك ويرفض الإتفاقية”. وبعد أن استمع إليه خامنئي بعناية، طلب المرشد الأعلى بأن يشارك هذا المحارب القديم مخاوفه مباشرة مع المشرّعين، وهي بادرة فسّرها المتشددون بأنها تعكس عدم موافقة خامنئي الضمنية على الاتفاق النووي والتوجيه نحو التصويت بـ “رفضه”. وفي 1 تشرين الأول/أكتوبر، وخلال الخطاب الذي ألقاه المرشد الأعلى أمام قادة الجيش، أعاد خامنئي التأكيد بأن “العدو لا ينهي كراهيته بعد أن جعلنا نستسلم ونتنازل أمامه.” وقبل بضعة أسابيع من ذلك، عرّف “العدو”، من خلال وصفه أمريكا بأنها “العدو بامتياز”.
وفي مثل هذه البيئة، قال مؤخراً رئيس “المجلس الأعلى للأمن القومي” علي شمخاني للصحفيين إنه لم يتم تفتيش مجمع بارشين النووي/العسكري قرب طهران، خلال الزيارة التي قام بها رئيس «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» يوكيا أمانو في أواخر أيلول/سبتمبر. وأكد أنه “لن يكون هناك أي تفتيش على أي مستوى في بارشين”، مدعياً ان زيارة أمانو كانت شكلية واقتصرت على المراسم فقط.
إذا وضعنا جانباً النبرة المتحمسة، نرى أن هناك انتقادين رئيسيين لـ «خطة العمل المشتركة الشاملة» يتم إثارتهما من قبل المتشددين وهما: (1) إن بعض تفاصيلها يمكن أن تكشف المعلومات العسكرية والأمنية الإيرانية إلى الغرب أو تشل البرنامج النووي إلى حد كبير دون تخفيف نسبي للعقوبات – الأمر الذي يسمح بتجاوز الخطوط الحمراء التي وضعها المرشد الأعلى. (2) إن الصفقة، مهما كانت تفاصيلها، تهدف إلى فتح الباب أمام النفوذ الاقتصادي والثقافي الغربي للدخول إلى البلاد واستنزاف الجمهورية الإسلامية بصورة تديريجية من مضمونها الأيديولوجي، وتحويلها إلى حكومة ذات ميول غربية. وقد ركزت خطابات خامنئي على هذه النقطة الثانية بشكل خاص في أعقاب التوصل إلى اتفاق.
السيناريوهات المحتملة
في ضوء التقرير المقبل الذي سيُقدم إلى «مجلس الشورى»، يمكن تصوُّر ثلاثة سيناريوهات لإضفاء الشرعية على الوثيقة. إن ما تنطوي عليه هذه البدائل هو أنه من غير المحتمل أن يتم رفض الاتفاق النووي مباشرة من قبل «مجلس الشورى» أو “المجلس الأعلى للأمن القومي” على السواء. والأكثر احتمالاً هو أن تتم الموافقة على الاتفاق – ولكن مع تحفظات تسمح للإيرانيين بالحفاظ على خياراتهم مفتوحة في ضوء الانتخابات الرئاسية الأمريكية في العام المقبل وغيرها من التطورات. وعند أخذ هذه الخلفية بعين الاعتبار، فإن السيناريوهات المتاحة هي:
1. يوافق «مجلس الشورى» في النهاية على «خطة العمل المشتركة الشاملة»، ولكن مع انتقادات مُسهبة إلى حد كبير حول مضمونها، ويقر تشريع يطالب الحكومة تنفيذ الاتفاق بطرق مقيّدة بشكل محدد. وفي هذه الحالة، بإمكان تشريعات المجلس أن تُقيد أيدي الحكومة في بعض مجالات التنفيذ ولكن لن ترفضها.
2. يرسل «مجلس الشورى» مراجعة (أو ربما مراجعتان) إلى “المجلس الأعلى للأمن القومي” تنتقد الصفقة بشكل كبير، ولكنه يترك لهذا الأخير مسؤولية الموافقة عليه. وبهذه الطريقة، يمكن لـ «مجلس الشورى» أن يُظهر بأنه قد تمت الموافقة على الاتفاق على مضض وتم دعمه بإرادة سياسية ضعيفة جداً. وفي هذا السيناريو من المتوقع أن يوقّع خامنئي قانونياً على قرار “مجلس الأمن القومي”، لكن سيبقى بإمكانه اختيار تجنب ترك علامته الشخصية.
3. يرفض «مجلس الشورى» الصفقة. وهذا السيناريو غير مرجح في أغلب الأحيان – بل في الواقع، إنه سيناريو بعيد الاحتمال – وقد يترتب عنه استئناف المفاوضات، التي يُفترض خلالها الأخذ بعين الاعتبار مخاوف «المجلس» وانتقاداته، الأمر الذي سيؤجل الاتفاق النهائي إلى أجل غير مسمى.
بيد، حتى في السيناريو المحتمل الذي تتم فيه الموافقة على «خطة العمل المشتركة الشاملة» والمصادقة عليها في النهاية، فمن المؤكد أن يقوم المتشددون الإيرانيون بحملة ضدها بقدر أكبر من الضغط من أي وقت مضى، وسيتستمرون في ذلك إلى موعد إجراء الانتخابات البرلمانية وانتخابات “مجلس الخبراء” في عام 2016 والانتخابات الرئاسية في عام 2017. وسوف يكون للاعتراضات ما يبررها كما سيصبح النقاد أكثر جرأة، من خلال زيادة العنف في الشرق الأوسط وخصوصاً الخصومة المتصاعدة مع المملكة العربية السعودية. كما يمكن إطلاق نداءات لوقف التنفيذ في السنوات القادمة. ولكن في الوقت نفسه، عندما يبدأ التنفيذ، سيواجه روحاني صعوبات بالغة ضد المتشددين لكي يحصل على تقدير الرأي العام على إنجازه، كما يمكن أن تزداد الشكوك بين المواطنين حول الفوائد اليومية الاقتصادية الملموسة للاتفاق النووي.
مهدي خلجي
معهد واتشنطن