الباحثة شذى خليل*
نشأت الصناعة العراقية في الخمسينيات من القرن الماضي معتمدة بصورة مباشرة على الدولة في كل تفاصيلها، اما في الوقت الحاضر فحدث تطور كبير على صعيد الصناعات كافة ودخلت مرحلة جديدة من التطور والتحرر في التجارة وقلة تدخل الدول في القطاع الخاص واسعار الصرف المبالغ بها، فوجدت الصناعة العراقية نفسها امام مناخ غير ملائم لها من فوضى وصراعات وأحزاب مستغلة لإيرادات وموارد البلد وانتماءات خارج الحدود أوصلت صناعات البلد من سيئ الى أسوأ.
وبعد عام 2003 وخاصةً بعد تعرض المعامل الى عمليات السلب والنهب وتوقف الكثير من المشاريع التي كانت قائمة آنذاك، وما زاد من تدهو الأمور فتح الحدود امام السلع المستوردة وبصورة فوضوية ومن دون وجود تعرفة كمركية عليها مما زاد احباط الصناعة وتدهورها.
جميع البلدان عدا العراق أولت اهتماما كبيرا بقطاعها الصناعي، وسارعت لتطويره، باعتباره رافداً أساسياً من روافدها التنموية، وبه يتحقق الاكتفاء الذاتي، ويسهم في تطوير كثير من القطاعات الأخرى عن طريق منتجاته لتلك القطاعات مثل: الزراعة، والتجارة، والنقل، والتعليم، والسياحة، وغيرها.
يعاني قطاع الصناعة من تراجع وتخلف رهيب في وقت يتجه الاقتصاد العراقي فيه الى فضاءات اقتصاد السوق التي تعول كثيراً على قطاعات انتاجية فاعلة ونشيطة وقادرة على خلق دورة اقتصادية لها القدرة على المنافسة والاستمرار، ولعل من أهم القطاعات الانتاجية هو قطاع الصناعة، حيث تشير معطيات الواقع الى تراجع خطير في وقت تعاني فيه الاسواق المحلية من ظاهرة الاغراق السلعي، وغدت ثقافة الاستهلاك هي السائدة في ظل انعدام الصناعات المحلية، ومن القطاعات المهمة أيضا القطاع الخاص.
وفي آخر إحصائية لوزارة التخطيط صدرت عام 2018، فإن نسبة العاطلين عن العمل بلغت 14% للأشخاص النشطين اقتصادياً الذين يشكلون نسبة 56% من سكان العراق البالغ عددهم نحو 40 مليون نسمة، وفقاً للمتحدث الرسمي باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي، مشيراً إلى أن نسبة الفقر في العراق بلغت 26% أي بواقع 10 ملايين فقير.
ورغم أن الدولة أنفقت بحدود 120 تريليون دينار (101 مليار دولار) لتأهيل الشركات العامة للفترة من 2005 إلى 2014، وكان معظمها ممولا من الدول المانحة ووزارة المالية، فإنها أخفقت في إعداد دراسات جدوى اقتصادية وفنية فعّالة لأغلب عقود الشراكة التي أبرمتها مع الشركات الأجنبية والمحلية للنهوض بواقع المصانع العامة.
كما أنها لم تحقق نهضة نوعية بتلك التعاقدات تتناسب مع النمو الاقتصادي الشامل والمستدام، بل تسببت أغلب تلك التعاقدات باستمرار خسارة الشركات العامة وعدم تحقيق أي أرباح تساعدها على النمو والتطور، حيث لا تزال تلك المصانع عاجزة عن تأمين رواتب موظفيها ويتم تغطيتها من خلال المنح التي تقدمها وزارة المالية.
أسباب متراكمة لتأخر وتدمير الصناعة في العراق
يرى الخبراء أن هيمنة الدولة على أغلب الصناعات في العقود السابقة وعدم وجود سياسة لحماية منتج القطاع الخاص وعدم استقرار الوضع الأمني، حال دون توجه المستثمرين لإنشاء المشاريع الصناعية الكبيرة، فعلى مستوى القطاع العام تأثرت الصناعات بعد عام 2003 وتعرضت المصانع للتخريب والسلب.
ونتيجة لذلك توقفت أغلب الصناعات الحكومية بسبب تقادم خطوط الإنتاج واعتماد الأساليب التقليدية في الإنتاج والتسويق وعدم توفير الطاقة والعزوف عن تبني استخدام التقنيات الحديثة في عمليات الإنتاج، مما تسبب بزيادة التكاليف وعدم القدرة على منافسة المنتجات المستوردة، فضلاً عن عدم التزام المؤسسات الحكومية بشراء المنتجات المحلية.
مشكلة الكهرباء تعتبر سببا اساسيا في ايقاف 70% من المصانع، حيث ان عدم وجودها يزيد من عوامل التكلفة الانتاجية للصناعات فهي بحاجة الى مصادر للطاقة التي يمكن من خلالها احداث تطوير في التكنولوجيا فهي مقيدة بسبب هذا الضعف في مصادر الطاقة.
غي ران لهذه المشكلة اثر كبير حيث انتقلت الكثير من المصانع العراقية إلى خارج العراق وبدأت المصانع فيه تتقلص تدريجياً.
الصناعة العراقية لم تلاقي تشريعات او تخطيط تنظيم او استحداث وإدخال تكنلوجيا جديدة لمواكب التطور حيث انها ظلت قديمة وغير متطورة وتميل الى الاستثمار الاجنبي اكثر من الاستثمار المحلي وتعامل الاخيرة مثل ما تعامل الاولى.
واحد من الأسباب المهمة لتراجع الصناعة هي المصارف التي يصعب عليها التعرف على اساليب التنمية الاستثمارية الحديثة، حيث انها ما زالت متعلقة بالأساليب القديمة والقروض غالباً ما تكون اسعار الفائدة فيها عالية جداً، وان هذه النوافذ لا يمكن من خلالها التطوير في مجال الصناعة الحديثة من قابليات وكوادر وموارد بشرية الامر الذي يعمل على ايجاد الاسباب للاستثمار من قبل التجار في الداخل وخارج العراق. ان عدم جدية الحكومة في التطوير لهذا القطاع تعد واحدة من الاسباب التي ادت الى تراجع بشكل ملحوظ، حيث انها تعاني من عدم وجود اي برنامج للإصلاح فلذلك لم يتوفر لها المناخ الملائم للتطور من بنى تحتية، ومساعدات مالية واتباع سياسة ضريبية مع القطاع الصناعي وتفعيل القطاع الخاص واعادة هيكلته بشكل مناسب بحيث يمكن ان يوفر المناخ للعمل داخل الظروف التي تحيط بها من قلة الكهرباء واتباع سياسة ضريبية التي تؤثر بشكل مباشر على تكليف الانتاج وارتفاعها.
من الامو السيئة هو انخفاض سعر المستورد على حساب المنتج المحلي، وما يرافقه من عدم وجود تعرفة كمركية على السلع المستوردة، وهذا ما يدمر الصناعة الوطنية وحتى القطاع الخاص
مما يتطلب وضع شروط وقوانين تحد من اغراق الاسواق بالمنتج الاجنبي ذات النوعية الرديئة، الامر الذي يزيد من جذب المستثمر المحلي والأجنبي وتفعيل دور التكنولوجيا الحديثة التي تتحدد بوجود الطاقة الكهربائية للاستفادة منها. ان عمليات الاغراق السلعي موجودة في كل دول العالم ولكن كل واحدة منها لديها قوانين تحكمها في هذا الشأن والعراق اصدر قانون11/2010 لحماية المنتجات العراقية، فان الصناعة العراقية بحاجة الى برامج متطورة للتنمية الصناعية والإقراض الضريبي حتى تتمكن من مواكبة ما موجود في دول العالم.
ان الدولة بحاجة الى مشاريع متطورة بحيث انها تستحق ان تقوم بدعمها وتقديم التخصيصات المالية اليها ويجب ان تكون ذات اولويات واهمية لصرف هذه الموال عليها وخلاف ذلك تكون عمليات هدر واسراف لها لأن الصناعة تعد من عمليات المجازفة اما ان عدم توفر المناخ الصناعي الملائم لها وتخلف وسائل الانتاج والتطور التكنولوجي وفشل سياسات التصنيع وضعف عمليات الابتكار وتخلف الاداء النوعي في الانتاج الصناعي مما يزيد من ارتفاع كلف الانتاج الامر الذي يضعف الموقف التنافسي للصناعة العراقية.
ان عدم وجود اجازات للاستيراد التي تعد من القضايا التي تكون في جميع الدول الاخرى ومع ذلك انها تنتج وتصدر ومفتوحة امام البضائع المستوردة والدليل على هذه ان العراق يحصل على بضائعها في الاسواق.
ويؤكد بعص المختصين في هذا القطاع ان الانظمة الصناعية في العراق لو انها نشأت على غرار ما موجود في الدول الاخرى في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي لكانت واكبت التطورات التي تحدث في العالم الان واصبحت واحدة من الدول المنافسة في الصناعة.
الصناعة بحاجة الى سياسات جديدة قائمة على تحرير الاقتصاد والتجارة واسعار الصرف التي تعد من الامور المهمة في انطلاق الصناعة مثل ما حدث في الدول الاخرى كتركيا والصين.
شلل هذا القطاع بسبب الجانب السياسي الذي تخترقه الأحزاب والتناقضات والولاءات والعصابات بسبب القرار السياسي صعف والمركزية ضعيفة حيث ان السياسة تلعب دورا كبيرا في التأثير عليها وعلى نتاجاتها حيث ان الصناعة بحاجة الى النهوض بها حيث ان الكثير من التجار العراقيين يعزفون عن القيام باي مشاريع استثمارية هنا بسبب العوامل السياسية والتشريعات والقوانين.
حول قرار الاعفاء الضريبي لدول الجوار قال عضو لجنة مراقبة التنفيذ الحكومي (كاظم فنجان الحمامي): ان الحكومة العراقية دقت خازوق كبير في نعش صناعتنا الوطنية، مشيرا الى تأكيدات قسم المنافيست في مديرية كمرك المنطقة الغربية بكتابها المرقم ٢٣٥٠ في ٣١ / ٣ / ٢٠٢١ المعطوف على كتاب وزارة الصناعة والمعادن / دائرة التطوير والتنظيم الصناعي ١١٩٣٥ في ٣٠ / ٣ / ٢٠٢١
متسائلا عن المبررات والدوافع والفوائد والمنافع التي سيجنيها العراق عندما يطلق النيران بهذه الطريقة على مستقبل صناعاتنا.
اليوم * العراق بأمس الحاجة الى تفعيل قوانين التعرفة الكمركية
فيما يخص القطاع الخاص ، على الرغم من انفتاح العراق على الأسواق العالمية عام 2003 ورفع الحصار الدولي الذي كان قد فرض على البلاد منذ حرب الخليج الثانية عام 1991، إلا أن البلاد تشهد تراجعاً اقتصادياً مستمراً مع ارتفاع كبير في نسبة الفقر والبطالة، ويعتمد العراق في موازناته الاتحادية على تصديره للنفط بما يقترب من 90%، إلا أن العائدات النفطية لم تستثمر في تحسين واقع الاقتصاد والنهوض به لينافس اقتصاديات دول الجوار على أقل تقدير.
إن العراق ومنذ عام 1980 بدأ يشهد تراجعا ملحوظا في القطاع الخاص واستمر تدهور هذا القطاع في تسعينات القرن الماضي إثر فرض الحصار الدولي الشامل على العراق، إلا ان الباحثين يرون ان على الرغم من كم الأزمات الاقتصادية التي كان يعانيها العراق في تلك الفترة، إلا أن القطاع الخاص استمر برفد السوق العراقية بشتى أنواع البضائع والسلع والمواد الغذائية، إذ أن المعامل كانت بالالاف فضلا عن أن العراق اعتمد بشكل كبير على التصنيع المحلي والزراعة في سد الحاجة الملحة التي كان يتطلبها الوضع الاقتصادي إبان الحصار الاقتصادي الدولي، وتراجع القطاع الخاص في تلك الفترة لم يكن بسبب الدولة بصورة مباشرة، إذ أن العوامل الخارجية والضغوط الاقتصادية على البلاد أجبرته على التراجع، غير ان الحكومة آنذاك نجحت في الحفاظ عليه من الاندثار بفعل القوانين التي كانت تحمي المنتج المحلي من خلال الضرائب والكمارك على عكس ما يحصل اليوم.
مشكلة أخرى في الاقتصاد العراقي تتضح بعدم التوافق بين القطاعين العام والخاص بحسب ما يؤكد الخبراء الاقتصاديون ان الاقتصاد العراقي في تراجع مستمر، هو بحاجة الى دراسة الأهداف من خلالها حتى تتمكن من التطوير الاقتصادي، واما ان تحول الصناعات الى صناعات تحويلية او صناعات صغيرة او كليهما معاً حتى تتمكن من البطالة الموجودة بشكل كبير في البلد واحداث تطور اقتصادي فيه وهذا ما حدث في الثمانينيات في استيراد العمالة وتطوير الصناعات الموجودة فعلاً.
ان عملية تبييض الاموال من خلال الصناعة بنسبة 50% هذا الامر الذي يؤدي الى بيع السلع العراقية بأسعار رخيصة في الاسواق بالمقارنة مع البضائع الاخرى اضافة الى عدم وجود تحميل على المواد والسلع المستوردة وما يقابله من قلة التمويل وتحطيم في البنى التحتية ادى الى وجود صورة من الترخيص للبضاعة العراقية.
وتعد الصناعات التي تكون مسجلة بنسبة 90% من المشاريع المعطلة تمانا ًوالتي تم تسجيلها في اتحاد الصناعات مثل صناعة الكاشي والخياطة والجلود ومشتقات البناء وغيرها، وتعد البيئة الاستثمارية وما تعنيه من ضعف اضافة الى قلة مصادر الطاقة والبنى التحتية وقلة التمويل الذي تعاني منه الصناعة العراقية ووجود العامل المنافس الشديد بين السلع المستوردة والمحلية.
تلقت الصناعات الوطنية العراقية ضربة قاضية وموجعة ومدمرة منذ 2003 ولغاية هذه اللحظة صباح هذا اليوم الاربعاء ٣١ / ٣ / ٢٠٢١، بقرار صادر من مجلس الوزراء قضى بإعفاء المنتجات الصناعية المستوردة من دول الجوار من الرسوم الكمركية.
الفساد
لا ننسى دور الفساد المالي والإداري وتأثيره على الواقع الاقتصادي، حيث استغلت بعض الشركات الحكومية الفرص الصناعية للتعاقد في مشاريع إنشاء بُنى تحتية لمؤسسات الدولة من خلال الاعتماد على المقاول الثانوي أو الاستيراد، بدلاً من تشغيل مصانعها وكوادرها، دون وجود محاسبة فاعلة.
كما لعب العامل السياسي دوراً مهماً في تهديم الصناعة العراقية نتيجة عدم وجود جدية من قبل القوى السياسية المهيمنة على مؤسسات الدولة في توحيد الجهود والاتفاق على النهوض بواقع الصناعة العراقية، وحل الإشكالات التي تحول دون التقدم الصناعي للبلد.
سوريا وعلاقتها بالجانب الصناعي العراقي
وكما هو معروف التدمير الذي طار القطاع الصناعي في سوريا بعد احداث الثورة المستمرة الى يومنا هذا
وحسب تقارير رسمية سورية ، حجم الأضرار التي طالت القطاع الصناعي العام والخاص بسبب الحرب منذ 2011 بأكثر من 600 تريليون ليرة سورية نحو 150 مليار دولار بأسعار السوق الحالية.
و تعرّض قطاع التصنيع أثناء الحرب إلى دمارٍ وضررٍ هائلَين، وعانى من النهب ونقل أنشطته إلى البلدان المجاورة، في وقتٍ تدهورت ديناميات اقتصاد ما قبل الحرب تدهوراً كبيراً. هذه نتيجة متوقعة لاي حرب ، لكن من الاستغراب والذهول ،
ان يطلب الوزير العراقي منهل عزيز خباز وبسبب توقفت معظم المصانع في العراق وخاصة الدوائية والنسيجية كالورق والأدوية البيطرية والكيميائية داعيا رجال الأعمال والصناعيين السوريين إلى العمل على إقامة شراكات مع نظرائهم العراقيين في مجالات التصنيع وتدريب الكوادر من أجل نهضة القطاع الصناعي العراقي وإقامة مصانع مشتركة في ظل وجود مواد أولية متوفرة في العراق إلى جانب تطور بعض الصناعات كصناعة الأجهزة والمعدات الكهربائية والاسمنت ما يمكننا من إقامة تكامل صناعي في مجالات كثيرة.
ويؤكد رئيس اتحاد الصناعات العراقية عادل عكاب الحسين “لدينا 57 ألف مصنع في العراق معظمها متوقف ونحتاج إلى الخبرات السورية لإعادة تشغيلها ومستعدون لتقديم كل التسهيلات اللازمة”، مشيرا إلى وجود محفزات كثيرة للاستثمار في المدن الصناعية العراقية، ؟ المصادر الرسمية تؤكد دمار القطاع الصناعي السوري ، وياتي الوزير بطلب لصيانة المعامل العراقية من الجارة سوريا هل هي سخرية القدر ام ضحك على الذقون القطاع السوري مدمرا كما هو القطاع الصناعي العراقي أي خبرات نحتاج واي نهضة نحن بحاجة لها نهضة عقول وتفكر وحسن تخطيط.
ختاما كعراقيين نطالب بحماية المنتج المحلي ونطالب الدولة تضع يدها عن حمايته، و ان تعدل جميع القرارات التي ستسبب بإجهاض مشاريعنا الصناعية على حساب صناعات دول الجوار، ولا تحرم العراق من ايراداته الكمركية بالعملة الصعبة.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية