ينسف انخراط بغداد ضمن التحالف الرباعي الذي يشمل كلا من النظام السوري وإيران وروسيا، الإشارات التي ظهرت على السطح في الأشهر الماضية حول رغبة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي رسم مسافة مع إيران، عبر تكريس سياسة خارجية متوازنة، تضع في اعتبارها أهمية التقارب مع الدول العربية وخاصة الخليجية.
فالتحالف الوليد والذي بات أمرا واقعا يثير ريبة الدول الخليجية وخاصة المملكة العربية السعودية لجهة ضمه للنظام السوري وطهران.
ورغم أن هذا التحالف الذي كثر الحديث عنه في الأيام الأخيرة يرتكز على شعار “محاربة تنظيم الدولة الإسلامية”، إلا أن محللين ومسؤولين غربيين وخليجيين يرون أن للتحالف أهدافا وغايات معلنة وخفية، بالنظر إلى المسار الذي اتخذته الحملة الجوية الروسية في سوريا.
وأعرب أمس السبت، رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عن استغرابه من تحفظ البعض على التعاون مع روسيا واصفا إياهم بأنهم “يتصرفون وكأن الرئيس الأميركي باراك أوباما أحد أقاربهم”، في تصريحات تعكس تجاهلا لتبعات ما ينجر عنه مثل هكذا تحالفات سياسيا وأمنيا.
وأكد رئيس الوزراء العراقي، خلال مؤتمر صحفي أن العراق “سيقبل أيّ دعم من أيّ طرف لأنه الدولة الوحيدة التي تحارب داعش وعلى العالم مساعدته”.
وشدد العبادي على عدم وجود أيّ مانع من تزويد التحالف الرباعي للعراق بالسلاح لمحاربة داعش، مشيرا إلى أنه لا تحفظات على توجيه روسيا ضربات جوية ضد التنظيم المتطرف بالعراق بشرط موافقة الحكومة.
وكانت موسكو قد بادرت إلى القول بأنها ستدرس أيّ مقترح عراقي يتقدم لها حول توسيع دائرة هجماتها الجوية لتشمل مواقع للتنظيم في العراق، في تصريح يؤكد أن هناك “طبخة” مسبقة للقيام بهذه الخطوة.ومباركة المرجع الشيعي علي السيستاني ضمنيا لتدخل روسي في العراق ليس بمعزل عن ذلك.
وأوضح العبادي السبت أن “التحالف الرباعي (الجديد) هو تحالف أمني واستخباري”، مشيرا إلى “وجود تحفظات لدى الولايات المتحدة الأميركية عليه”.
وكانت موسكو قد أعلنت في سبتمبر الماضي عن تشكيل غرفة عمليات مشتركة تضم رؤساء أركان جيوش الدول الأربع (روسيا، والعراق، والنظام السوري، وإيران) لتعقب قيادات وعناصر تنظيم داعش. وقد تسلمت بغداد قيادة هذه الغرفة والتي ستنتقل بصفة دورية بين الدول الأربع.
وأبدت واشنطن رفضها الانخراط في التحالف لعدة اعتبارات أولها أن ذلك سيعني الاعتراف رسميا بشرعية النظام السوري وعلى رأسه بشار الأسد، كما أنها ستظهر وكأنها ملحقة به الأمر الذي سيشكل ضربة قوية لهيبتها بالمنطقة.
ويرى محللون أن هذه المستجدات المثيرة والانخراط العراقي القوي فيه باعتبار أن المركز مقام في بغداد وهي من تتولى القيادة الحالية، من شأنه أن يعطل مكابح الانفراج في العلاقات العراقية مع الدول العربية وخاصة الخليجية منها التي تنظر لهذا الحراك بقلق كبير، خاصة وأنه يعني مزيد تثبيت أقدام طهران في اللعبة الجيوسياسية بالمنطقة.
وتعتبر دول الخليج العربي إيران أحد مسببات الأزمات التي تشهدها عدة دول عربية بدءا بالعراق وصولا إلى اليمن، في سياق محاولاتها مد نفوذها في المنطقة، عبر تحريك أذرعها لنشر الفتن الطائفية.
وقد أبدى حيدر العبادي منذ تقلده لمنصب رئاسة الوزراء رغبة في مد جسور التواصل مع الدول الخليجية التي يعاب عليها تركها لسنوات الساحة العراقية، ما أدى في النهاية إلى تغلغل النفوذ الإيراني.
الإشارات العراقية قابلتها المملكة العربية السعودية وغيرها بالترحيب، وانطلقت الخطوات العملية لعودة التمثيليات الدبلوماسية بين بغداد والرياض بعد قطيعة دامت قرابة ربع قرن وسط موجة من ردود الفعل المرحّبة والمستاءة من هذا التغيير.
وبدأت، قبل أشهر، مؤشرات لتقارب سعودي عراقي وبرزت لا سيما بعد إعادة افتتاح السفارة السعودية، في بغداد، وإعلان حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي عن قرب موعد فتح السفارة العراقية في الرياض وتعبيره عن ارتياحه لهذه الخطوة.
واعتبر محللون آنذاك الخطوة السعودية بأنها إقرار من الأخيرة بأنه لا يمكنها الاستمرار على حيادها إزاء الملف العراقي، وأنه حان الوقت لاقتحام الساحة التي ظلت مطولا حكرا على الجانبين الأميركي والإيراني، لا سيما بعد أن تبينت تغيير واشنطن لسياستها وتوجهها إلى طهران على حساب حلفائها في دول الخليج، ووعيها بحقيقة التحديات الأمنية الخطيرة التي تواجه المنطقة عموما وخاصة تهديدات تنظيم داعش فيما لو زاد نفوذه أكثر في العراق.
هذا إلى جانب رغبة السعودية في أن يتمتع العراق بنظام سياسي يسمح بمشاركة فعلية للعرب السنّة ويقطع مع ما ساد في فترة حكم نوري المالكي، وهو الخيار الذي يروّج له حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي الحالي على مستوى الخطاب الإعلامي.
ولا يتوقف القلق السعودي إزاء هذه الملفات بل يشمل المجال الطاقي إذ تسعى الرياض إلى وضع خطط طموحة ومشتركة مع العراق على مستوى إنتاج النفط في هذه الفترة قبل أن ترفع العقوبات الاقتصادية نهائيا عن طهران التي قد تحاول هي الأخرى وضع مشاريع في هذا الإطار بهدف التحكم في السوق النفطية والأسعار في السنوات القادمة والتضييق بالتالي على الجانب السعودي.
وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات السعودية العراقية توترت منذ حرب الخليج الثانية سنة 1990 وقامت المملكة العربية
السعودية بقطع العلاقات مع بغداد وتم إغلاق السفارة السعودية في العراق حتى سنة 2003 عندما أعلن وزير الخارجية السعودية أن الرياض لن تقصف العراق أو تسمح باستخدام قواعدها للهجوم على العراق، وما تبعه من آمال حول إعادة ترتيب العلاقات ولكن دون جدوى.
حيث لم تشهد العلاقات أيّ تحسن لا سيما بعد تولي نوري المالكي رئاسة الحكومة السابقة في عام 2006. واتهمت السعودية المالكي بممارسة نهج طائفي في السلطة، فيما ظل نوري المالكي يروج لكون السعودية تقف وراء أعمال العنف في العراق.
وقد سبق للسعودية أن عينت سفيرا غير مقيم لها في بغداد سنة 2012 قبل انعقاد القمة العربية في بغداد في ذلك العام، إلا أنها تراجعت عنه بعد أشهر بسبب الخلافات مع حكومة نوري المالكي.
ويقول محللون إن الانفراج النسبي في العلاقات السعودية العراقية الذي لمسوه خلال الأشهر الماضية، معرّض اليوم مجددا للاهتزاز على ضوء المستجدات الحاصلة على الساحتين العراقية والسورية.
ويستدرك المحللون بالقول إن المملكة العربية السعودية لن تعود إلى سياسة الانكماش والابتعاد عن العراق فليس من صالحها كما أنه ليس من صالح الشعب العراقي.
صحيفة العرب اللندنية