هل تستطيع تركيا عقد صفقة مع طالبان لتأمين مطار كابول الدولي؟

هل تستطيع تركيا عقد صفقة مع طالبان لتأمين مطار كابول الدولي؟

لم يلق عرض تركيا لتولي السيطرة على المطار الدولي الرئيسي في أفغانستان استقبالا جيدا من حركة طالبان، ما ضاعف التساؤلات حول جدوى اقتراح يُنظر إليه على أنه حاسم لمستقبل بلد يعاني الحرب.
وتسير الولايات المتحدة على مسار متواصل نحو استكمال انسحابها العسكري من أفغانستان في أيلول (سبتمبر)، بعد 20 سنة من خوضها الحرب في “مقبرة الإمبراطوريات”. ومع تقدم الانسحاب، حققت طالبان مكاسب سريعة، حيث أصبحت حوالي 223 مقاطعة تحت سيطرتها الآن. وفرّ جنود الحكومة الأفغانية والمدنيون وسط مخاوف من سقوط البلاد بأكملها تحت سلطة الجماعة في أقل من سنة.
وكانت تركيا قد قدمت، في أيار (مايو)، العرض المفاجئ لمواصلة مهمتها الأمنية في مطار حامد كرزاي الدولي في كابول، في محاولة لدعم علاقتها المضطربة مع الولايات المتحدة. وخلال معظم العقد الماضي، كانت علاقة الحليفين في “الناتو” غارقة في خلافات عميقة حول سورية وروسيا وشرق البحر المتوسط وطريقة حكم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ومع ذلك، سعى أردوغان إلى إيجاد أرضية مشتركة مع الرئيس الأميركي جو بايدن، وهو ناقد صريح للزعيم التركي، حيث يجعل الاقتصاد المتعثر الحاجة إلى إنهاء العزلة الدولية الأخيرة لتركيا أكثر إلحاحاً.
كما أن تخفيف قلق واشنطن بالنسبة لأنقرة بعد الانسحاب بشأن أمن أفغانستان هو مسار محتمل يجنبها تقديم تنازلات في أماكن أخرى.
وقال الزميل غير المقيم بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن العاصمة، روبرت بيرسون، لموقع “أحوال تركية” إنه بينما ما تزال هناك أسئلة حول المهمة التركية، فقد أدرك الجانبان الفوائد المحتملة. وقال السفير الأميركي السابق في تركيا: “هذه بداية، ومؤشر واضح على أن الولايات المتحدة منفتحة على بناء علاقة مثمرة مع تركيا. ومن نتائجها منح الولايات المتحدة وتركيا شيئا تتفقان عليه وتعملان من أجله”.
حتى الآن، لم نر تأكيداً لكل التفاصيل حول خطط تركيا لتأمين مطار حامد كرزاي الدولي، لكن هناك شيئان واضحان بالفعل. أولا، يعد المطار حاسما لاستمرار الوجود الدبلوماسي للمجتمع الدولي في أفغانستان. ثانيا، ستحتاج تركيا إلى دعم الولايات المتحدة لإكمال المهمة.
ولم يتردد أردوغان في الإشارة إلى ذلك، حيث قال الرئيس التركي في أعقاب اجتماعه الأول مع بايدن في 14 حزيران (يونيو): “إذا لم تكن رغبة انسحاب تركيا من أفغانستان قائمة، وإذا كان هناك دعم دبلوماسي ولوجستي ومالي من الولايات المتحدة، فسيكون ذلك مهما للغاية بالنسبة لنا”.
وسيكون نشر ما يصل إلى 1.500 جندي ضروريا لتأمين مطار حامد كرزاي الدولي بعد الانسحاب، وفقا لتقديرات وزارة الدفاع الأميركية. ومن المتوقع أن يبقى 650 جنديا أميركيا فقط في كابول اعتبارا من أيلول (سبتمبر) لحماية السفارة الأميركية هناك.
وتوجد بالفعل قوة عسكرية تركية قوامها 500 جندي في أفغانستان، وتؤدي أدوارا غير قتالية بما في ذلك إدارة القسم العسكري في مطار كابول. ولكن، تحت ضغط من أحزاب المعارضة الرافضة للمهمة الأفغانية، أصر وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، في حزيران (يونيو)، على أنها لن تكون هناك زيادة في أعداد القوات.
ويتساءل الضابط العسكري التركي السابق، ميتين غوركان، كيف يمكن لتركيا أن تفي بوعودها الجديدة من دون إجراء هذا التغيير. وذكر في “المونيتور” أن تأمين المطار سيتطلب أعمال شرطة عسكرية ودوريات ومهام قتالية واضحة.
كما تحدث ما بدا مصدراً حكومياً تركياً لم يذكر اسمه إلى شبكة “بي بي سي”، وأقر بخطر القتال، وقال إن القوات التركية ستكون مستعدة للدفاع عن نفسها.
وقال برادلي بومان، مدير مركز القوة العسكرية والسياسية في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، لموقع “أحوال تركية”، إن الكثير سيعتمد أيضا على الوضع الأمني العام حول كابول وسط صراع قوات الأمن الأفغانية للحد من نفوذ طالبان.
وتابع بومان: “يمكن أن تحدث متغيرات في وضع متغير أصلا. ما وضع قوات الأمن الأفغانية هناك؟ كيف انتشارها؟ كل شيء غير ثابت. ولا يمكن التنبؤ بالوضع برمته إلى حد كبير، وهذا ليس جيدا. سوف يعكس كل هذا ما هو مطلوب في مطار كابول”.
لقد أثبتت كابول مسبقاً أنها عرضة للهجوم. وأعلنت طالبان مسؤوليتها عن سلسلة تفجيرات نُفذت يوم الأربعاء الماضي في قلب “المنطقة الخضراء” شديدة التحصين بالعاصمة. وقال متحدث باسم الجماعة إن تلك الهجمات كانت “بداية لهجمات انتقامية” ضد الحكومة الأفغانية.
وأكدت التفجيرات قدرة طالبان على جعل الحياة صعبة على قوات الأمن التركية من دون الاشتباك معها بشكل مباشر. وقال بومان إن الهجمات الصاروخية بالقرب من المطار وحده قد تكون كافية لإغلاقه لبعض الوقت. وضربت مدفعية طالبان، يوم الأحد من الأسبوع الماضي، مطار قندهار، ما ألحق أضراراً بالمدرج وأدى إلى تعليق الرحلات الجوية.
وكانت طالبان قد رفضت مراراً مقترحات من تركيا بشأن مطار حامد كرزاي الدولي. وفي 18 حزيران (يونيو)، قال متحدث باسم الجماعة إن الخطة “غير مقبولة”، وإن تركيا ستُعد غازية.
ومع ذلك، يحافظ المسؤولين الأتراك على اتصالاتهم مع طالبان ورفضوا تهديداتهم ووصفوها بأنها مجرد مواقف، وفقا لـ”بي بي سي”. وفي الأسبوع الماضي، قال أردوغان إن تركيا “ليس لديها أي مشاكل متضاربة” مع تفسير الجماعة المتشدد للإسلام.
ويبدو أن مثل هذا النهج قد أتى ببعض الثمار. وجاء أحدث بيان لطالبان في 21 تموز (يوليو) بلهجة أكثر تصالحية، حيث قالت الجماعة إنها ستكون سعيدة بمواصلة الحوار، ولكن بعد انسحاب تركيا فقط.
على الرغم من هذا التحول، يعتقد الخبراء أنه لا ينبغي الاستهانة بطالبان الصاعدة. وقالت كارولين روز، كبيرة المحللين ورئيسة برنامج الفراغات الإستراتيجية في معهد نيولاينز للاستراتيجية، لموقع “أحوال تركية” إننا يجب أن نصدق المجموعة التي عبرت عن أنها تريد رحيل تركيا.
وقالت روز: “لقد أوضحت طالبان أنها غير مرتاحة لأي وجود طويل الأمد لقوات من حلف شمال الأطلسي في البلاد. وحتى لو تمكنت الحكومة التركية وطالبان من التوصل إلى اتفاق نسبي حول كيفية عمل القوات التركية لحماية المطار، أتوقع أن تصعب طالبان على القوات التركية تنفيذ هذه المهمة”. وأضافت أن أردوغان يواجه مهمة يصعب إنجازها على النحو الذي يرغبه.

الغد