بغداد – تتعرّض القوات الأميركية ومصالحها في العراق إلى خطر متصاعد يتمثّل في المسيّرات المفخخة التي تستهدف مصالحها في بغداد وتحلق على ارتفاعات منخفضة لتجنب أنظمة الدفاع المضادة فتتمكن من تحقيق أهداف لم تنجح الأسلحة القديمة فيها سابقا.
ومنذ مطلع العام استهدف أكثر من خمسين هجوما مصالح أميركية في العراق. ويرى مسؤولون عسكريون ودبلوماسيون غربيّون في بغداد أنّ تلك الهجمات لا تشكّل خطراً على القوات المنتشرة فقط، بل تهدّد أيضاً قدرتها على مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية.
ومنذ عام 2019 يستهدف مسلحون مجهولون يشتبه بأنهم عناصر تابعة لفصائل شيعية عراقية مرتبطة بإيران، قواعد عسكرية تضم أميركيين وسفارة واشنطن وسط العاصمة بغداد.
وكان المهاجمون يستخدمون صواريخ من طرازي “كاتيوشا” و”غراد”، غير أنها لم تحقق أهدافها في كثير من الأحيان بالسقوط في محيطها أو اعتراضها عبر منظومة الدفاع الأميركية لتظل فاعليتها محدودة.
فاضل أبورغيف: الحل السياسي من شأنه إنهاء الهجمات ضدّ مصالح واشنطن
لكن منذ منتصف أبريل الماضي اعتمد مهاجمون مجهولون تقنية جديدة لاستهداف مصالح واشنطن من خلال الاعتماد على الطائرات المسيّرة التي تحمل شحنات متفجرات وتحلق على ارتفاعات منخفضة لتجنب أنظمة الدفاع الأميركية المضادة.
ومرارًا تعهدت الحكومة العراقية بحماية القوات والمصالح الأجنبية في بلادها وملاحقة المسؤولين عن استهدافها، إلا أن الهجمات لا تزال متواصلة ومتزايدة على فترات متباينة.
وكشف المتحدث باسم العمليات المشتركة في الجيش العراقي تحسين الخفاجي عن التنسيق بين جميع الأجهزة الأمنية لاستخدام التكنولوجيا الحديثة لمنع استهداف مقار البعثات الأجنبية بطائرات مسيرة.
وأوضح الخفاجي في تصريح صحافي أن “الأجهزة الأمنية توصلت إلى معلومات مهمة بشأن هذه القضية”، لكنه رفض الكشف عنها إلى حين الانتهاء من التحقيقات.
وأضاف أن “السلطات العراقية تمكنت خلال الأيام الماضية من اعتقال أشخاص متهمين باستخدام هذه الطائرات في استهداف القوات الأميركية”، دون الكشف عن هوياتهم أو عددهم.
وتتجه أصابع الاتهام إلى فصائل عراقية شيعية مرتبطة بإيران بالوقوف وراء تلك الهجمات المتكررة.
ومعظم تلك الفصائل تنضوي في إطار “تنسيقية المقاومة العراقية” بينها فصائل نافذة مثل كتائب “حزب الله” العراقي و”عصائب أهل الحق” و”كتائب سيد الشهداء” و”حركة النجباء”.
وتتبنى هذه الهجمات أحيانا مجموعات مجهولة تطالب برحيل “المحتل الأميركي” أو تتوعد بـ”الثأر” لمقاتلين قضوا في ضربات أميركية، وتنسب إجمالا إلى فصائل موالية لإيران مجتمعة تحت مظلة ميليشيات الحشد الشعبي الذي يحيّي بانتظام هذه الهجمات لكنه لا يتبناها علنا.
وتصاعدت لهجة الحشد الشعبي ضد الوجود الأميركي في العراق منذ مقتل نائب قائد قواته أبومهدي المهندس مع قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في يناير 2020 في غارة أميركية في مطار بغداد.
ويرى الخبير الأمني العراقي فاضل أبورغيف أن “الحل السياسي من شأنه إنهاء هذه الهجمات، لاسيما وأن أهدافها المعلنة هي إنهاء تواجد القوات الأميركية في الأراضي العراقية”.
وتقود واشنطن منذ 2014 تحالفا دوليا لمكافحة تنظيم “داعش” الذي استحوذ على ثلث مساحة العراق آنذاك، حيث ينتشر بالعراق نحو 3000 جندي للتحالف بينهم 2500 أميركي.
ورغم أن القوات الأميركية أعلنت عن بدء انسحابها تدريجيا من العراق بموجب اتفاق بين البلدين في يوليو الماضي يقضي بمغادرة القوات القتالية الأميركية بحلول نهاية عام 2021، إلا أن أبورغيف يقول إن الانسحاب “تحقق بصورة نسبية”.
ويرجّح الخبير الأمني تراجع الهجمات ضد مواقع وأهداف ومصالح واشنطن في العراق على وقع الاتفاق بانسحاب القوات الأميركية من البلاد.
سعد الزبيدي: التطور التقني من شأنه إحداث ضرر أكبر بالقوات الأميركية
والاثنين أعلن الناطق باسم القوات المسلحة العراقية يحيى رسول عن بدء الانسحاب الرسمي للقوات الأميركية مؤكدا أن العملية ستستمر حتى الحادي والثلاثين من ديسمبر المقبل.
ولا يمكن قراءة وتيرة الهجمات ضد المصالح الأميركية في العراق بمعزل عن صراع واشنطن وطهران، إذ يعد البلد العربي ساحة رئيسية للصراع بين الغريمين.
ويأتي تصاعد حدة الاحتقان بين الولايات المتحدة وإيران منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018 وإعادة فرض عقوبات قاسية على طهران. ويخوض البلدان مفاوضات صعبة للغاية لإحياء الاتفاق النووي.
ويرى المحلل السياسي العراقي سعد الزبيدي أن “ما يحدث في العراق يعود إلى الصراع بين واشنطن وطهران بالدرجة الأولى قبل أي اعتبارات أخرى”.
ويضيف الزبيدي أن إيران تحرك فصائلها المسلحة في العراق من أجل استهداف القوات الأميركية للضغط على الولايات المتحدة لتقديم تنازلات بشأن البرنامج النووي.
ويشير إلى خطورة التطور التقني في استخدام الطائرات المسيّرة المفخخة في الهجمات، مؤكدا أن ذلك من شأنه إحداث ضرر أكبر بالقوات الأميركية في العراق.
كما يوضح أن “الحكومة العراقية عاجزة عن مواجهة هذا السلاح (الطائرات المسيرة) أو الكشف بشكل علني عن الجهات التي تقف وراء تكرار استهداف البعثات الأجنبية”.
ويشير المحلل العراقي إلى أن تراجع وتيرة الهجمات غير مرتبط ببقاء القوات الأميركية في العراق من عدمه، وإنما يرتبط بالتوافق بين واشنطن وطهران حول البرنامج النووي وغيرها من القضايا التي تصب في مصلحة إيران.
العرب