البصرة – اختلفت الدراسات في تحديد الموطن الأصلي لأشجار نخيل التمر، لكن المؤرخين اتفقوا على أن أقدم ما عرف عن النخيل كان في بلاد الرافدين إذ حظيت النخلة بقدسية في الحضارة العراقية، وعُدت شجرة مباركة وشرعت القوانين لحمايتها، فانتشرت بساتينها في مدن العراق وانتعشت في البصرة الجنوبية التي ضمت ثلثي نخيل العراق قبل أن تتراجع مكانتها في إنتاج التمور.
على ضفاف شط العرب في قضاء أبو الخصيب بمحافظة البصرة، يظهر هذا التراجع واضحا في بستان الحاج عامر التميمي الذي وقف عاجزا أمام شح إنتاج نخيله، وهو يجد أن البستان الذي ورثه منذ عشرات السنين أصبح لم يعد مجديا في زراعة النخيل، وإزاء هذا الواقع يفكر التميمي في الاستفادة من أرضه من جوانب أخرى غير النخيل.
اشتهرت البصرة منذ عقود طويلة بتعدد أصناف نخيلها وجودة تمورها، وكانت تضم بساتينها -حتى اندلاع الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)- نحو 12 مليون نخلة ضمن 33 مليون نخلة في العراق، وكان لهذه الوفرة دورها في أن يتصدر العراق الإنتاج العالمي من التمور قبل أن يغادر قائمة الدول الخمس الكبار عالميا في هذا المجال خلال العقود الأخيرة.
قتل نخيل البصرة
ما يعاني منه التميمي يجسد حال أغلب بساتين النخيل على ضفاف شط العرب التي تعاني تراجع إنتاجها ورداءة نوعيته؛ وذلك لأسباب تتعلق بشح المياه وما تركته الحروب السابقة من تقلص المساحات المزروعة.
يبين مدير قسم النخيل في مديرية زراعة البصرة عبد العظيم كاظم أن قلة المياه الواصلة إلى شط العرب وارتفاع نسبة الأملاح فيها قد أثرا سلبيا على بساتين النخيل التي تسقى بظاهرة المد والجزر.
السهر: لا توجد مبادرات جدية لتغيير الواقع الذي أدى إلى عزوف الفلاحين عن ممارسة الزراعة (الجزيرة نت)
وفي حين يشير كاظم إلى أن المعالجة الحقيقة تكمن في تحسين نوعية المياه -وهذا عمل يتطلب جهد حكومي وتعاون دولي- يحمل الحكومات المتعاقبة ما وصل إليه قطاع النخيل من تراجع كبير بسبب حصر الاهتمام بالثروة النفطية وإهمال الزراعة.
يبلغ عدد نخيل البصرة حاليا نحو 2.8 مليون نخلة، في حين تقدر حاجة المحافظة إلى زراعة مليون فسيلة سنويا لتعويض ما فقدته من أشجار النخيل.
بالمقابل، يشكو اتحاد الجمعيات الفلاحية في البصرة من غياب الدور الحكومي في دعم زراعة النخيل، فبحسب عضو الهيئة الإدارية راضي عزيز السهر، لا توجد هناك أي مبادرات جدية لتغيير هذا الواقع الذي أدى إلى عزوف الفلاحين عن ممارسة الزراعة.
تجارب واعدة
وفي حين أن الخيارات أمام أصحاب بساتين النخيل -المتضررة من ملوحة مياه شط العرب- تتمثل في تجريف بساتينهم لبيعها في صورة أراض سكنية، يواصل خالد الفضلي خطواته التي بدأها منذ سنوات لتغيير هذه الصورة عبر استخدام الزراعة النسيجية للنخيل بمزرعته في أم قصر، جنوبي البصرة.
ويعتقد الفضلي أنه حقق نسبة كبيرة من النجاح رغم التحديات التي واجهته بعد زراعته 1300 نخلة من أجود أنواع النخيل، التي بدأت بالإنتاج الفعلي.
وحسب الخبير الزراعي فاضل العلي، فإن تطوير زراعة النخيل بأسلوب الزراعة النسيجية تعد طريقة عملية للحفاظ على الأنواع الاقتصادية المطلوبة، فضلا عن اختصارها الوقت وأنها ذات نتائج عملية، بدل الطريقة الكلاسيكية عبر زراعة الفسائل.
حيث تساعد هذه الطريقة في الحصول على أعداد كبيرة من الفسائل باستخدام عدد قليل من الأمهات، والحصول على فسائل خالية من الأمراض الفطرية، فضلا عن الحصول على محصول بعد 4 سنوات تقريبا وتوفر هذه الطريقة زراعة الفسائل بالأرض المستديمة مباشرة، مع سهولة تداول الفسائل ونقلها والحصول على فسائل من النخيل الذي فقد قدرته على إنتاج فسائل.
ويضيف العلي أن هذه الطريقة تتم في مختبرات مجهزة بمعدات خاصة حيث يتم أخذ جزء من نسيج حي من الأمهات، وزراعته في بيئة صناعية تحتوي على مجموعة مواد كيميائية تساعد على نموه عن طريق زيادة أعداد الخلايا إلى أن تتكون أجزاء النبات المختلفة.
ونبه إلى أنه لا يتوفر في محافظة البصرة حاليا مثل هذه المختبرات باستثناء مختبر زراعة الأنسجة في جامعة البصرة، لكنه بخطوط إنتاج محدودة لا تستطيع توفير الكميات التي يحتاجها أصحاب مزارع النخيل إذا توجهوا إلى هذا الأسلوب في إكثار النخيل.
واعتبر أن نجاح زراعة النخيل في أم قصر يشير إلى إمكانية تطوير هذه التجربة، واستحداث نقلة نوعية ومهمة في زراعة النخيل بمناطق بادية البصرة التي تمتد لمساحات شاسعة وتعتمد المياه الجوفية، حسب الخبير الزراعي فاضل العلي.
وأوضح أن زراعة النخيل في هذه المناطق تتطلب اعتماد الزراعة النسيجية، التي تعد طريقة حديثة ولها الكثير من المميزات.
وأكد العلي أن تحقيق هذه العوامل ستسهم في استعادة البصرة لمكانتها في إنتاج التمور.
المصدر : الجزيرة