منشورات الشباب على المنصات الاجتماعية تعيد التفكير بقدرتهم على تغيير المجتمع

منشورات الشباب على المنصات الاجتماعية تعيد التفكير بقدرتهم على تغيير المجتمع

أبرزت مواقع التواصل الاجتماعي الطريقة التي يفكر بها الشباب اليوم والاهتمامات المتواضعة فكريا التي تشغلهم، ما جعل أسطورة أن جيل الشباب أداة التغيير لدفع المجتمعات أمرا مبالغا به ويحتاج إلى إعادة نظر.

تونس – تقدم مواقع التواصل الاجتماعي فرصة مثالية للموهوبين والمبدعين الشباب لإظهار مدى تميزهم وإبداعهم وتسويق إنجازاتهم في مجالات متنوعة، غير أن عدد هؤلاء يبدو ضئيلا جدا بل يمثل طفرة بين الملايين من المستخدمين من أبناء جيلهم الذين يكشفون عن فكر متواضع سواء في ما يقدمونه أو في تعليقاتهم ونقاشاتهم.

وتحاول فئة من شباب اليوم نفي الأحكام التي يطلقها الجيل الأكبر بأن جيل الشباب ضعيف وغير قادر على تحمل المسؤولية بسبب سهولة الحياة التي يعيشونها مقارنة بالأجيال السابقة، إضافة إلى توفر كل شيء ما أنتج رخاء ذهنيا وفكريا وبالتالي عدم تحمل المسؤولية.

لكن ما ينتشر على المنصات الاجتماعية يشير إلى أن تعليم الشباب متواضع لا يرتبط بالثقافة والوعي الكافي ويبدو فكرهم أكثر تواضعا في التعليقات الساذجة والانقياد الأعمى لمسائل دينية أو سياسية أو مجتمعية.

وظيفة التفاهة أنها تشجع بكل طريقة ممكنة على الإغفاء بدلا من التفكير، والنظر إلى ما هو غير مقبول وكأنه حتمي

وأبرزت مواقع التواصل الاجتماعي الطريقة التي يفكر بها الشباب عندما تحولت إلى ميدان مفتوح للسجالات الدينية المذهبية والطائفية، وتدور المجادلات حول أفكار ومقولات مستقاة من منظومات عفا عليها الزمن، ما جعل أسطورة أن جيل الشباب أداة التغيير لدفع المجتمعات وأنه يستحق فرصة قيادية كبيرة، أمورا مبالغا بها جدا وتحتاج إلى البحث والتقصي عمن يستحق بالفعل فرصة، ومن هو مجرد مدّع يروج لبطولات وهمية استعراضية على مواقع التواصل وما أكثرهم.

ومن جهة أخرى، باتت إحدى سمات العصر الحالي اللهث وراء الفضائح والفيديوهات غير الهادفة التي لا تعدو أن تكون ترفيهية بشكل مبالغ فيه؛ حيث يتحول المغمورون إلى نجوم من خلال نشر محتوى لا يتماشى مع الفكر والثقافة ويتم نشره على نطاق أوسع؛ ليصبحوا على قائمة الأعلى مشاهدة على يوتيوب وانتشرت ظاهرة ما يعرف بـ”البوز” أو الشهرة الاجتماعية.

وتتردد منذ سنوات بين فترة وأخرى حملة “لا تجعلوا من الحمقى مشاهير” للحد من المساهمة في ارتفاع نسب التفاهة الاجتماعية والفضائح وتدني المستوى الثقافي، ومواجهة استغلال تطبيقات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وحسابات الحمقى ومجانين الشهرة لترويج التفاهات ونشر الشائعات.

ويوضح ألان دونو أستاذ الفلسفة الكندي في كتابه “نظام التفاهة” وظيفة التفاهة بأنها تشجع بكل طريقة ممكنة على الإغفاء بدلا من التفكير، والنظر إلى ما هو غير مقبول وكأنه حتمي، وإلى ما هو مقيت وكأنه ضروري.

ويقول دونو في الكتاب إن “التفاهة تحيلنا إلى أغبياء، والأخطر من التفاهة ألا يشعر بعض التافهين بخطر انتشارها، هنا يستباح مجال التفكير العلمي المبني على نظريات وأدوات وخبرات وتجارب، ولا تصبح للنجاح معايير واضحة أو معالم واضحة يمكن من خلالها الوصول إليه”.

ويشير إلى أن الشبكات الاجتماعية ومواقع التواصل مثل تويتر وفيسبوك وإنستغرام، هي مجرد مواقع للقاء الافتراضي وتبادل الآراء لا أكثر، فيها يتكون عقل جمعي من خلال المنشورات المتتابعة.

ويضيف أن هذا الفكر التراكمي السريع الذي يبلور وبسرعة وبدقة موضوعا محددا نجح في اختصار مسيرة طويلة كان تبادل الفكر فيها يتطلب أجيالا من التفاعل مثل المناظرات والخطابات والمراسلات والكتب والنشر والتوزيع والقراءة والنقد ونقد النقد.

ويرى أنه رغم كل هذه الفرص، فقد نجحت هذه المواقع في ترميز التافهين وجعل الكثير من تافهي مشاهير السوشيال ميديا والفاشينيستات يظهرون بمظهر النجاح!

وكشفت أحدث الدراسات في علم النفس أن الفئة الأكثر تأثرا بما يعرض على مواقع التواصل الاجتماعي هي من النساء ففي حال شاهدن إحدى الشخصيات تقوم باستخدام منتج أو ترتاد مكانا معينا أو تتبع أسلوب ونظام حياة معين يتفاعلن مع ما شاهدن لتحقيق حالة إشباع نفسي والشعور بالرضا.

والأمر لم يعد حصرا على الفاشنيستا وخبيرة التجميل وأتباعهما بل وصل إلى الشخصيات التي تعتبر ذات مكانة علمية وفكرية واجتماعية. حتى الإيمان بالمعتقد والدين والخير والشر بات نوعا من الفلسفة يطرحها الشباب كُل حسب فكرهُ ومعتقدهُ بثقة كبيرة ويقين تام، تجعلهُ يؤكد أنه على صواب دون نقاش أو دليل.

ويقول خبراء اجتماع إن الجانب السلبي للمنصات أثر بشكل أكبر على الشباب، وتحولت الأولوية بالنسبة إليهم لعالمهم الافتراضي لتحقيق ذواتهم وتطلعاتهم متأثرين بأقران آخرين في محاولة السعي الدائم للظهور بصورة مثالية عن طريق مشاركة صورهم وأهم أحداث حياتهم في انتظار التعليق عليها والإعجاب بها من قبل أصدقائهم ومعارفهم.

وكل ذلك يجعل الشباب يعيشون تحت ضغط نفسي من الترقب والقلق الدائم ومع كل تفاعل يصل إليهم يشعرهم بالأمان وتحقيق الذات الوهمي بعد إعجاب الآخرين بالصورة التي يعكسونها عن حياتهم وهذهِ تعتبر من الحالات الأكثر شيوعا في المجتمع وتصيب فئة المراهقين والشباب من كلا الجنسين.

ولم يعد الأمر مختلفا بين الشرق والغرب في هذا المجال، إذ أن اللهاث وراء الصورة المثالية دون المضمون والفكر والوعي هو الشغل الشاغل للشباب اليوم، بينما كل من يخالف هذا الاتجاه ولا يواكب آخر صرعات الموضة يبدو بالنسبة إلى أقرانه كأنه يحمل وصمة عار وقدم من عصر آخر.

ويقول جراح التجميل الألماني فيرنر مانج إنه على مدار ثلاثين عاما اعتاد مساعدة الناس على أن يشعروا بأنهم قد أصبحوا أكثر جاذبية، غير أنه في هذه الأيام صار من المعتاد أن يتهرب من زبائنه.

ويضيف مانج “رفضت إجراء جراحة لبنت أخرى، تبلغ من العمر 13 عاما تريد أن تغير شكل أنفها، ليصبح على غرار أنف العارضة والإعلامية وسيدة الأعمال الأميركية جيلي كينرز”.

ومانج (71 عاما) الذي يتمتع بخبرة واسعة في مجال جراحات الأنف وأجرى جراحات للعديد من نجوم المجتمع في ألمانيا، يتذكر البنت التي زارت عيادته مؤخرا. ويعتبر أن “مارك زوكربيرغ رئيس منصة فيسبوك صنع وحوشا”.

وأدت منصات التواصل الاجتماعي ومرشحات الصور إلى تغذية نوع جديد من الهوس بالجمال، وقد صار كثير من الشباب غير راضين عن شكلهم.

ويصف جراح التجميل ألكسندر هيلبرت الظاهرة بأنها اتجاه خطير.

ويرى أن الأشخاص الذين يلتقطون صورا كثيرة لأنفسهم يريدون أيضا أن يكون شكلهم أفضل، وقد تنامى هذا الاتجاه بشكل ملحوظ خلال الأعوام القليلة الماضية.

اللهاث وراء الصورة دون المضمون هو الشغل الشاغل للشباب وكل من يخالف هذا الاتجاه يبدو كأنه قادم من عصر آخر

ويشير إلى أنه يتلقى استفسارات وطلبات بشكل يومي من هؤلاء المستائين من مظهرهم.

وتوضح الجمعية الألمانية للجراحة التجميلية أنه لا توجد أرقام متاحة موثوق بها عن عدد الحالات التي تجري مثل هذه الجراحات، ويتم فقط تضمين الإجراءات التي يتم تنفيذها والدوافع من ورائها في الإحصاءات السنوية، ولا يتم تضمين الطلبات التي يرفضها جراحو التجميل.

وتشير الأرقام التي تنشرها الجمعية إلى أن المترددين على عيادات جراحي التجميل يقدمون صورا معدلة لأنفسهم عن طريق التطبيقات الرقمية، توضح الشكل الذي يريدون أن يصبحوا عليه، وذلك في 2.3 في المئة من الحالات، مما يمثل تراجعا نسبته 11.7 في المئة مقارنة بالعام السابق.

ويفسر هيلبرت هذا التراجع بأنه نتيجة للجائحة، ويتوقع بأن ترتفع هذه النسبة مرة أخرى بشكل مؤكد في ما بعد.

ويوضح أنه من المرجح أن يمضي الناس وقتهم في تصفح مواقع الإنترنت أثناء الجائحة، وهم يريدون أن يشبهوا “النماذج الجميلة التي تبدو صورها رائعة” على منصات التواصل الاجتماعي، ويقارنون بين أشكالهم وبين صور الأشخاص الذين يرقصون على منصة تيك توك، ويحاولون تقليدهم.

وفي عام 2020 الذي تفشى فيه فايروس كورونا، أمضى الشباب المزيد من الوقت أمام منصات إنستغرام وسنابشات وتيك توك وغيرها مقارنة بالعام السابق، وفقا لنتيجة دراسة أجراها باحثون ألمان حول استخدام الشباب لوسائل الإعلام.

وكان الاختلاف كبيرا مع منصة تيك توك، حيث يتشارك المستخدمون مقاطع فيديو قصيرة وأنيقة.

ويلقى هذا التطبيق إقبالا بوجه خاص بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و15 عاما. ووجد الباحثون أن عدد اليافعين الذين زاروا هذا التطبيق عدة مرات في الأسبوع، على الأقل، أثناء عام الجائحة زاد بنسبة 19 في المئة.

ويقول مانج وهيلبرت إنهما يرفضان إجراء جراحات لأشخاص يأتون لمجرد تلبية رغبتهم في أن يصبحوا شكل الشخصيات المؤثرة التي يريدون تقليدها، أو على شكل صور السيلفي التي غيروا ملامحها باستخدام برامج الكمبيوتر، ولا وجود لها في الواقع.

ويشير مانج إلى أن هؤلاء سيعثرون على جراح آخر ينفذ لهم ما يطلبون.

ويريد مانج الآن وضع معايير أكثر صرامة لتدريب جراحي التجميل، ويقول إن عددهم ينمو بشكل سريع، مضيفا “يمكن للجراح أن يجري عملية في الأنف رغم أنه لم يسبق له أن أجراها من قبل أثناء فترة تدريبه”. وينصح مانج أي شخص يتطلع لإجراء جراحة تجميل، بأن يتأكد من أن الطبيب الذي سيجري له العملية هو جراح متخصص في التجميل.

ويشير هيلبرت إلى أن هناك مسألة أخرى تتعلق بأن كثيرا من الأطباء الأخصائيين في مجالات أخرى يحصلون على أموال إضافية جانبية عن طريق إجراء جراحات تجميل.

ويمكن لهؤلاء في ألمانيا أن يطلقوا على أنفسهم جراحي تجميل، حيث أن هذا اللقب المهني لا يخضع للحماية، ويقول هيلبرت “الأخصائيون البدلاء يمكنهم، حتى من الناحية القانونية، أن يتيحوا موادا عبر الحقن للتخلص من التجاعيد، ويمكن إجراء التدريب على هذه العملية عبر شبكة الإنترنت”.

وازدهر مجال التجميل مع زيادة المشاركة في المؤتمرات عبر تقنية الفيديو بدرجة كبيرة نتيجة تفشي الجائحة، وتقول الجمعية الألمانية للجراحات التجميلية إن عدد عمليات التجميل التي ركزت على الوجه في 2020 كان كبيرا.

ويشير هيلبرت إلى أن الناس أثناء الجائحة ينظرون إلى أنفسهم باستمرار من خلال منصة زووم، مما يدفعهم إلى البحث عن جراحة لتجميل شكلهم.

ولاحظ أحد جراحي التجميل في الولايات المتحدة نفس الظاهرة، التي يصفها بأنها “طفرة زووم”.

وفي منطقة الشرق الأوسط شعر الأطباء بالدهشة إزاء الطلب الهائل على استخدام البوتكس والحشوات، وفقا لما قاله ماوريزيو فيل جراح التجميل الذي يعمل في دبي.

ويقول أشخاص يعملون مع مجموعة في مجال جراحات التجميل بالولايات المتحدة، إنه من المرجح أن تستمر هذه الاتجاهات، وتوقعوا أن يتواصل الإقبال على جراحات تحسين معالم الوجه وخط الفك.

العرب